لم تمضِ ساعات على محاولة اغتيال المرشح الرئاسي دونالد ترامب المفترضة، حتى سالت على ألسنة الاعلام الأميركي فرضية المخطط الايراني للثأر من قاتل قائد الحرس الثوري قاسم سليماني في الساعات الأخيرة من ولاية عهده السابق. فأي ملامح سياسية مرتقبة بين الولايات المتحدة وإيران يرسم هذا الاتهام؟
من المؤكد أن الجمهورية الاسلامية في إيران لا تحبذ وجود الحزب الجمهوري في إدارة البيت الأبيض، ذلك أن الديموقراطيين أعطوها أكثر مما توقعت في عهد الرئيس الديموقراطي السابق باراك أوباما حدَّ اعتبار أن الولايات المتحدة لم تعد الشيطان الأكبر. ومنذ انطلاق حملة الرئيس السابق دونالد ترامب توجس الايرانيون من عودته إلى السلطة بالنظر إلى تشدده حيال الملفات المرتبطة بهم كالاتفاق النووي وما يتفرع عنها من انعكاسات في السياسة والاقتصاد والمجتمع، خصوصاً وأن ترامب وبعد أن قتل سليماني أعطى أوامره بالاستعداد لتوجيه ضربة عسكرية الى إيران لكن فريق الرئيس المنتخب حينها جو بايدن حال دون ذلك وفقاً لصحف أميركية عدة.
يرى مصدر سياسي تحدث لـ “لبنان الكبير” أن “اتهام الأميركيين للإيرانيين بالتخطيط لاغتيال ترامب يرسم صورة سياسته تجاه إيران في حال انتخابه رئيساً للولايات المتحدة ويمكن اختصارها بالتشدد والإخضاع، فالذي أنهى عهده باغتيال إحدى أقوى الشخصيات الايرانية وأكثرها محورية في السلطة، لن يغير من أسلوبه المتشدد حيال الحكومة الايرانية خصوصاً وأنها تجرأت على الرد العسكري على حليفته إسرائيل التي قدم لها صفقة القرن والقدس الموحدة عاصمة لها، ولن يتوانى عن إضعاف أذرعها في المنطقة”.
وعلى الرغم من أن ترامب 2017 يختلف عن ترامب 2024، كذلك إيران 2017 تختلف عن إيران 2024 إلا أن هناك تربصاً متبادلاً بين الطرفين على اعتبار أنهما ليسا بمأمنٍ عن بعضهما بعضاً.
في هذا السياق، يقول المتخصص في الشؤون الايرانية أحمد فاروق (مصر) لـ “لبنان الكبير”: “إن حكومة مسعود بزشكيان ستعمل بصورة جادة وكما أوصاها القائد الأعلى علي خامنئي بالسير على نهج الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، بمعنى مواصلة تطوير العلاقات مع الجوار والقوى الآسيوية فضلاً عن دول أميركا اللاتينية مع محاولة الوصول إلى اتفاق مع الغرب لرفع العقوبات وفي إطار القانون البرلماني. وطريق بزشكيان سيكون معبداً إلى حد ما لا سيما في موضوع القوى الآسيوية والعلاقات مع الجوار لكنه سيواجه عوائق داخلية في ما يتعلق برفع العقوبات المرتبطة أساساً بالاتفاق النووي والعلاقة مع الولايات المتحدة”.
وعن علاقة إيران بالولايات المتحدة كما يراها بزشكيان مستقبلاً، يضيف فاروق: “قال بزشكيان أثناء المناظرات الانتخابية إنه سيعمل على رفع العقوبات الأميركية والغربية فضلاً عن إحياء الاتفاق النووي، ولكن الأمر مرتبط بعاملين أولهما السياسة التي ستنتهجها الحكومة الأميركية القادمة وهل هي التعامل مع إيران أم المواجهة؟ لذلك فإن الكرة الآن في الملعب الأميركي والغربي. أما العامل الثاني فهو تركيبة فريق عمل السياسة الخارجية وفريق التفاوض النووي فضلاً عن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي”.
ويتابع فاروق: “إن نظرة بزشكيان لحل المشكلات مع الولايات المتحدة منطلقها داخلي كما يُفهم من مقالته الانكليزية التي نُشرت في طهران تايمز ورأى فيها أن رأب الصدع الداخلي وتوحيده وبناء الثقة في الداخل يعتبر منطلقاً مهماً لحلحلة العلاقات مع الأميركيين والغرب. إن المفاوضات والاتفاقات بين طهران وواشنطن أثبتت عدم نجاحها بسبب تركيزها على محور واحد وهو الملف النووي في حين أنهما تحتاجان إلى مفاوضات شاملة حول الموضوعات الخلافية كافة لكي تنجح، مع الاشارة إلى أن بزشكيان يقدم تهدئة التوتر المجتمعي على الخارجي، ويرى أن الوصول إلى الأولويات الرئيسة للسياسة الخارجية يكون من خلال نزع فتيل التأزم حيال الملفات الحساسة كالاتفاق النووي”.
لا شك في أن الشرق الأوسط وكعادته يسير بين ألغام مصالح القوى الكبرى وعليه أن ينتظر إما رسو سفنها على شاطئ المصالح المؤمنة وإما ضياعها بين أمواج الصراع على إثبات القوة والوجود ومعها ينجرف الطرف المنتظر ليسقط إما في نعيم الاتفاق وإما في جحيم الاختلاف.