أين أصبحت الثورة وثوارها؟!

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

في البدايات أطلقوا عليها ثورة “الواتس اب”، احتج الجمهور اللبناني على زيادة الـ6 دولارات، تطورت الحكاية بعد أيام قليلة وتحركت مجموعات المجتمع المدني المعارضة والتي كان بعضها  في العام 2015 قد انتفض في الشارع احتجاجاً على أزمة النفايات للتعبئة والحشد، في صفوف الشباب الذين لم يعودوا يملكون أي أمل في بناء مستقبل بوطنهم، عبر اللبنانيون عن مدى اختناقهم من روائح الفساد وغلاء المعيشة ومن اللامبالاة بمطالبهم وحقوقهم، احتجوا على سياسة تدوير الأوضاع السياسية والأمنية والمالية والقانونية بما يفيد مصالح البعض، ولكن أين أصبحت الثورة اليوم؟ وأين هم ثوارها الذين قطعوا الطرقات وطالبوا باستقالة رئيس الجمهورية وأسقطوا الحكومة، وحاولوا مراراً وتكراراً فك أسر برلمان الشعب من رئيسه ونوابه واعترضوا مواكب مسؤولين ولاحقوهم حتى في المطاعم؟

حركة الاعتراض التي انطلقت في 17 تشرين 2019، كبرت مثل كرة الثلج، هناك من أسماها ثورة ومنهم من أطلق عليها انتفاضة، استقال نواب وحاولت قوى سياسية التغلغل في الصفوف بشعارات تعكس الخلاف حول سلاح “حزب الله” ومفهوم السيادة بين فريقي الصراع 14 و8 آذار، على جانبي الحراك، وأبقت الأكثرية على شعار “كلن يعني كلن”، لأن المحاسبة يجب أن تطال الجميع. قمع الثائرون، فُقئت أعين وأُحرقت خيم واعتُقل ناشطون، وسط تعتيم إعلامي مقصود، إلا أنهم اجترحوا وسائلهم في الوصول إلى الجمهور مؤكدين حضورهم في ساحة الصراع ومستفيدين من قدرتهم على بث الفيديوات. جاءت كورونا، تصاعدت الأزمة المالية والمعيشية وارتكبت جريمة العصر بتفجير المرفأ، ولم يسكت الناس عن محاولات لفلفة الملف من قبل العهد، المجتمع الدولي كان حاضراً والشهود موجودون. اليوم يحاول الثوار تنظيم أنفسهم، نبتت أحزاب جديدة، وهناك من عمل على بناء برامج مشتركة، لكن الشعارات المتفق عليها بالعموم، تصطدم بخلاف يدور في الكواليس عن التحاور وعما إذا كان إقفال بابه مفيداً أم لا. يستعدون لبناء جبهات لخوض الانتخابات النيابية المقبلة حيث يأملون بفوز، ربما يغير من واقع البلاد المرير، ولكن كيف يمكن ذلك في ظل القانون الانتخابي الحالي؟ بعضهم مصر على عدم طرح مشكلة السلاح في يد “حزب الله” وآخرون يعتبرون أن الحل يكمن في نزع هذا السلاح لصالح الدولة وبناء لبنان الجديد دون الاستقواء والتهديد من طرف يربط حياة اللبنانيين بحسابات الولي الفقيه. بالنسبة للبعض الثورة تجمع …. ولكن ماذا إن افترق “عشاقها” وانفخت الدف؟!.

عمار: الخلاف حول “حزب الله” و”التفاوض”

يقول الناشط السياسي طارق عمار لــ “لبنان الكبير”: “لا خلاف داخل مجموعات الثورة، هناك تغير في المشهد السياسي، مطالبنا بالتغيير مازالت موجودة، لكن بعد تفجير المرفأ واغتيال لقمان سليم وموقف البطريرك الماروني المستجد ودوره، يمكننا القول إن هناك ثلاث مجموعات في قلب الشارع اليوم، مجموعة “السياديين” الذين يعتبرون أن المشكلة الأساسية هي “حزب الله” وأن الانهيار الحاصل هو بسبب دوره الإقليمي، وهناك مجموعة مقابلة تعتبر أن “حزب الله” جزء من المنظومة لكنه “مقاومة” والسلاح ضروري لمواجهة إسرائيل و”داعش”، ولكنهم ليسوا كثرة، غالبية المجموعات الثورية تعتبر أنه من الصحيح أن “حزب الله” وسلاحه يشكلان أزمة كبيرة للبنان، وهو من جعل النظام يقف على رجليه، ولكن هناك مشكلة عضوية أيضاً، فالانهيار الاقتصادي في لبنان له تاريخ وكانت الحلول تأتي بمؤتمرات دولية. وبالتالي فإن المنظومة المالية المصرفية الفاسدة والميليشيوية المختبئة تحت راية النظام الطائفي مسؤولة عن التدهور”.

وإذ لفت إلى نشوء أحزاب جديدة في الثورة مثل 17 تشرين، اعتبر أن بعض المجموعات الناشطة استطاعت توجيه البوصلة بشكل لا تستفيد منه السلطة عبر تقاذف التهم للتهرب من المسؤولية، ونحن نعمل من اجل أن لا تعيد هذه السلطة إنتاج نفسها حتى تتساقط ونحضّر لحل لاحقاً، لذلك تم العمل على فضح التحاصص الطائفي والهدر ومزاريبه، والتركيز على شعار المحاسبة الذي أصبح شعاراً شعبياً، وما زال مطلب استرداد الأموال المنهوبة مطروحاً، كذلك استقلال القضاء للكشف عن الفساد والتدقيق الجنائي، ونعمل إعلامياً على كشف الفضائح حول ملكيات سياسيين، ونحن اليوم ما زلنا مع مطلب قيام حكومة انتقالية مع صلاحيات تشريعية، لكننا لا نرى فائدة مما يطرحه شربل نحاس في مجموعة “مواطنين ومواطنات” الذي يدعو إلى التفاوض حولها، وأنا أسأله هل نتفاوض أيضا على أموالنا المحجوزة، حول ما إذا سيأخذون أموالنا بالكامل أو تسعين بالمئة منها فقط، منطق التفاوض مع هذه السلطة عدم دراية بحجم الضرر الذي خلفته، والمطلوب ليس التفاوض بل المحاسبة، وفي السنة المقبلة هناك انتخابات، يعني نحن نتصدى لطروحات غير واقعية ولا تفيد الثورة، كما أننا نقوم بمواجهة أي خطاب يضع لنا خطوطاً حمراً كما يفعل حسن نصر الله”.

ويعترف عمار بأن “الأزمة المالية والاقتصادية وأزمة كورونا ستطولان، ولدينا سلطة مخيفة، بلا مسؤولية ومستعدة لإفلاس البلد بالكامل، ومن فيها ينتظر حدثاً إقليمياً أو دولياً ينقذه ويؤخر انهياره، سلطة عندها سلاح وجمهورها طائفي، سلطة مستعدة للتضحية بآخر لبناني، لكن الثورة مستمرة لتكسيرها وإظهار مساوئها وإضعاف قدرتها”.

ويشدد عمار في الختام على أن أي “عملية تغيير يجب ان تكون أولاً من خلال حكومة انتقالية وتغيير السلطة من خلال كل المعارك، في النقابات وخلط موازين القوى لصالح الثوار والبرامج الإصلاحية المفترض أن تحصل بعد تمكن الثوار من الوصول إلى السلطة”.

دبليز: تحريك الراي العام

من جهته، يعتبر الناشط في المجتمع المدني سامر دبليز أن ثورة 17 تشرين لم تأت من فراغ، كان هناك حراك لـ”طلعت ريحتكم” عام 2015، وسبق ذلك تحركات ضد النظام الطائفي، باءت بالفشل بعضها متعلق بخلفية هذه المجموعات ومنها ما يعود إلى عدم الخبرة، نتيجة أخذ أدوار لا يمكن تحملها، في 17 تشرين الناس نزلوا إلى الشارع نتيجة احتقان سياسي، وخلال الثلاثة أيام الأولى كانت هناك مشاركة من بيئة الثنائي الشيعي، لكن طرح شعارات طالبت بمحاسبة الفاسدين وإعادة الأموال المنهوبة وغيرها، أدى إلى انكفاء “حزب الله” من الشارع وبقي المحتجون على كل الأوضاع السياسية”.

ويوضح دبليز أن “المجموعات الضاغطة في المجتمع المدني كانت محركا للرأي العام، فرغم الخلافات الكبيرة بينها، تحولت الى حركة شعبية ليس لها رأس في الشارع، وأخذت وقتاً حتى أفرزت قيادات، بحكم طبيعة التركيبة المكونة للمجتمع اللبناني منها “الإيغو” و”الحسابات الخاصة”. وتبين أن تحييد “حزب الله” ومشكلة سلاحه الذي حصل في البداية، لمحاولة استجرار بيئته الحاضنة للمشاركة لم يكن فعالاً. “حزب الله” أدرك أن أي عملية تغيير بالبلد ستضر به كونه الحامي الفعلي للمنظومة الفاسدة الموجودة في السلطة، وهو موجود في تحالف قال عنه ماكرون إنه تحالف جهنمي بين منظومتي الفساد والسلاح الذي أسفر عن وجود هذه التركيبة السياسية التي نهبت البلد”.

وبرأيه ان “توحيد الثوار أمر غير واقعي، لأن الطروحات مختلفة، فالساحة فيها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ومنذ وقت قريب تبلورت تحالفات بين مجموعات تعمل بشكل مشترك ومتفقة على أهداف مشتركة وعملت على تقديم خطاب واضح، خاصة في ما يتعلق بسلاح “حزب الله” والمنظومة السياسية التي تحميه وتحمي الفساد”.

ويوضح أن “شعار “كلن يعني كلن”، تبين أن ليس له فاعلية، ولأن الثورة اُخمدت بسبب الهجوم المباشر عليها من السلطة وأحزابها، وتم استخدام السلطة هذه الحركة في الاحتراب الداخلي بين بعضهم البعض”.

وعن الآفاق التي فتحتها الثورة، يجيب دبليز: “عملت زلزال لكنه لم يترجم على أرض الواقع بأمور ملموسة لكن خلقت شيئاً ما في وجدان اللبنانيين والمجتمع، أنه لا يمكن احتمال هذه المنظومة التي أوصلت البلد إلى حالة موت سريري بسبب فسادها، وكتير من الناس الموجودين داخل هذه المنظومة انفضوا عنها لأنهم اكتشفوا أنها لا تهتم إلا بمصالحها وآخر همها حال البلد وحساباته، صحيح أن هناك أشخاصأ ما زالوا موالين لمنظومة السلطة، ولكن قسماً كبيراً عبّر عن استيائه وربما كان غير قادر على التحرك في الشارع، فالشارع يريد خطاباً سياسياً مختلفاً. ولحسن الحظ هناك اليوم جبهة معارضة لبنانية تضم مجموعات كبيرة من قوى الانتفاضة وحزب الكتائب وبعض النواب المستقلين يعطون مفهوماً مختلفاً للموضوع السياسي في لبنان، وربما تنشأ جبهات من مجموعات أخرى، واذا لم يجتمع الأشخاص الذين لهم قدرة على خلق خطاب مشترك ورؤية موحدة للبنان الجديد لا يمكن محاربة المنظومة الحالية والتي لها عصب هو الطائفية أساسي الذي يسمح لها أن تستمر، وكل ما طال الوقت كل ما زاد على اللبنانيين عذابات إضافية وخسائر للبلد”.

ويشدد على ان “المعركة كبيرة ولكن نحن بحاجة لتجمعات سياسية مختلفة عن السائد وأحزاب جديدة تقود مرحلة المواجهة، فالثورة فعلت ما فعلته في تحريك المياه الراكدة وبخلق وعي ومفاهيم جديدة وحالة رفض، لكن التظاهرات حالياً قد لا تخدم الشارع لأنه لا يوجد مجموعات موثوقة يمكن الاعتماد عليها. وهذا أمر يحتاج إلى تنظيم وعمل سياسي جدي برؤية واضحة ونحن نذهب في هذا الاتجاه”، معتبراً أن “الحل هو بالعمل على “انتخابات نيابية مبكرة تعيد إنتاج السلطة”.

عباس: اللبنانيون مأسورون

أما المحامي علي عباس الناشط في الإطار القانوني، فيشدد على أن الثورة ما زالت موجودة وشعاراتها مطروحة، لكنها وقعت في مطبات اجتراح نتيجة أزمات معينة أدت إلى شعور البعض بأن الثورة زاحت عن الطريق الذي بدأت فيه بعناوين جامعة ضد المنظومة الفاسدة، وصار هناك من يرمى مطالب أو شعارات أدت إلى شرذمة الشارع، ناهيك عن القمع الذي حصل وكورونا”، موضحاً أن “السلطة عندما وجدت أن المطالب السياسية تؤذيها، مارست أسلوب القمع، فركّضونا وراء الموقوفين وضيّعوا البوصلة وتم اجتراح أزمات اجتماعية أبقت اللبنانيين في حالة أسر بسبب حاجاتها في تأمين الخبز والبنزين والكهرباء”.

ووفق وجهة نظره، فإن “المنظومة الحاكمة منذ 30 سنة لن تكون مواجهتها سهلة، ما يحدث حالة إحباط في الشارع، فهذه المنظومة أمّنت على نفسها في القضاء والأمن والإدارة، وزعماء الحرب قادرون على اللعب على التناقضات وتخويف الناس وبث الفتن، لذلك المعركة صعبة”. وأبدى اعتراضه على مشاركة بعض القوى السياسية والأحزاب في الثورة، لافتا إلى أن “تبنيهم خطاب الثورة لا يعني أن بإمكانهم دفعنا إلى التخلي عن شعار “كلن يعني كلن” و”كلن” يجب أن يخضعوا للمساءلة والمحاكمة وليُبرأ من يبرأ في القضاء، ونحن هدفنا واضح، الوصول إلى دولة مدنية فيها عدالة اجتماعية ومساواة”.

ويؤكد: “همنا اليوم الإبقاء على عصب الثورة بانتظار لحظة ثورية تكبر كرة الثلج، وهناك تنسيق لتشكيل جبهات من اجل خوض الانتخابات النيابية، لقد أخذنا العبرة للتعامل مع غضب الناس، ولن نقع في فخ السلطة ونسمح باختراق الثورة وإضعافها باستغلال الإرث الطائفي اللبناني والأزمات السابقة ومرحلة الكورونا وتفجير المرفأ والأزمة المعيشية ورفع الأسعار وغلاء الدولار، سنحافظ على العصب وإبراز آراء للثوار لأن هذه الآراء ستكون المنقذ للبلد”.

ويلفت المحامي عباس أخيراً إلى أن “الشعب لم يكن راضياً على الحكام، فهم ضربوا بعرض الحائط الدستور، فليس لدينا مجلس نواب يراقب عمل الحكومة عملاً بمبادئ النظام والدستور، وليس هناك من فصل للسلطات، والقضاء غير مستقل، السلطات تركب الحكومة من نفس شرائح مجلس النواب فكيف تتم المحاسبة إذاً؟، لبنان يصبح شركة يديرها مجلس الوزراء ومجلس النواب هو الجمعية العمومية، فكيف سيراقب مجلس النواب حكومة هي جزء منه كأنه يراقب نفسه، ثم كيف يمكن للقضاء محاكمة الفاسدين وهم الذين عينوا القضاة؟”. ولاحظ انه “اليوم هناك من يطالب بالفيدرالية أو التدخل الدولي، وهذا يمس بمبادئ الثورة. من هنا نقول: الثورة لم تتشرذم وإنما هناك من يتحدث بغير خطابها”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً