fbpx

بين مملكة إسرائيل وإمبراطورية فارس… أين دولة العظماء؟

عاصم عبد الرحمن
السعودية ايران اسرائيل
تابعنا على الواتساب

حالٌ من الترقب يقيم العالم على ضفافه بانتظار الرد الايراني المرتقب بين لحظة وأخرى، على خرق إسرائيل سيادتها باغتيال الزعيم الفلسطيني اسماعيل هنية وانعكاساته المتوقعة على المنطقة ككل خصوصاً في ساحات الممانعة التي تداعت قياداتها وفصائلها إلى تنسيق رد موحد ومؤلم. فالتحدي الممانع اليوم ليس من أجل الانتقام لمقتل هنية ومعه قوافل الشهداء الفلسطينيين وحراس القدس، بل من أجل صون هيبة دولة نووية تدّعي مواجهة قوى الشر والاستعمار كما قيادة الشعوب المقهورة التي تسعى إلى رفع الظلم والتحرر. انتظارٌ إسرائيلي لثأرٍ رفع الايرانيون علمه الأحمر فوق مساجدهم يعيد إلى الأذهان مقالاً كتبه الأكاديمي الايراني السويدي الأميركي تريتا بارسي في صحيفة “هآرتس” الاسرائيلية في تموز 2008 بعنوان: “أمور جوهرية يجب أن يعرفها الايرانيون والاسرائيليون عن بعضهم البعض” ركز فيه خصوصاً على الاشارة إلى عدم وجود عداء تاريخي بين اليهود والفرس، وأن أي حروب لم تحصل بين الطرفين، وأكد أن الايرانيين لا يعتبرون اليهود أعداء، وأن تأييدهم للفلسطينيين لا يعني أن بلدهم يجب أن ينشط بقوة للدفاع عن قضيتهم وألا رغبة لهم في فتح حرب مع إسرائيل. كان واضحاً أن الأمر الأساسي الذي سعى المقال إلى تسويقه هو أن الاسرائيليين والايرانيين يتشاركون الشعور نفسه بأنهم معزولون في الشرق الأوسط ومحاطون بغالبية من السُنَّة والعرب. فهل يدمر الفرس واليهود بعضهم ويعيدون الميدان إلى أوليائه؟

إسرائيل الكبرى

منذ ما قبل تأسيس الحركة الصهيونية أواخر القرن الثامن عشر، ترافق شعار “حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل” مع التحركات الساعية إلى إنشاء الكيان الصهيوني في أرض الميعاد المزعومة التي سوّق لها بكل ما أوتي من خبث ومكر ودهاء منقطع النظير ثيودور هيرتزل الذي جعل من مشروعه إقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين خبز حياته اليومي والهواء الذي يتنفسه في كل ثانية. فلسطين وحدها أرضاً موعودة ولو عرض عليه سطح القمر أو جنات النعيم. رفض هيرتزل عروضاً مغرية لإقامة دولته الموعودة في الأرجنتين الواسعة وإفريقيا الغنية بالموارد وبلاد ما بين النهرين الجميلة بتاريخها وخيراتها، وهو ما رفضه السلطان عبد الحميد الثاني الذي نزع حقه بالكامل عن إمكان التصرف بفلسطين ولو أنها كانت واقعة ضمن دولته معللاً ذلك بامتلاك المسلمين الذين رووها بدمائهم دفاعاً عن قدسها الشريف لها، كذلك فعل بابا الفاتيكان الذي حمل على اليهود عدم إيمانهم بالسيد المسيح الذي قدَّس بجسده تراب القدس معتبراً أنه يجب أن يبقى خارج أي مشاريع سياسية مهما بلغت التحديات التاريخية.

ويمكن استطلاع حدود مملكة إسرائيل الكبرى التي رسمها الصهاينة من خلال مقال نشرته مجلة “كيفونيم” التي تصدرها المنظمة الصهيونية العالمية في القدس العدد 14 شباط 1982، تحت عنوان “إسرائيل الكبرى”، أما أبرز ما جاء فيه فيمكن إيجازه كالآتي:

إن استرداد سيناء بمواردها الحالية هو هدفنا الأولي. وعلينا أن نعمل على استعادتها، وعندما تصبح مصر مجزأة، ومن دون سلطة مركزية سنعمل على تفكيك كيانات ودول إسلامية أخرى مثل ليبيا والسودان وغيرهما، ونعمل على تشكيل دولة قبطية في أعالي مصر، وإقامة كيانات إقليمية إنفصالية ضعيفة أخرى في كل البلدان الاسلامية.

إن تقسيم لبنان إلى خمسة أقاليم، سيكون مقدمة لما سيحدث في مختلف أرجاء العالم العربي. وتفتيت سوريا والعراق إلى مناطق محددة على أسس المعايير العرقية أو الدينية، يجب أن يكون على المدى البعيد هدفاً أولوياً لإسرائيل، علماً بأن المرحلة الأولى منه تتمثل في تحطيم القوة العسكرية لدى هاتين الدولتين.

إن البنية الطائفية لسوريا ستساعدنا على تفكيكها إلى دولة شيعية على طول الساحل الغربي ودولة سنية في حلب وأخرى في دمشق، وكيان درزي يقاتل بدعمنا لتشكيل دولة انفصالية في الجولان من حوران وشمالي المملكة الأردنية.

إن العراق الغني بنفطه، والفريسة للصراعات الداخلية، هو في مرمى التسديد الاسرائيلي. وانهياره سيكون أهم من انهيار سوريا، لأن العراق يمثل أقوى تهديد لإسرائيل، علماً أن كل مواجهة بين عرب وعرب، ستكون مفيدة جداً لنا، لأنها ستقرب ساعة الانفجار المرتقب.

إن شبه جزيرة العرب مهيأة لتفكك وانهيار تحت ضغوط داخلية. كما هو الحال في المملكة العربية السعودية بالذات بحيث يتمشى اشتداد الأزمات الداخلية وسقوط النظام الملكي، مع منطق بنيتها السياسية الراهنة.

إن المملكة الأردنية الهاشمية تعتبر هدفاً استراتيجياً لنا في الوقت الحاضر، وهي لن تشكل تهديداً لنا بعد تفككها ونهاية حكم الحسين وانتقال السلطة إلى يد الأكثرية الفلسطينية. وهو ما ينبغي على السياسة الاسرائيلية أن تتطلع إليه وتعمل من أجله. إن هذا التغيير يعني حل مشكلة الضفة الغربية ذات الكثافة الشديدة من السكان العرب، فهجرة هؤلاء العرب إلى الشرق نحو الأردن سلماً أو حرباً وتجميد نموهم الاقتصادي والديموغرافي، هما ضمانة للتحولات القادمة التي سنفرضها، وعلينا رفض خطة الحكم الذاتي، أو أي خطة أخرى تهدف الى تسوية أو إلى مشاركة أو تعايش. وعلى الفلسطينيين أن يقتنعوا بأنهم لن يستطيعوا إقامة دولة إلا في المملكة الأردنية، ولن يعرفوا الأمان إلاّ باعترافهم بالسيادة اليهودية في ما بين البحر المتوسط ونهر الأردن.

الهلال الشيعي

إن مصطلح الهلال الشيعي أطلقه للمرة الأولى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في أواخر العام 2004 على غرار التسمية القديمة للهلال الخصيب الذي يطلق تاريخياً وأثرياً على منطقة حوض نهري دجلة والفرات، كان عبد الله متخوفاً بعد احتلال الولايات المتحدة للعراق عام 2003 من أن تأتي حكومة عراقية موالية لإيران تكون لها هلالاً شيعياً يمتد من إيران مروراً بالعراق ثم سوريا ولبنان.

بدا واضحاً أن هذا المصطلح الذي شاع استخدامه في الأدبيات السياسية في السنوات الأخيرة قد راق للإيرانيين الذين لم يتوانوا عن محاولات التوسع عربياً لاستعادة أمجاد امبراطورية فارس التي سقطت قبل أكثر من 1400 عام. وبالاطلاع على خريطة المنطقة يمكن استخلاص حدود المناطق التي ترغب الجمهورية الاسلامية في أن يهل هلالها في سمائها وتأخذ في اتصال مناطقها الموعودة شكل الهلال:

يمتد من جنوب الجزيرة العربية من صعدة في اليمن ثم ميناء الحديدة على البحر الأحمر وذلك تحت النفوذ الحوثي الذي حظي بدعم متواصل من طهران، مكنه من التحول إلى قوة عسكرية منظمة خارج إطار الدولة، وخاض معارك عديدة في مواجهة القوات اليمنية الشرعية والسعودية إلى أن احتل صنعاء عسكرياً عام 2014، ثم خليج عدن وسواحل بحر العرب.

يصل بحر عمان والخليج العربي والبحرين وذلك قبل تدخل السعودية وقوات درع الجزيرة عام 2011 ووقف الطموح الايراني باحتلالها.

يمر الهلال فوق سماء شط العرب ورأس الخليج العربي في الكويت ثم العراق الذي سيطرت إيران على معظم مناحي الحياة فيه من شبكات تجارية وسياسية واستخباراتية ذات الأغلبية الشيعية التي تهيمن عليها الأحزاب السياسية الشيعية منذ سقوط نظام الرئيس الشهيد صدام حسين في عام 2003.

يخيّم الهلال كذلك في أجواء بلاد الشام وتحديداً سوريا التي تشكل حلقة وصل بين إيران و”حزب الله” وآل الأسد، لعلاقة استراتيجية مع إيران منذ عام 1980، ولبنان حيث يسيطر “حزب الله” كأقوى منظمة مسلحة خارج الدولة اللبنانية، وشواطئ البحر الأبيض المتوسط وغزة في فلسطين حتى يصل مرة أخرى إلى رأس خليج العقبة في مياه البحر الأحمر.

رغبات نتنياهو

لا شك في أن هناك رغبات تختلج في صدر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو تتمثل في الذهاب إلى حرب واسعة، خصوصاً وأن نشوة انتصار مزعوم ملأت نفسه على أثر اغتيال رئيس الديبلوماسية لحركة “حماس” إسماعيل هنية بعد فشله طوال أكثر من 10 أشهر في استهداف أي من قيادات “كتائب القسام” المعنية في الدرجة الأولى بمعركة غزة وميدانها. إلا أن الدولة العميقة للكيان الاسرائيلي تدرك تماماً أن أي حرب موسعة من شأنها أن تفتح جبهة إسرائيل على احتمالات شديدة الخطورة في ما يتعلق بوجودها بالنظر إلى دخول عناصر قتالية غير معروفة في المواجهة مثل فصائل سنية عربية وإسلامية تتبنى قضية تحرير القدس، يجهل جيش الاحتلال كيفية التعامل معها ولا يملك إمكانات مواجهتها خصوصاً في حال كانت تعتمد العمليات الاستشهادية سبيلاً لمواجهة العدو وهي أكثر ما يؤرق إسرائيل التي رزحت طويلاً تحت ركام المسار الانتحاري الذي سلكه المناضل الفلسطيني التاريخي يحيى العياش.

وإذا كان الرئيس الأميركي جو بايدن قد عبَّر بمكالمة هاتفية عاصفة مع نتنياهو على خلفية اغتيال هنية، إلا أن الولايات المتحدة تقف خلف إسرائيل منذ تأسيسها في الدفاع عن نفسها في مختلف الظروف، وهو ما يدركه نتنياهو الطامح إلى حرب واسعة يستدرج الأميركيين إلى تغطيتها سياسياً وعسكرياً ظناً منه أنها ترسي وقائع عسكرية جديدة تترجم مكاسب سياسية تؤسس لمرحلة شرق أوسطية جديدة تتزعم فيها المنطقة بدولها المطبعة وأخرى كادت أن تطبع قبل انفجار “طوفان الأقصى”.

التمهل الإيراني

قال الحرس الثوري الايراني، إن رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية قتل بإطلاق قذيفة قصيرة المدى برأس حربي وزنه نحو 7 كيلوغرامات مصحوباً بانفجار شديد من خارج غرفته. وأضاف أن عملية قتل هنية جاءت “بدعم من الحكومة الأميركية” لإسرائيل، وهو الأمر الذي نفته واشنطن سابقاً بلسان وزير الخارجية أنتوني بلينكن الذي قال إن الولايات المتحدة لم تكن على علم بهذه العملية. بيان غابت عنه معطيات كثيرة لم يأتِ على ذكرها ويطرح عدداً من التساؤلات منها تسريب مكان إقامته وزمان وجوده، بالاضافة إلى إحجام العدو الصهيوني عن اغتيال شخصيات إيرانية تعكف على تهديده طالما أنه يتمتع بإمكانات إستخباراتية فائقة تمكنه من اختراق أكثر الأماكن استراتيجية في إيران.

استعداد ثأري يجري إعداده في أروقة محور الممانعة الذي تقوده الجمهورية الاسلامية للرد على الاعتداء الاسرائيلي لسيادتها يتسم بالبرودة والتمهل يعزوه البعض إلى الصبر الاستراتيجي الذي تتميز به السياسة الايرانية ليكون الرد قاسياً قاصماً للكبرياء الصهيوني. في حين أن البعض الآخر يرد التمهل الايراني في الرد إلى الإفساح في المجال أمام إسرائيل للقيام بمختلف الاحتياطات العسكرية واللوجيستية وتهيئة الملاجئ والمؤن وإخلاء المواقع الاستراتيجية، كذلك استكمال الاستعدادات الدفاعية الأميركية وهو ما تمثل بوصول حاملة الطائرات روزفلت إلى مضيق هرمز قبالة إيران. كذلك فإن الايرانيين في أمس الحاجة إلى التجييش العقائدي بين الجماهير الممانعة وهي أقرب إلى القنابل الصوتية التي تسبق كل مواجهة لتقديم مواد يستخدمها المحور سياسياً وإعلامياً وجماهيرياً.

إنَّ الصهيونية والفارسية وسيلتان لغاية واحدة هي الهيمنة على الشرق الأوسط بشقيه العربي والسني، وتمتلكان لتنفيذ مشروعهما “المملكة والامبراطورية” الاستراتيجية نفسها، تحطيم الدول وتفتيت الأنظمة. عبر التاريخ لم تتواجه القوتان مرة واحدة بل واجهتا معاً أو بصورة منفصلة القوى السنية والعربية بدولها وكياناتها وجماهيرها وعظمائها وتعمدان إلى قتلها معنوياً وجسدياً. إن التاريخ مليءٌ بالشواهد على إمكان عيش مختلف الطوائف والمذاهب في كنف الأنظمة السنية، فاليهود المشرّدون من المذابح الاسبانية عام 1391 لم يجدوا ملجأً سوى ربوع السلطنة العثمانية التي أوكلت نفسها أمر حمايتهم.

الامبراطورية الفارسية حاقدة على الأمة السنية والعرب ويختلج صدرها بالثأر منهم، أما الكيان الصهيوني فلم يستطع القيام في زمن الدولة العثمانية، لذا مَنْ يصدق أن طرفي النزاع مع طائفة العظماء ودولتهم سيتقاتلان ويخليا الميدان لها وهما يتشاركان تدميرها؟

نعم إنها طائفة العظماء التي يعيش في كنفها اليهود والمسيحيون والدروز والشيعة وكل البشر ما عدا الأبالسة المتاجرين بالإنسان والتاريخ والقضية. إن سقوط حلم إسرائيل الكبرى ومشروع إمبراطورية فارس لا يعني سقوط اليهود ولا الشيعة بل عودة دولة العظماء السنية والعربية التي تؤمن بالآخر والتي يسقط تحت أقدامها الصهاينة والفرس الذين يختطفون طوائف ينتمون إليها زوراً لإلغاء الآخرين باسمهم.

إشترك بالقائمة البريدية

شارك المقال