ما الذي يدفع إسرائيل الى التصعيد في الوقت الذي تسعى فيه كل دول العالم لاحتواء التوتر وتجنب توسع رقعة الحرب في الأراضي المحتلة لتصبح حرباً شاملة؟ وفقاً لمقال في موقع “فورين بوليسي”، يعكس التصعيد (من اشتباكات على الحدود واغتيالات) محاولات إسرائيل اليائسة لاستعادة الردع.
“التصعيد الاسرائيلي بحد ذاته ليس مفاجئاً أو غير مسبوق، حسب ما تلفت المحللة داليا داسا كاي، وتمتلك إسرائيل سجلاً طويلاً من الاغتيالات التي استهدفت القادة الفلسطينيين وعناصر وشخصيات بارزة في لبنان وسوريا. وسبق لها أن أظهرت منذ فترة طويلة قدرات استخباراتية تسمح لها بالتغلغل في عمق إيران. وعلى الرغم من أن جولات التصعيد السابقة على مدى الأشهر العشرة الماضية لم تؤدِ إلى حرب إقليمية شاملة، لا يمكن ضمان خفض التصعيد أو الاحتواء، خصوصاً وأن الأحداث على الأرض أو سوء التقدير أو حتى القرارات الاستراتيجية المتعمدة للاستفزاز، قد تطغى على الحسابات العقلانية. كما أن وتيرة الضربات الاسرائيلية الأخيرة وطبيعتها تزيدان بصورة كبيرة من خطر التصعيد. ولا شك في أن قادة إسرائيل يدركون أن اغتيال (فؤاد) شكر و(اسماعيل) هنية المتتاليين قد يدفعان بطهران، وربما الجماعات المسلحة الأخرى التي تدعمها، الى الرد.
كما تميل الروايات التي تناولت اغتيالات الأسبوع الماضي في وسائل الاعلام الغربية إلى تسليط الضوء على قدرات إسرائيل على شن هجمات عسكرية وتكنولوجية متطورة، لاعادة الانطباع بأن الجيش الاسرائيلي لا يقهر. ولكن هذا التفسير يتغاضى عن الوقائع، والحقيقة أن إسرائيل لا تشعر بالقوة، بل على العكس.. بالضعف. ومن الناحية الأساسية، لا تستخدم إسرائيل سوى القليل من الحسابات الاستراتيجية الطويلة الأجل في اتخاذ قراراتها. ولذلك، لا تتوانى اليوم عن تحمل أي مخاطرة في محاولة محمومة لاستعادة الردع.
ويكفي لفهم الحسابات الاسرائيلية الحالية، إدراك أثر السابع من أكتوبر/تشرين الأول، الذي حوّل الثقة الاسرائيلية إلى شعور عميق بالضعف بحيث حطم هجوم حماس الافتراضات الأساسية لدى الاسرائيليين حول تفوقهم العسكري والتكنولوجي والقدرة على العيش بأمان خلف الجدران والحدود المحصنة وعلى الازدهار اقتصادياً من دون تحقيق تقدم كبير نحو السلام مع الفلسطينيين. كما أن العديد من الاسرائيليين الذين يدرسون أو يعملون في مجال الأمن القومي غاضبون من حكومتهم بسبب إخفاقاتها الأمنية وعدم محاسبة القادة الذين فشلوا في الحفاظ على أمن البلاد، كما أن هناك تصوراً واسع النطاق بأن بنيامين نتنياهو ربما يطيل أمد الحرب لضمان بقائه السياسي.
بالاضافة إلى ذلك، تعاني القوات الاسرائيلية من الإنهاك على جبهات متعددة ويواجه الجيش تهديدات غير مسبوقة من المتطرفين المحليين، بما في ذلك من داخل صفوفه وصفوف الحكومة. وخلال الأسبوع الماضي، اقتحم ناشطون وسياسيون من اليمين إحدى القواعد العسكرية الاسرائيلية احتجاجاً على احتجاز جنود احتياطيين متهمين بإساءة معاملة السجناء الفلسطينيين. كما فقدت إسرائيل الدعم الدولي بسبب جرائمها في غزة، وتواجه تدقيقاً متزايداً في المنتديات القانونية في لاهاي، بسبب ممارساتها.
ويشعر العديد من المحللين الأمنيين الاسرائيليين بالقلق إزاء تآكل موقف إسرائيل الإقليمي؛ ولذلك تتمسك اسرائيل بموقفها العدواني في المنطقة حتى لو كان ذلك يزيد من خطر اندلاع حرب اقليمية أوسع نطاقاً. ولكنها تغامر من دون أي استراتيجية سياسية وهذا كفيل بإدامة الديناميكيات الاقليمية الناشئة وبالتالي باستمرار التوترات. وفي كل الأحوال، ما لم تحل القضية الفلسطينية، سيبقى أي اتفاق بلا طائل ولن يحل المعضلة الاستراتيجية الأكبر والتي تبقي المنطقة في حالة تأهب وعلى حافة الإنفجار”.