يعيش العالم عموماً والشرق الأوسط خصوصاً حالة من القلق في إنتظار الرد الايراني على اغتيال اسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” اسماعيل هنيّة في طهران ورد “حزب الله” على اغتيال القائد العسكري فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية. لكن بعيداً عن الحرب النفسية التي يستخدمها محور الممانعة، وقد ذكر الأمين العام لـ”الحزب” حسن نصر الله أن التأخير بالرد هو عقاب لاسرائيل وهدفه جعلها تقف “على إجر ونص”، يبدو أن هذا التأخير يخفي أموراً عدة لا بد من الاضاءة عليها.
لا شك في أن رد ايران و”الحزب” سيكون منسّقاً، ولكن ليس بالضرورة أن يكون في الوقت نفسه، ويستعرض الباحث في شؤون الأمن والدفاع رياض قهوجي الاحتمالات التي تقف وراء هذا التأخير الذي يدفع ثمنه لبنان بالدرجة الأولى، ويوضح أن الاحتمال الأول قد يكون حرص إيران على اختيار الأهداف الاسرائيلية بطريقة مدروسة بحيث لا يؤدي الردّ إلى ردّ فعل اسرائيلي كبير يؤدي إلى حرب مفتوحة.
الاحتمال الثاني يعود إلى اعطاء وقت للديبلوماسية وإمكان التوصّل إلى تفاهم مسبق حول كيفيّة الرد الايراني وطريقة الرد الاسرائيلي عليه، بمعنى آخر التوصّل إلى صيغة مشابهة لما حصل في نيسان الماضي عندما ردّت ايران بالصواريخ والمسيّرات التي أسقطتها الدفاعات الأميركية والاسرائيلية قبل أن تصل إلى تل أبيب، ما يؤدي إلى انتهاء المشكلة من دون أخطاء قد تفضي إلى حرب كبيرة.
أما الاحتمال الثالث للتأخير فقد يكون القلق الايراني، بمعنى أن طهران تريد أن تستعد على نحو أفضل للرد، وتأخذ في الاعتبار رد الفعل الاسرائيلي، بحيث إذا فشلت القنوات الديبلوماسية في إتمام صفقة أو سيناريو معيّن، سيكون رد الفعل الاسرائيلي قويّاً كقصف ايران مثلاً، لذلك هناك استعدادات إيرانية تشمل انتظار معدات وأسلحة تأتي من روسيا، وقد أكّدت تقارير في الأيام الماضية أن هناك طائرات يوميّة تصل من روسيا إلى ايران، حاملة منظومات دفاع جوي ومنظومات حرب الكترونية للتعامل مع أي هجمات من اسرائيل أو في حال تطوّر الأمر إلى نزاع تتدخل فيه الولايات المتحدة الأميركية.
في الوقت نفسه، كشفت معلومات أن روسيا حذّرت إيران من أن هناك مخاطر حقيقية تحدق بها، وأن أي رد يضر بإسرائيل سيعرضها لضربات قوية غير قادرة على تحملها، وأن الأمور لن تحل بالقوة، وهي تتجه نحو الهاوية بسرعة، لذلك على طهران التصرف بحكمة ورويّة من أجل درء المخاطر عنها، وهناك احتمال لضربة استباقية ستتعرض لها طهران في أي لحظة تشعر فيها إسرائيل بأن أمنها القومي معرض للخطر.
من البديهي أن تفكّر اسرائيل في توجيه ضربات استباقية إلى ايران و”الحزب” قبل الرد وربما لإضعاف هذا الرد، وقد تكون تل أبيب اليوم تنتظر أيضاً جهود القنوات الديبلوماسيّة لتبني على الشيء مقتضاه، لكن قهوجي يؤكّد أن “الضربة الاسرائيلية الاستباقية لإيران لن تكون سهلة لأن المسافة بعيدة، كما أن المساحة الايرانية كبيرة وواسعة لرصد أماكن إطلاق الصواريخ”، لافتاً إلى أن “الخطر الأكبر الذي يُقلق اسرائيل هو لبنان بسبب قرب المسافة بينه وبين اسرائيل، وقد نجح الحزب في اختراق الدفاعات الاسرائيلية وتحديداً بالمسيّرات، وتعمل اسرائيل بجهد كبير لرصد تحركاته على نحو مسبق وخصوصاً في إمكان إطلاق صواريخ باليستيّة كبيرة الحجم، يمكن رصدها فوق الأرض. أما المسيّرات فمن الصعب رصدها الا اذا انطلقت من مطارات محددة تستطيع اسرائيل التعامل معها وضربها مسبقاً”.
يبدو أن ردّ إيران و”الحزب” لا مفرّ منه، ولو تأخّر قليلاً، كذلك الرد الاسرائيلي، وربما يكون استباقياً، كل ذلك، يجعل المنطقة على “كفّ عفريت”، ولبنان الضحية الأكبر الذي يدفع الثمن من استقراره وأمنه واقتصاده وسياحته.