سوريا: هل سيعرف المختفون قسراً العدالة يوما ما؟

حسناء بو حرفوش

على الرغم من أن الحرب السورية هي واحدة من أكثر الحروب توثيقاً في التاريخ، يبقى الإفلات من العقاب هو القاعدة بالنسبة لمرتكبي الجرائم الدولية. هذه هي خلاصة مقال آنا كريستينا شميدل، والذي نشر على موقع “opendemocracy” البريطاني، في سياق التساؤلات حول إحقاق العدالة للمعتقلين والمختفين قسراً في الداخل السوري.

ووفقاً للمقال، عانى أكثر من 150 ألف سوري من الاختفاء القسري أو الاعتقال بشكل تعسفي في المعظم من قبل النظام منذ العام 2011. وأدان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشدة في تموز الماضي، لجوء النظام السوري المستمر لممارسات الإخفاء القسري أو غير الطوعي في الداخل السوري. كما أدان السفير البريطاني لدى الأمم المتحدة في جنيف، الذي قدم القرار المعتمد في هذا السياق، العنف الوحشي بشكل لا يوصف، في إشارة إلى دراية النظام بمصير المختفين ورفضه مشاركة المعلومات حولهم مع عائلاتهم (…) ولا شك في أن هذه الإدانات صادقة وقوية، لكنها لا تكفي للتخفيف من معاناة الضحايا وأقاربهم، كما أنها لا تغير الوضع على الأرض. وبعد عقد من اندلاع الحرب الأهلية السورية، لا يزال نظام الأسد في السلطة بقوة، وتشكل الأعمال البربرية التي يتعرض لها الشعب السوري أحد خطوط الصدع الكبرى في عصرنا.

(…) وبينما يصعب فهم الحجم الهائل لحالات الاختفاء القسري في سوريا، تشير التقديرات الأخيرة، إلى اختفاء أكثر من 150 ألف سوري أو احتجازهم بشكل تعسفي (من إجمالي عدد السكان البالغ حوالي 17 مليونًا) منذ العام 2011، معظمهم في قبضة النظام (…) علاوة على ذلك، من المعروف أن النظام يعذب بوحشية أولئك الذين يختفون داخل نظام سجونه السري (…) ومن أشهرها، سجن صيدنايا العسكري الذي يقع على بعد 30 كيلومترًا شمال دمشق. وأعادت منظمة العفو الدولية لحقوق الإنسان وفريق من المهندسين المعماريين في الطب الشرعي من جامعة غولدسميث في لندن بناء مجمع صيدنايا أمام جمهور دولي في العام 2017. وفي ظل عدم وجود صور حديثة، كان عليهم الاعتماد حصرياً على ذكريات المعتقلين السابقين.

البشر مجرد أرقام

وسرعان ما تتبلور صورة مروعة للغاية… السجناء أسرى الظلام والصمت المطبق والضرب بشكل روتيني. وهناك، يتسبب الجوع أو نقص الرعاية الطبية بفقدان الكثير من الأرواح. كما يعاني السجناء من الاكتظاظ الشديد، حيث قد يحشر ما يصل إلى 50 شخصًا في زنزانة مساحتها تسعة أمتار مربعة. وتشير التقديرات إلى الحكم بين عامي 2011 و2017، على نحو 13 ألف شخص بشكل تعسفي بالإعدام وتنفيذه في صيدنايا. ونحن نعلم أن النظام يوثق جرائمه بدقة منذ آب 2013، عندما انشق مصور عسكري شرعي يُدعى قيصر وقام بتهريب أكثر من 50 ألف صورة خارج سوريا. وقد خصصت لكل من الجثث التي التقطت صورها، وهي لسجناء قضوا في الأسر، ثلاثة أرقام: رقم يشير إلى مرفق احتجازهم ورقم المحتجز في المنشأة المذكورة ورقم الوفاة الصادر عن الطبيب الشرعي الذي عاين الجثة. وفي غضون ذلك، تشير مئات الآلاف من الوثائق الحكومية المهربة من سوريا إلى أن بشار الأسد نفسه يشرف على أوامر التعذيب والاختفاء القسري. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن هذه ليست الانتهاكات الجسيمة الوحيدة التي ارتكبها النظام: ففي حزيران، خلصت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في إحاطتها إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى أن قوات الأسد استخدمت أسلحة تتضمن موادّ كيميائية 17 مرة على الأقل. وانتقدت جماعات حقوقية النظام وحلفاءه الروس بسبب تعمدهم قصف المستشفيات والمدارس والبنية التحتية المدنية الأخرى في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون، في انتهاك واضح للقانون الإنساني الدولي.

النفي مستحيل

وبالإضافة إلى قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة المخصص للمختفين في سوريا، قامت اللجنة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن سوريا والآلية الدولية المحايدة والمستقلة، على التوالي، بجمع الكثير من الأدلة التي تؤكد على انتهاكات الحقوق والجرائم ضد الإنسانية في سوريا. كما قامت مجموعات الضحايا والنشطاء ومنظمات المجتمع المدني بعمل مهم في توثيق الانتهاكات وإبقاء قضية المختفين قسراً على جدول الأعمال الدولي. لكن نائج هذه الجهود بقيت محدودة، على الرغم من بعض التقدم في ألمانيا وهولندا.

إقرأ أيضاً: روسيا تستخدم سوريا في اختبارات سلاح الجو

سلوك النظام لن يتغير

ومع ذلك، من غير المرجح أن يتغير سلوك النظام أو أن تصل العدالة حد محاسبة أعلى مستويات القيادة السياسية أو أولئك الذين يتحملون المسؤولية الأكبر عن الجرائم الدولية، مع استمرار الدعم الروسي والإيراني للأسد. وإن بقيت الأمور على ما هي عليه، سيمر وقت طويل قبل أن يتمكن السوريون من الحداد علناً ​​على مصير أحبائهم وعلى بلدهم. حتى ذلك الحين، سيبقى ملف 150 ألف من المختفين في سوريا وعدد لا يحصى من ضحايا التعذيب والقتل، خط صدع في عصرنا وجرحاً في النظام الدولي القائم على الالتزام العالمي بحقوق الإنسان.

شارك المقال