fbpx

حايك “كبش محرقة” بلطشة كهرباء

جورج حايك
جورج حايك
تابعنا على الواتساب

ليس الهدف من هذا المقال أن نبحث عن التقصير في المشكلة الأخيرة التي تسببت في إنقطاع الكهرباء عن اللبنانيين منذ 17 آب الجاري، لأن آخر همّهم اليوم معرفة أسباب هذه الأزمة بعد مرور 34 عاماً من انتهاء الحرب اللبنانية، ومن السخافة أن نستعرض الأسباب التي أصبحت معروفة للجميع، وهي تسلّط “مافيا الكهرباء” ومصالح بعض السياسيين على هذا الملف الحيوي والأساسي.

لكن الاضاءة على كواليس ما حصل في الآونة الأخيرة بين المسؤولين المعنيين بهذا الملف، يعكس النهج الذي تتصرّف به هذه السلطة “المريضة”، وهو نهج التملّص من المسؤولية والهروب إلى الأمام.

في الحقيقة، لا تربطنا أي علاقة برئيس الحكومة نجيب ميقاتي ولا بوزير الطاقة وليد فياض ولا بالمدير العام لمؤسسة “كهرباء لبنان” كمال الحايك، إنما هذا الثلاثي كان محور “الحدث” في اليومين الفائتين، فيما المواطن يكاد أن يفقد الأمل من التنعّم بالكهرباء على نحو طبيعي كبقيّة شعوب العالم، علماً أن هذه الخدمة يدفع ثمنها مرتين كل شهر: فاتورة “الدولة” وفاتورة “الموتور”!

لا تخلو مشكلة الكهرباء الأخيرة من السياسة، فالجميع يعرف أن الوزير فياض محسوب على “التيار الوطني الحر” ورئيسه جبران باسيل، ويعمل بالنهج نفسه الذي اعتمده وزراء “التيار” السابقين، وليس سراً أن هذا الوزير معارض للرئيس ميقاتي لا يُشارك في أكثرية جلسات الحكومة التي يدعو إليها الأخير، وقد حصلت مواجهات عديدة بينهما على خلفيّة أزمة الكهرباء، كان آخرها في أواخر آب من العام الفائت، عندما وقّع فياض عقداً يتعلّق باستقدام باخرة فيول لشركة “كورال”، وقد فهم الوزير من سكوت الرئيس ميقاتي أنه موافق، حتى أن مناقصة الباخرة تمّت بموافقة هيئة الشراء العام! لكن فجأة، انتفض ميقاتي وردّ باخرة الفيول، معتبراً أن لا امكان للمصرف المركزي أو الخزينة لتأمين فتح الاعتماد، وكان أضعف الايمان أن يحصل تفاهم مسبق بين وزير الطاقة ورئيس الحكومة، بدلاً من هذه البهدلة!

والمفارقة، وفق مسؤول سابق في مؤسسة “كهرباء لبنان” مطلّع بعمق على أزمة الكهرباء، “أن ميقاتي وفياض التقيا واتفقا على تحميل مسؤولية توقّف التغذية بالتيار الكهربائي للمدير العام حايك، وربما هو يتحمّل جزءاً من المسؤولية، لكن للإنصاف، فإن مؤسسة كهرباء لبنان لا تشتري المحروقات وفق قانون كهرباء لبنان إنما المديرية العامة للنفط، وبحسب علمي ان المؤسسة بإدارة حايك أصدرت بيانات ومراسلات عدة بصيغة عاجل وهام جداً منذ شهر أيار الفائت تحذّر من الخلل الداهم الذي سيؤثّر على ديمومة انتاج الطاقة مؤكّدة أن ذلك سيؤدي إلى توقّف معملي الزهراني ودير عمار عن الإنتاج قسرياً، وكان الوزير فياض والمديرية العامة للنفط على علم بذلك”.

والأكثر غرابة أن وزارة الطاقة ومجلس الوزراء غضّا النظر عن كل هذه البيانات والمراسلات في حين كان يقتضي أن تتم معالجة المسألة، ويلفت المسؤول السابق إلى أن “مؤسسة كهرباء لبنان اتخذت اجراءات احترازية بصورة متواصلة لإطالة فترة انتاج الطاقة قدر المستطاع وذلك لتغذية المرافق الأساسية في الدولة اللبنانية لا سيما المطار والمرفأ ومضخات المياه بالتيار الكهربائي”.

وليس سراً أن تفريغ شحنات الغاز أويل المستَبدَل من الفيول العراقي، حسب الاتفاقية الموقَّعة بين لبنان والعراق في العام 2021، تأخّر بسبب “الإشكالية المالية ما بين مصرف لبنان والحكومة اللبنانية، على الرغم من أن هذه السياسة عقيمة ولن تؤدي إلى حل الأزمة”، بحسب ما أشار المسؤول السابق في مؤسسة “كهرباء لبنان”.

في هذه الظروف الحالكة التي تهدّد الأمن الاجتماعي والاقتصادي للمواطن اللبناني، اختار وزير الطاقة السفر إلى الصين لمدة أسبوعين خلال حزيران الماضي للمشاركة في ندوة عن “الطاقة” هناك، ثم “حبكت” مع حايك السفر بداعي الإجازة في ذروة الأزمة وبإذن من الوزير فياض، ألا يطرح هذا الأداء علامة استفهام على الأسلوب الذي تدار به المؤسسات؟

ويطرح المسؤول السابق أسئلة محقة: لماذا لم يسحب مجلس الوزراء “أرنب” المازوت عبر الاستعانة بالمنشآت أو حصة الجيش قبل أسبوع؟ من المؤكد أن هناك بيروقراطية في مؤسسة “كهرباء لبنان”، كما يقول الوزير فياض، لكن هل تصطلح الأمور بكبسة زر؟ أما السؤال الكبير، ما دامت مؤسسة “كهرباء لبنان” حذّرت عبر المراسلات الداخلية وزارة الطاقة والحكومة من الأزمة الآتية، فلماذا لم تتحركا مسبقاً لتداركها بدلاً من جعل حايك كبش محرقة عبر إحالته على التفتيش المركزي؟

أما منطق الوزير فياض الذي يغطّي “سماوات” توسّل المساعدات من الجزائر وغيرها بـ”قباوات” الصمود والعنفوان والكرامة والمقاومة والشعارات البالية فهو مثير للسخرية، بحيث يبدو كمن يتوسّل الفيول من هنا وهناك ويبيع الدول شعارات، علماً أن أكثر من نصف اللبنانيين ليسوا مع “محور” الوزير الذي يرتكب المعاصي بإسم مواجهة العدو الصهيوني، وهذه ذروة النفاق والفساد!

لقد هُدرت مليارات الدولارات على هذا القطاع من دون نتيجة، بإدارة وزراء جبران باسيل، وقد جرّب كل شيء: بواخر الفيول، المؤتمرات، الخطط المغرية نظرياً والغارقة في الفساد تطبيقياً… فيما ليس هناك حل إلا في الانتقال إلى ذهنيّة جديدة، تقضي أولاً بتخلي التيار السياسي الذي فشل في معالجة أزمة الكهرباء عن وزارة الطاقة. ثانياً، تشريع قوانين في المجلس النيابي تتيح إشراك القطاع الخاص في توليد الكهرباء. ثالثاً، رفع يد مافيا الكهرباء عن القطاع، بحيث ينتقل لبنان في هذا المجال من العالم العاشر إلى العالم المتحضّر الذي أصبحت فيه الكهرباء من أدنى حقوق المواطن!

أما الوسيلة الوحيدة للتغيير إلى حلّ فوري للكهرباء، فهي انتفاضة شعبية في وجه مافيا الكهرباء، وما لم تحصل هذه الانتفاضة فإنّ من الصعب أن يرى المواطن اللبناني النور.

إشترك بالقائمة البريدية

شارك المقال