رحلة هروب: “لم نجرؤ على رفع أعيننا بوجه عناصر طالبان”

حسناء بو حرفوش

ماذا إن نظرنا في عيون قوات طالبان؟ ماذا إن عدل أحد العناصر عن السماح لنا بالمرور؟ متى ينتهي هذا الخوف؟ هي مجموعة من الأسئلة التي تراود مراسل موقع “ذا اندبندنت” البريطاني الذي يشارك في مقال، رحلة هروب يتمدد فيها الزمان ويقاس بالترقب. وقد تجد هذه التساؤلات بعض الشرعية ما بعد نشر موقع “بوليتيكو” أن الأميركيين سلموا قائمة للموت تتحمل أسماء أفغان قاموا بمساعدة قوات الولايات المتحدة.

خطر ببصمة أميركية

البداية من موقع “بيزنس ستاندارد” الذي سلط الضوء على حيازة طالبان قائمة بأسماء مواطنين أميركيين ومزدوجي الجنسية بالإضافة إلى حاملي الإقامة في الولايات المتحدة من أجل تسهيل وصولهم إلى المطار. لكن المشكلة في القائمة هي أنها تحتوي بالإضافة إلى ما ذكر على أسماء أفغان عملوا جنباً إلى جنب مع القوات الدبلوماسية والعسكرية الأميركية، مع العلم بأن ذلك قد يهدد حياتهم بالنظر إلى السياسات الانتقامية التي عرفت في الماضي عن طالبان إزاء الأفغان الذين يتعاملون مع أميركا.

الاختبار على الأرض

وعلى الأرض، يبدو أن المعاناة في محاولة الخروج من أفغانستان تطال الجميع دون استثناء، والجدير بالذكر أن مطار كابول شهد هجومين دمويين خارج مطار كابل، أسفرا عن مقتل عشرات العسكريين الأميركيين والأفغان، تبناهما فرع تنظيم “داعش” في أفغانستان. فكيف يمكن الخروج؟ الكاتب والخبير الأفغاني، فريدون آجند، يروي في مقاله على موقع “اندبندنت”، عن ساعات الهروب الطوال.

“اضطررت وزملائي لمغادرة كابول في ظل الغموض المحيط بمصيرنا. التقيت في تمام السابعة صباحاً مع ثلاثة من زملائي. ومرت الساعات ثقيلة للغاية (…) ذهبنا إلى محطة الانتظار كما ينص الاتفاق الجديد للدول مع طالبان (…) وعندما وصلنا إلى المكان المحدد، لم نجد أي سيارات. ماذا نفعل بحقائب ظهرنا وكيف لنا أن نتوارى عن أنظار أعضاء طالبان الذين يقومون بدوريات في المنطقة من حين لآخر (…) وعند الساعة 11 صباحًا، ظهرت حافلتان صغيرتان تتسعان لحوالي 50 شخصًا. وبالكاد وصلتا حتى غص المكان بالناس الذين ظهروا من العدم. توجب علينا الانتظار قليلاً لأن عائلة واحدة كانت مفقودة. باستثناء الصحافيين الأربعة منا، الباقون جميعاً عملوا كمترجمين يعمل مع القوات الأجنبية، بالإضافة إلى عائلاتهم.

لم نعرف إن توجب انتظار العائلة الأخيرة أو المغادرة بأسرع وقت ممكن. في اليوم السابق، لم تسمح حركة طالبان بدخول 150 شخصًا على متن هذه الحافلات الصغيرة إلى المطار ونقلوا إلى مكان مجهول، ثم أعيدوا بعد ساعات من الجهود الدولية لكن السائق الذي يقلنا أخبرنا أنهم تعرضوا للضرب والإهانة ولسرقة مقتنياتهم الثمينة من هواتف محمولة وأجهزة كمبيوتر وساعات وأموال. وعلى الرغم من ايقاننا ضرورة الإسراع بالمغادرة، ما كان بمقدورنا إدارة ظهورنا لأسرة فقيرة. هذه الحافلة هي وسيلة خروجها الوحيد. انتظرنا لمدة نصف ساعة حتى وصلت العائلة أخيرًا، علما بأن شخصاً واحداً ينقصها. تجاهل السائق هذه المرة التوسل للانتظار ومضى إلى المطار. كان ذلك الفرد الأخير في سيارة أجرة خلفنا لكنه لم يتمكن من الوصول بسبب الازدحام وحركة المرور. كنا على بعد 100 متر من بوابات المطار عندما انضم إلينا أخيرًا.

داخل المطار، قلق وخوف وندم.. العشرات من الرجال والنساء والأطفال تحت أشعة الشمس الحارقة، والعيون مسمرة على بوابات المطار. لم يمتلكوا وثائق تثبت حاجتهم للمغادرة كابول لكنهم توقعوا إجلاءهم أيضًا. ربما تعرضت حياتهم للتهديد، مثلنا تمامًا، لكنهم لم يتمكنوا من إثبات ذلك. لم يفارقنا الخوف والقلق لمدة 90 دقيقة تقريبًا، لكن الدقائق العشر التي أمضيناها في المرور عبر نقطتي تفتيش طالبان باغتتنا بشعور مختلف. لم يجرؤ أحد منا على النظر في عيون قوات طالبان. كنا خائفين من عدم سماح العناصر لنا بالمغادرة.

لقد شددت طالبان مرارًا وتكرارًا على عدم رغبتها بمضايقة أي شخص يريد المغادرة، لكن من سيصدق المسلحين الذين يقومون بدوريات؟ كان من الواضح أن الجنود لن يلتزموا بالضرورة بالعفو العام الذي أعلنه قائدهم الأعلى أو بالاتفاق المبرم مع الأجانب والذي ينص على عدم عرقلة تعطيل الإخلاء. عندما وصلنا إلى نقطة التفتيش الأخيرة التابعة لطالبان، لم ترغب الدورية المسلحة بتسهيل مرورنا. وعلى بعد 30 مترًا، يصطف جنود أميركيون مسلحون بالكامل وفي حالة تأهب، لكننا علمنا أنهم لا يستطيعون فعل أي شيء طالما لم نصل إلى المنطقة الواقعة تحت سيطرتهم.

كان على حراس الحاجز استئذان قائدهم للسماح لنا بالمرور لكن أحد الجنود رفض أن يتزحزح عن السلك الشائك الذي يفصل بيننا وبين الأميركيين. فنزل مساعد السائق والمنسق من الحافلة الصغيرة وقطعوا الأسلاك الشائكة بنفسيهما. أخيرًا، تنفسنا الصعداء. انتقلنا بسيارات أميركية إلى قاعدة في الربع الشمالي من المطار. راودنا شعور بأننا قلة لكن سرعان ما رأينا الآلاف بانتظار الطائرات.. ناس من كل الجهات والمراكز، من كبار المسؤولين الحكوميين إلى عناصر الكوماندوز الأفغان. سألت أحدهم كيف يغادر وهو جندي؟ فأجابني بأن طالبان تريده ميتا لأنها تعرف أنه والعناصر الأخرى تسببوا بضرر كبير أثناء الحرب. وأردفت بالاستفسار عن عدم انخراطه بالقتال، فقاطعني بابتسامة مريرة: “لقد استسلم قادتنا دون قيد أو شرط”.

تذكرت حينها شريط فيديو يظهر أحد عناصر الكوماندوز وهو يبكي ويتوسل قائده: “سلاحي هو شرفي. أرجوك لا تأخذه مني! عندما حلت الساعة الثالثة من بعد الظهر، وصلت رحلة طيران إماراتية. وسمح لنا بالإنطلاق إلى مكان مجهول. لم تمتلك الطائرة العسكرية أي نوافذ، لذا لم أستطع التلويح بالوداع. ولكن ماذا إن وجدت النوافذ؟ ليس لي أحد لأودعه.. وما كانت النوافذ إلا لتظهر أولئك المنتظرين على الجانب الآخر من الجدران الإسمنتية، بعيون مسمرة إلى السماء علما بأنهم قد لا يدركون أية رحلة على الإطلاق..”

هل تغيرت طالبان؟

وفي المقلب الآخر، تصر حركة طالبان على أنها لا تتعرض بالتهديد أو بالسياسات الانتقامية لأي من الراغبين بمغادرة البلاد. وكان الناطق باسمها، ذبيح الله مجاهد قد شارك الأسبوع الماضي، تمنيات طالبان بمستقبل لامع للشعب الأفغاني، لافتا إلى أن الحرية وتحقيق الاستقلال من الحقوق المشروعة لكافة البلدان. كما أكد أن أفغانستان الإسلامية لن تصفي حسابات مع أي أطراف في أفغانستان وأن البلاد لن تستغل لإلحاق الضرر بالآخرين.

المصادر:
1- business standard
2- independent

شارك المقال