هل تستعيد الدول العربية دورها كوسيط؟ يطرح هذا السؤال بأشكال عدة في ظل استضافة العراق اجتماعاً بين رؤساء ومسؤولين كبار في الشرق الأوسط. صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية شددت على أن القمة في العراق تهدف لتخفيف التوترات في المنطقة والتأكيد على الدور الجديد للدولة العربية كوسيط. وهذا خصوصاً بعدما اعتاد العرب “تجنب العراق إلى حد كبير على مدى العقود القليلة الماضية بسبب مخاوف أمنية عززتها الحروب المتتالية والاضطرابات الداخلية”.
وعلى شبكة تلفزيون الصين الدولية (سي جي تي إن) قراءة تتقاطع مع التوقعات الأميركية، حيث يتوقع الكاتب “عودة الهدوء إلى مكان بعيد الاحتمال نهاية هذا الأسبوع، في إشارة إلى العراق، على الرغم من الوضع المحفوف بالمخاطر في أفغانستان. حيث إن اللقاء بين قادة دول الخليج ومسؤولين إيرانيين وممثلين عن تركيا والأردن ومصر تحت رعاية رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يأتي في بادرة تعاون ما كان من السهل تصورها في السنوات الأخيرة.
تطلعات براغماتية
وستمثل قمة بغداد أول مشاركة مباشرة بين الخصمين الإقليميين، السعودية وإيران. وذلك بعد انقطاع في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ اندلاع الحرب في اليمن في العام 2016، وهو موضوع من جملة المواضيع التي قد تطرح خلال القمة. مع العلم أن هناك حوادث ساهمت بزيادة التوترات بين الرياض وطهران، أهمها الهجوم على منشآت نفطية سعودية في العام 2019، على الرغم من نفي طهران تورطها فيه بشدة. وبالتالي، يكتسب الاجتماع أهمية مضاعفة. ومع ذلك، يبدو أن ماكرون والكاظمي حافظا على موقف براغماتي للغاية في تطلعاتهما للقمة. وبحسب مصدر في قصر الإليزيه، تهدف القمة للمبادرة بشيء ما، يمكن العودة والبناء عليه بعد المؤتمر.
وخلافاً للعديد من المحادثات رفيعة المستوى التي أجراها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، لن تنتهي القمة بـ”صفقة” وشيكة في المستقبل القريب. عدا عن ذلك، يسهل انخفاض التوقعات إلى حد ما من اتباع نهج تدريجي أكثر دبلوماسية وبناء الثقة والتوافق مع مرور الوقت (…) ما يتيح تحقيق التقارب بين القوى التي تمثل الأكثريتين السنية والشيعية.
أولويات خاصة لكل بلد
وكان رئيس الوزراء العراقي الكاظمي قد أشار إلى الطابع الرمزي للمحادثات، وشدد على إمكانية اعتبار مجرد الجمع بين وزراء الخارجية على طاولة واحدة، خرقاً لصالح إنهاء التوترات بين الإيرانيين ودول الخليج العربية. ومع ذلك، من المؤكد أن كل دولة تقدم مجموعة أولوياتها الخاصة للمحادثات، سواء تم الكشف عنها أم لا.
وسينظر إلى المحادثات المباشرة على سبيل المثال، دوما بحسب الكاتب، على أنها مفيدة للمصالح الأمنية السعودية في حال أثمرت المحادثات حول استئناف الاتفاق النووي الإيراني. وهي نقطة ألمح إليها مركز الأبحاث التابع لمجموعة الأزمات الدولية في تصريحاته الأخيرة في ظل التوترات الإقليمية المتزايدة وتحديداً بعد انتصار طالبان في أفغانستان. ومن المرجح أن احتمال نشوب صراع إقليمي، إلى جانب تصور واشنطن على أنها غير موثوقة، قد دفع بالسعوديين والإماراتيين إلى السعي لخفض تصعيد ثنائي محدود وتكتيكي مع طهران.
العراق يستعيد الثقة
أما بالنسبة للعراق، تمثل استضافة قمة كبرى وسيلة لاستعادة الثقة والاستقرار اللذين فقدتهما البلاد منذ عقود. وكانت المحللة والخبيرة في الشؤون العراقية، مارسين الشمري، قد قالت خلال مقابلة لـ”فرانس 24″ أن العراق يرى كدولة مخيفة في المنطقة، وكان الجميع ينظر إليها على أنها تهديد … وبالتالي فإن القمة أمر إيجابي بالنسبة للبلاد.” وسيكون من الخطأ افتراض أي ضمانات. يقول إميل حكيم من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، في هذا السياق أن خفض التصعيد هذا هش ويمكن عكسه لأنه نتاج ظروف إقليمية مؤقتة… ولا يعكس تغييرًا واسع النطاق في العقليات.
العودة إلى الحوار
ويمتد “الاصطفاف المؤقت” حالياً إلى ما هو أبعد من المخاوف الأمنية، كما نقلت صحيفة “فاينانشيال تايمز” عن مسؤول عربي رفيع المستوى، حيث شدد على أن الجميع قد سئم من تعقيد الأمور. ولا يمكن التقليل من أهمية التأثير الاقتصادي لجائحة كورونا على بلدان المنطقة وعلاقاتها. وبالنتيجة، لا يمكن المضي قدمًا دون تحقيق الاستقرار السياسي. فنحن بحاجة إلى وظائف، ونحتاج إلى اقتصاد قوي ولا يمكننا فعل ذلك دون الحوار مع بعضنا البعض. وبقدر ما تتيح القمة أمام العراق فرصة لاستعادة السيطرة على مساره، وفقًا لتحليل على موقع “تشاتام هاوس”، تشكل هذه القمة أيضاً فرصة للمنطقة ككل للسيطرة على مصيرها”.
المصدر:
1- cgtn
2- washington post
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.