على الرغم من الغاء الاحتفال المركزي، إلا أن الحركيين لم يتركوا ذكرى تغييب الامام السيد موسى الصدر تمر من دون أحد مظاهرها المعتادة، فجالت المسيرات داخل المناطق مرفرفة بأعلام “أمل”، بينما انتشرت مكبرات الصوت في الطرق تبث الأناشيد ويتجمهر حولها الحركيون من أبناء الأحياء، بانتظار أن تبدأ كلمة الرئيس نبيه بري السنوية، حاملين صور الشهداء الذين جددوا الدم والعهد الحركي.
وكما كان متوقعاً ركز الرئيس بري في كلمته على العدوانية الاسرائيلية في لبنان وقطاع غزة والضفة الغربية. وفي الجبهة الجنوبية اعتبر أنه يجب الزام اسرائيل بتطبيق القرار 1701، أما في الشأن الرئاسي فجدد بري موقفه الداعي الى الحوار، الذي أطلقه منذ سنة بالتمام، مشدداً على أنه الطريق إلى الرئاسة، عازلاً الاستحقاق الرئاسي عن الميدان.
وفي قراءة لخطاب بري، رأت أوساط الثنائي الشيعي في حديث لموقع “لبنان الكبير” أنه أكد المؤكد “الرئاسة خارج أي حسابات اقليمية، ولا علاقة للميدان بها، والطريق الوحيد اليها هو التشاور، وأهم ما في خطابه أنه توجه الى المراهنين على تحولات اقليمية تصب في مصلحتهم داعياً اياهم الى أن يتقوا الله، وفي هذا رسالة أن العرقلة هي من جهتهم، وهم معروفون بمواقفهم التي ترفض الحوار والتشاور تحت حجج واهية أصبح الجميع يفطن لها”.
ولفتت الأوساط إلى أن الرئيس بري يبدو مطلعاً على أجواء مواقع التواصل الاجتماعي والأبواق الاعلامية، بحيث ذكر موضوع بعض الأصوات الذي يصرخ رافضةً استقبال النازحين من العدوان الاسرائيلي، وعرّى وطنيته المزعومة قائلاً: “شيمتنا الصدر”.
في المقابل، توقفت أوساط المعارضة عند ختام كلمة بري قارئة فيها “عودة الحركة السياسية التي يرأسها رئيس مجلس النواب إلى زمن الميليشيات، بينما من المفترض أن يسعى الى أن يكون الجيش اللبناني وحده هو المدافع عن الوطن وبالتالي هو يغطي بل يكاد يتقدم على حزب الله في هذا الأمر، فهل يريد بري العودة إلى زمان مضى؟”.
وكان بري ختم خطابه قائلاً: “نجدد العهد والوعد، قولاً وعملاً، جهاداً واستشهاداً دفاعاً عن لبنان وعن جنوبه، مهما غلت التضحيات، ومن أجل بقائه وطناً نهائياً لجميع أبنائه، وطناً يليق بأحلام الشهداء وتطلعات أبنائهم وآبائهم وكل اللبنانيين، وطناً قوياً عزيزاً منتصراً”.
أما في الشأن الرئاسي، فاعتبرت الأوساط أن “بري نعى الرئاسة كلياً، بحيث قال بنفسه انه يطرح المبادرة نفسها التي طرحها منذ سنة بالكامل، ما يعني رفض كل المبادرات التي طرحت خلال السنة محلية وخارجية”، متوقعة أن يكون لرئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع تعليق على كلام بري اليوم في قداس شهداء “القوات”، الذي يتم احياؤه في معراب.
وأكد بري في خطابه التزام لبنان ببنود ومندرجات القرار 1701 وتطبيقه حرفياً، مشيرا إلى أن “كل الموفدين الدوليين والأمميين ومنذ اللحظات الأولى لصدور هذا القرار، يشهدون أن منطقة عمل قوات الطوارئ الدولية منذ العام 2006 وحتى السادس من تشرين الأول 2023 كانت المنطقة الأكثر إستقراراً في الشرق الأوسط”.
ورأى أن “الطرف الوحيد المطلوب إلزامه بهذا القرار هي إسرائيل التي سجلت رقماً قياسياً بإنتهاك كل القرارات الأممية ذات الصلة بالصراع العربي الاسرائيلي ومن بينها القرار 1701 الذي خرقته براً وبحراً وجواً بأكثر من 30 ألف مرة”.
وتوجه بري بـ “الشكر والتقدير والامتنان لكل لبناني أينما كان في الجبل الأشم، في الشمال وجزين والبقاع والعاصمة الحبيبة بيروت، للذين شرّعوا قلوبهم ومنازلهم لإستضافة إخوانهم الوافدين من الجنوب، والشكر الجزيل جداً جداً، أيضاً لبعض اللبنانيين الذين تمنعوا عن إستقبال نظراء لهم في الإنسانية وفي المواطنية شكراً لهم، وشيمتنا الصدر حيال هذا التصرف، شيمتنا، تعالياً وتجاوزاً للإساءات والتجريح، وتمسكاً أكثر من أي وقت مضى، بالوحدة الوطنية التي هي أفضل وجوه الحرب مع اسرائيل وبالتعايش الإسلامي المسيحي كثروة لا يجوز التفريط بها”.
واعتبر أن ما يحصل في الجنوب “أبداً ليس حوادث كما يحلو للبعض ويدعو هذا البعض أيضاً الحكومة الى التبرؤ مما يحصل، إن ما يتعرض له لبنان من بوابة الجنوب هو عدوان إسرائيلي مكتمل الأركان، وما يقوم به دولة رئيس الحكومة وفريقه الحكومي هو واجب الوجوب وبمنتهى الصراحة والوضوح ولبعض الواهمين والمراهنين على متغيرات يمكن أن تفرض نفسها تحت وطأة العدوان الاسرائيلي نقول لهؤلاء: إتقوا الله”.
وفي ملف الاستحقاق الرئاسي، أكد بري بإسم الثنائي حركة “أمل” و”حزب الله” أنه “إستحقاق دستوري داخلي لا علاقة له بالوقائع المتصلة بالعدوان الاسرائيلي سواء في غزة أو في الجنوب اللبناني”، مشدداً على أن “ما طرحناه في 31 آب من العام الماضي في مثل هذا اليوم، لا يزال دعوة مفتوحة للحوار أو التشاور، لأيام معدودة تليها دورات متتالية بنصاب دستوري من دون إفقاده من أي طرف كان”. وقال: “تعالوا غداً إلى التشاور تحت سقف البرلمان، وصولاً الى رئيس وطني جامع يستحقه لبنان واللبنانيون في هذه اللحظة الحرجة من تاريخه”.
وأشار بري الى أن فلسطين اليوم هي “إمتحان يومي للضمير العالمي، وأن الوقوف مع الحق الفلسطيني المشروع في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وقبل أي شيء آخر، وقف المذبحة القائمة فوق رمال غزة وشوارعها التي تحولت الى قبور جماعية هو إمتحان للإنسانية في إنسانيتها، وإمتحان للعرب في عروبتهم، وإمتحان للمسلمين في إسلامهم وللمسيحيين في مسيحيتهم، والنجاح في هذا الإمتحان لا يمكن أن يتم إلا بتصعيد المقاومة للمشروع الصهيوني العنصري بكل أشكال المقاومة المتاحة ديبلوماسياً وجماهيرياً وثقافياً وبالسلاح مهما كان متواضعاً”.
ولفت الى أن “الحرب الاسرائيلية المفتوحة على لبنان لا سيما القرى الحدودية المتاخمة مع فلسطين المحتلة والتي حولتها آلة الحرب الإسرائيلية الى أرض محروقة مستخدمة الأسلحة المحرمة دولياً… تكشف النوايا الاسرائيلية المبيتة تجاه لبنان والتي تترافق مع تهديدات يتبارى على إطلاقها ورفع سقوفها قادة الكيان الإسرائيلي على مدار الساعة”.