حزب الله… “أنا أولاً ودائماً”

علي نون
علي نون

لم تُظهر التجارب الكثيرة والمريرة للبنانيين مع حزب ايران في نواحينا، اخذه بشيء من اشياء انشودة التعايش وشروطها الماسّية الا اذا كانت لخدمته اولا واساسا، وتتوافق مع سياساته العامة وتوجهاته المحلية والاقليمية على حد سواء.

قاعدته الاولى والاثيرة هي “انا اولا ودائما” وعليها يقيس خطواته ويتخذ قراراته ثم يبلّغ الاغيار بها… واستنادا اليها وليس الى سواها “يدعس” على كل معطى آخر اذا اقتضت مصلحته ذلك، او يفعل العكس ويدغدغ الشؤون العامة بمواقف وسطية في شكلها وأنانية ذاتية في مضمونها.

وذلك مبدأه ومنتهاه، والباقي تفاصيل لا يُعتد بها ولا يُبنى عليها… ويخطئ كثيرا من يفترض غير ذلك، ومن يتوهّم وجود “سيبة” رحبة يمكنها ان تسعه مع غيره. ومنبع الخطأ في التشخيص هو اعتبار المشاع العام رابطا اكيدا بين ذلك الحزب وغيره من اللبنانيين، اكان ذلك المشاع دولة واحدة، او هوية وطنية جامعة، او دستورا مكتوبا، او اعرافا متراكمة، او هموما معيشية مشتركة، او مصائر كبرى.

هذا حزب يفعل ما يريد عندما يريد. وينفذ ما يشاء عندما يشاء. ولا يتوقف لحظة او لحظتين عند ملاءمة او عدم ملاءمة خطواته اعتبارات الشأن العام وشروط الاجماع الوطني ومتطلبات صيغة العيش الواحد… بل يذهب الى التنفيذ اولا ثم الى التبرير اذا وجد من مصلحته ان يبرّر! او اضطرته ظروف استثنائية الى ذلك.

اي بمعنى آخر: أمّا ان يرضى الآخرون (الاغيار) بما يقرره وينفذه او انهم أحرارا في موقفهم الذي لن يغير شيئًا في كل حال! وامّا ان ينصاع هؤلاء، او يدخلون في التجربة غصباً عنهم! وذلك حكم يسري في الكبيرة والصغيرة… في القوانين واحكام الدستور، وفي السياسات المركزية والفرعية وفي أتفه تفصيل وأهم تفصيل! ولو أمكنه لاختصر القصة واعلن ذلك على الملأ، ولم يتكبّد جهد التبرير والتورية والتفسير! وأفترض (والله اعلم بذوات الصدور) ان الامر كان مدار “دراسات” و”تحليلات” كثيرة من قبله!

ولو وجد النتيجة ممكنة وحاسمة لفعلها من دون تردد! لكن لأن لبنان على ما هو عليه، متعدد طائفيا ومذهبيا، وصعب سياسيا، ومتفلّت اعلاميا، والحرية من سماته وإن كانت فوضى اكثر من كونها حرية، وطبائع اهله واقوامه مفطورة على الفردية وصعبة المراس والانقياد، لذلك ولغيره كثير، وصل حزب ايران الى “قناعة” مفادها ان ينفذ هو ما يريد، و”يترك” للغير ان “يقول” ما يريد! طالما (تكرارا) لن يغير، أي قول او قانون أو دستور او اعراف، شيئًا، او يعدّل قرارا، او يعرقل مهمة يجب، حكما وشرعا، ان تُنفذ!

يخطئ كثيرون من هؤلاء الاغيار في تحليل وقراءة خطوات وقرارت وسياسات حزب ايران عندنا، لأن قاعدة القياس غلط، ولان اعتماد المنطق الصحيح لا يوصل بالضرورة الى نتيجة صحيحة في حالتنا هذه! وما يسري في علوم الرياضيات والفيزياء لا يسري في “علوم” تفسير وتحليل ما يفعله ذلك الحزب!

وهذه معضلة قديمة معه وليست بنت الأمس القريب او البعيد: قياساته محكومة بفقه ديني وليس دنيويا، ومنزّلا وليس وضعيا، وبأبعاد غيبية وليست منظورة للعموم! والتكليف ربّاني وليس بشريا! وما تفرضه حسبة واحد زائد واحد يساوي اثنين، تصحّ عند غيره وليس عنده! ومع غيره وليس معه!… وما تراه حضرتك نكبات وكوارث وبلايا سوداء ومصائب ومصاعب، يراه هو وفق معتقده المقدّس او تكليفه الشرعي او إلتزامه فتوى المرشد، تمهيدا وتعبيدا للطريق الى العُلى… والى نبذ هذه الدنيا وصولا الى العليا! ما تراه حضرتك خطأً يراه هو صوابا، وما تراه هزيمة يراه هو انتصارا، وما تراه ذلّا وانكسارا يراه هو عزّة وكرامة موفورة ومجدا لا ينضب! وما تراه مصيبة يراه هو فرصة! وما تراه انهيارا يراه هو صعودا. ..

لو كانت رحابة الجغرافيا كافية، لكان مصطلح البلقنة، وبمعناه الحديث الذي ظهر وانفجر غداة انهيار المعسكر الاشتراكي، غير كاف او ملائم لتوصيف الحالة اللبنانية! ولتوصيف مواقف “الاغيار” ومشاعرهم الحقيقية والصافية والاخيرة إزاء حزب ايران وسياساته وارتباطاته والتي أوصلت لبنان وأهله الى ما وصلا اليه!

شارك المقال