محروقات إيران ترسم الطريق إلى الإدارات الطائفية الذاتية

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

بشّر الأمين العام لــ”حزب الله” حسن نصر الله اللبنانيين بالاتفاق على استقدام باخرة محروقات ثالثة من إيران في خطابه الأخير، ويبدو أن موضوع البواخر الإيرانية ستكون فيلما إيرانياً طويلا يقوّض ما تبقى من الدولة اللبنانية، ويسرّع انهيارها لا بل يُفقد اللبنانيين الأمل في نهوض وطنهم من كبوة العهد القوي، في ظل غياب المواقف من قبل السلطات اللبنانية من محاولات “حزب الله” الانتحارية التي ستؤدي من دون شك إلى إعلان لبنان دولة فاشلة، مع استمرار الخلافات حول تشكيل الحكومة والتناحر على الحصص الوزارية ومخالفة الدستور وغياب الاهتمام الدولي بلبنان لإنهاء أزمته.

لقد استفحلت المشاكل المعيشية إلى حد كبير وأفلام السلطة بالقيام بمداهمات هنا أو هناك بحجة معالجة الفساد بيّنت انها مجرد استعراضات إعلامية بعدما غابت السلطات والوزارات المعنية عن تقديم حلول ناجعة تحدّ من الانهيار والتحلل الحاصل في مؤسسات الدولة، حتى بات المواطن ضحية الأسواق السوداء المزدهرة للقوى التي تتقاسم السلطة وتقوى يوماً بعد يوم على حساب مؤسسات الدولة حتى عمّت الفوضى وتراجع الأمن والأمان وتسبب بالهجرة المخيفة للبنانيين الذين هاموا في بلدان يعرفونها أو في مجهول الهجرة السرية.

وجاءت بشائر نصرالله عن إدخال النفط الإيراني بحجة التخفيف من الأزمة، عن اعتبار البواخر أرضاً لبنانية وتهديد إسرائيل اذا اعتدت عليها، وكأنه يسعى إلى فك الحصار الدولي على إيران، ما يضع لبنان في دائرة مخاطر العقوبات. لكن الأخطر من ذلك كله هو أن “حزب الله”، باستقدام البواخر الإيرانية، يعمل على تقويض الدولة وإحياء الدويلات الطائفية عبر التشجيع على الإدارات المدنية وبذلك يحمي دويلته جنوباً وفي جزء من البقاع وهو ما ستسعى الطوائف الأخرى إليه، أي القيام بحلول مماثلة في المناطق المحسوبة عليها، ما يعيدنا إلى سنوات الحرب والتبعية لدول الخارج. والقصة قد تبدأ بخصخصة المحروقات ولن تنتهي بخصخصة الدواء أو حتى الخبز. وهو ما يترك الباب مشرعاً أمام ازدهار الفساد في كل البيئات الطائفية والحزبية بسبب إدارات مدنية مجرّبة وفاشلة.

الزغبي: “حزب الله” يتجه نحو التقسيم

يقول الكاتب والباحث السياسي الياس الزغبي لــ”لبنان الكبير”: “مما لا شك فيه أن ما أقدم عليه “حزب الله” في استقدامه بواخر محروقات إيرانية في حال وصولها تفرّد في القرار الاقتصادي من فوق الدولة، فهو لم يلتفت إلى وجود بقايا مؤسسات شرعية من رئاسة الجمهورية إلى الحكومة إلى الإدارات الرسمية وتحديداً وزارة الطاقة والنفط”.

ويضيف: “لقد تجاهل “حزب الله” كل المؤسسات وهو يذهب جهاراً نهاراً نحو التقسيم الفعلي للبنان، مشروعه طبعاً ليس أن يحكم جزءاً من لبنان لكن التعقيدات اللبنانية تحول دون تنفيذه مشروع الهيمنة على كل لبنان وتحويله إلى دولة إسلامية تدور في فلك الممول الإيراني. لذلك بدأ منذ أشهر خطواته العملية في المال والصحة والاستشفاء والآن النفط لاستكمال دويلته لعل وفق حسابات مرجعيته في طهران تصل ذات يوم ظروف ملائمة لاستئناف مشروعه الأساسي أي السيطرة على كل لبنان”.

ويتابع: “صحيح أن “حزب الله” يسيطر على القرار لرئاستي الجمهورية والحكومة لكنه لا يسيطر واقعياً على المناطق اللبنانية الواسعة الخارجة عن سلطته في الجبل والبقاع والشمال وجزء من بيروت، إذا “حزب الله” بإجراءاته الأخيرة يفرض نوعاً من التقسيم وهو تخطى الفيديرالية بأشواط، والكانتونات لم تعد مسألة تعني كانتوناً شيعياً أو مسيحياً بل تقسيماً واقعياً وفعلياً جغرافياً وعسكرياً وأمنياً والآن اقتصادياً”. ويوضح: “كل هذا يعني أن وحدة لبنان وفق اتفاق الطائف باتت في خطر فعلي، لأن حزب الله يدرك أن القوى السياسية والطائفية الأخرى لن ترضخ لإرادته ولقراره وإدارته السياسية الأكبر، وهو بذلك يفتّت لبنان تحت شعار أنه سيساعد اللبنانيين على تخطي أزمتهم وفي الحقيقة في حال وصول بواخر المازوت والبنزين إلى الشاطئ اللبناني ستكون هناك مشكلة كبرى في عملية التوزيع والمحسوبيات على أساس مذهبي وسياسي وليس على أساس وطني لخدمة جميع اللبنانيين، وسنرى انه سيزود المستشفيات ذات الطابع الشيعي بمادة المازوت قبل سواها، وسيتم ملء خزانات في المناطق المحسوبة عليه والأسوا من كل ذلك أن هذه البواخر ستكون كثيرة ومتلاحقة وسننخرط حكما في لعبة التهريب الكبرى”.

ويختم الزغبي: “نعم هناك اتجاه لدى مستوردي حزب الله والمصدرين للدخول في لعبة التهريب المربحة إلى سوريا عبر لبنان لان تهريب المحروقات الإيرانية غير ممكن عملياً مباشرة، والنتيجة ستكون أن إيران تموّل حزب الله ليس بإمداده بالمحروقات، بل عبر شبكات التهريب التي يشرف عليها، هذه البواخر ستكون مشكلة بدلًا من أن تكون حلاًّ، وهو بذلك يقول للآخرين احضروا المحروقات إن استطعتم من السعودية أو أميركا وهو واع أنه يقوم بالتقسيم، والمحروقات ذريعة لذلك”.

فخري: خطر على الكيان

من جهته، يقول الناشط السياسي شوقي فخري: “طبعاً، ما دامت الدولة تتقاعس عن القيام بواجباتها فمن الطبيعي أن تنتعش الإدارات المدنية المحلية. خصوصا أن الثورة هاجمت القيادات الطائفية. لذلك هذه القيادات ستعيد إحياء حضورها بهدف الهروب من المساءلة والمحاسبة في ظل الدولة المركزية، وفي حال أكملت الثورة مشوارها. بهذه الطريقة سيكون باستطاعتهم العودة إلى تثبيث وجودهم كحماة للمناطق التي يسيطرون عليها”.

وبالنسبة لمسألة استيراد البنزين والمازوت من إيران، يؤكد أنه “سيساهم مساهمة كبيرة في تسريع هذا الاتجاه، وبالتالي ستصبح كل إداراة مناطقية محلية مناطق طائفية”. وعن مخاطر مثل هذه الحلول، يجيب فخري: “نعم هناك خطر كبير يتجه نحو تقسيم أو تفتيت الكيان اللبناني. وكل منطقة ستربط نفسها بدولة خارجية، ويصبح من الصعوبة بمكان إعادة بناء الدولة في ظل اللجوء إلى دول خارجية لحماية هذه المناطق، عندها سنكون أمام لعبة الأمم والدول الإقليمية والقوى العالمية الكبرى المسيطرة على المنطقة. والإدارات الذاتية ستقوى تحت ستار مساعدة الشعب على الأزمات المعيشية التي يعاني منها، وسيبقى الفساد بل سيزداد، والهيمنة الحزبية على المجموعات التي تقيم بهذه المنطقة ستكبر”.

إقرأ أيضاً: كباش أميركي – ايراني جديد يُفقد لبنان الطاقة

ويعرب عن اعتقاده انه “ستتحكم شريعة الغاب بكل هذه المناطق، القوي يقوى، والحزب المسيطر يهيمن على الأمور الحياتية والمالية. وهذا هو الخطر الأكبر على ما يسمى الدولة اللبنانية”.

ويختم فخري: “حل هذه الاشكالية، سيتطلب توافقا خارجيا وتدخلا من الأمم المتحدة ومن الدول المعنية لإعادة لم الشمل وبناء لبنان من جديد، بسبب عدم قدرة اللبنانيين على حكم نفسهم بأنفسهم. وهذا للأسف ما نحن ذاهبون إليه إذا ما عجزت الثورة عن فرض تشكيل حكومة انتقالية وتفرضها فرضاً بقوة الشعب والشارع على القوى الحاكمة والمنظومة الفاسدة المتحكمة”.

شارك المقال