الشعّار ورزق لـ”لبنان الكبير”: لا أزمة نظام إنما أزمة أشخاص

هيام طوق
هيام طوق

لا يختلف اثنان على أن لبنان يمر بأسوأ أزماته التاريخية على الصعد كافة. وانطلاقاً من المثل القائل “القلة بتولّد النقار”، وتهرُّباً من تحمل المسؤولية تجاه شعب بات مضرب مثل بوضعه “الجهنمي”، يتراشق الممسكون بزمام السلطة التّهم في ما بينهم حيث يرمي بعضهم كرة النار على كاهل النظام اللبناني الذي هو سبب كل علة، معتبرين أن تغييره وتعديله هو باب الفرج والإنقاذ من جهنم.

في حين يرى بعضهم الآخر أن الأزمة في الأشخاص بحد ذاتهم لأنهم غير مؤهلين لتولي مواقع المسؤولية، ولأنهم يضبطون أحوال البلد على وقع مصالحهم الشخصية، وبالتالي هم مسؤولون بشكل مباشر عن تعثر وضع البلد على سكة الإنقاذ من خلال تمسّكهم وتشبّثهم بالسلطة مهما اقتضى الأمر.

جدل قائم بين فريقين حسمه المفتي مالك الشعار والوزير والنائب السابق إدمون رزق، في حديث لـ”لبنان الكبير”، إذ اعتبرا أن القضية تكمن في غياب حسن غدارة النظام وتطبيقه وليس في النظام بحد ذاته، وبالتالي نعاني من أزمة أشخاص في الحكم وليس من أزمة نظام. وأكثر، فإن ما أوصلنا إلى ما نحن عليه هو خيانة اتفاق الطائف أو وثيقة الاتفاق الوطني والتي هي خشبة الخلاص الوحيدة للبلد.

وللفريق الذي لا يريد الاستمرار لاتفاق الطائف، يقول الشعار: “الطائف لا يتغير ولا يتبدل ولا يتعدل إلا بتوافق جميع اللبنانيين”. ويؤكد رزق أن “المشكلة ليست في الدستور أو في عناوين اتفاق الطائف إنما في وجود أشخاص “مسلبطين” على السلطة وهم غير مؤهلين لتوليها”.

الشعار: غياب حُسْن إدارة النظام وتطبيقه

يتحدث مفتي طرابلس والشمال السابق مالك الشعار عن “النظام الذي يحتاج إلى حسن إدارة لأنه ثمرة جهد كبير وتوافق قلّ نظيره في الطائف حيث اجتمعت كل الإرادات السياسية والمسؤولين من مختلف المناطق والطوائف والاحزاب الذين يمثلون الإرادة الداخلية مع الإرادة الخارجية، وتوصلوا إلى صياغة هذا النظام. النظام لا يعني أنه لا نقص فيه، لكنه أيضاً صمام أمان لما يمكن أن تتفق عليه الشريحة الأكبر من اللبنايين”، مشدداً على أن “النظام بحاجة إلى حسن إدارة أكثر من التفكير بالتغيير أو التعديل لأن التغيير في واحدة يستتبع التغيير في ثانية، وعند ذلك يكون من حق كل واحد أن يطالب بتغيير مادة معينة، فنفقد النظام ونجلس على الأرض مُفلسين، لذلك أعتبر أن القضية تكمن في غياب حسن إدارة النظام وتطبيقه”.

الشعّار المتألم مما نراه على شاشات التلفزة من أساليب الحوار والقدح والذم والتجريح والتخوين التي يتبادلها بعض المسؤولين، يعتبر أن “جزءاً أساسياً من المشكلة هو جرأة اللبنانيين على بعضهم وعلى دولتهم. الدول والأنظمة لا تقوم إلا على الحوار الهادئ والهادف. لا تقوم على التجريح ولا على التخوين ولا على إسقاط الهيبة. ما حدث أسقط الهيبة عن شخصيات أو معظم الشخصيات السياسية وأسقط الهيبة عن الوطن. هناك أزمة في الأدبيات”. ويشير إلى أنه “ينقص الكثير من الأحزاب صدق الانتماء للوطن. أنا مسلم سني ومتديّن لكن أنا لبناني والمواطَنة تعني أن يكون الولاء للوطن قبل أي دولة أخرى لأن الايام التي نعيشها كشفت خبايا تجرح لعدم صدق الولاء للوطن. الولاء للوطن يعني أن نقدّم المصلحة العليا للوطن. الحفاظ على هيبة الدولة يتقدم على الكثير من الحقوق المناطقية والمذهبية والشخصانية، هذا يحتاج إلى ثقافة والثقافة لا تعني وجود الشهادة أو عدمها إنما تعني التربية في بيئة وطنية ولاؤها للوطن”.

وعن اتفاق الطائف، يلفت الشعّار إلى أن “هناك فريقاً لا يريد لاتفاق الطائف أن يستمر. هذا الفريق لا يستطيع تغيير الطائف وحده. الطائف لا يتغير ولا يتبدل ولا يتعدل إلا بتوافق جميع اللبنانيين. نحن إذا اتفقنا مع بعضنا على 60 في المئة أفضل من أن يتفرق كل واحد منا عن الآخر متمسّكاً بحقه الكامل. الحضارات تُبنى من خلال ثقافات متعددة، متنوعة تتكامل في ما بينها ولا تتصارع. إنها بديهيات لا أعرف لماذا يتناساها البعض وكأننا عدنا إلى نقطة الصفر، وكل واحد يريد أن يعيش لطائفته ولفريقه. هذا تصرف فيه خلو من المسؤولية وبعيد كل البعد عن بناء الدولة، وبعيد أكثر عن بناء حضارة ودولة ومجتمع ومستقبل”.

ويرى الشعّار أن “كلاً يتحمل من المسؤولية على قدر وزنه وعلى قدر مركزه ومقامه، ونعلم أن القطار يقوده قائد واحد الذي هو الأساس. رئيس الجمهورية يتحمل المسؤولية الاكبر، وهو يخطئ عندما يظن نفسه أنه يريد أن يعمل لطائفته أو فريقه أو منطقته. عليه العمل لوطنه والوطن نحن كلنا”.

رزق: لا أزمة نظام إنما أزمة أشخاص

يعتبر الوزير والنائب السابق إدمون رزق أن “ما أوصلنا إلى ما نحن عليه هو خيانة اتفاق الطائف أو وثيقة الاتفاق الوطني التي أجرينا بموجبها التعديلات الدستورية، والتي هي خشبة الخلاص الوحيدة للبلد، والمطلوب أشخاص مؤهلون لتولي المسؤولية. نحن لا نعاني من أزمة نظام إنما من أزمة أشخاص في الحكم”.

ويطلب من “الناس أن تفهم أن المشكل ليس في الدستور أو في عناوين اتفاق الطائف إنما في وجود أشخاص “مسلبطين” على السلطة وهم غير مؤهلين لتوليها. البلد مقبل على كوارث اقتصادية واجتماعية وإنسانية بسبب التواطؤ الضمني بين الساكتين والمنتفعين والمتسلطين، وأكبر عدو للشعوب هو الصمت. والمطلوب من الإعلام أن يتخذ مواقف اقتحامية ليس مغمغةً أو مسايرةً لأن الإعلام هو القائد البديل في غياب رجال الدولة”.

ويرى رزق أن “البلد في حال “السقطة الحرة” بمعنى أنه لا توجد مظلة واقية بغياب رجال الدولة المؤهلين لحمل المسؤولية على كل المستويات. نحن في حال شغور عام بمواقع المسؤولية بدءاً من رئاسة الجمهورية إلى الحكومة إلى المجلس النيابي. كل الدول والشعوب تمر بأزمات، لكن الحلول تأتي على يد القادة المؤهلين وبغيابهم تُفتقد الحلول. لذلك، يتحتّم على كل من يشعر بالمسؤولية وهو في موقع السلطة، وعاجز عن أداء مهامه، أن يستقيل. يجب إعادة تركيب مواقع المسؤولية وملء الشواغر كلها”.

إقرأ أيضاً: شراهة عون وصهره تطيّر الحكومة

ويشدّد رزق على أن “رئاسة الجمهورية شاغرة إذ إن ملء أي شغور يحتّم أداء المسؤولية والقيام بالمهام، وعندما يعجز الشخص الموجود في موقع ما عن أداء مهامه وعلى الرغم من وجوده الجسدي يُعتبر الموقع شاغراً، وهذا ينسحب على الحكومة والمجلس النيابي أيضاً. يجب المبادرة إلى إنقاذ الوطن بتضافر القوى الحية المترفّعة عن المكاسب الشخصية والتي تعطي الأولوية للمصلحة العامة وإنقاذ البلاد”. وأكد أن “رئاسة الجمهورية شاغرة لأن هناك عجزاً بائنا “بينونة كبرى” كمن يطلب من شخص أن يحرث أرضه ولا يستطيع حمل المعول. رئيس الجمهورية لم يصل إلى موقعه الرئاسي وحده ولا يستمر بمرجلته بقوته بل هناك تواطؤ جرمي يؤمن استمرار العهد الفاشل. أنا أتّهم الأشخاص في السلطة وفي المؤسسات الدستورية بالتواطؤ على البلد”.

ويعوّل رزق على الشعب “الذي يجب أن يستعيد المبادرة، وينتج السلطة المؤهلة لبدء عملية الإنقاذ. العودة إلى 17 تشرين والنزول إلى الشارع، وفرض التغيير السلمي، لكن بالتعبير الواضح وعدم المسايرة خصوصاً المراهنة على المكاسب بالتواطؤ مع الفاشلين. المبادرة يجب أن تنطلق من الشعب المستاء الذي لا يجوز أن يُسمع أنينه بل المطلوب منه التحرك بدعوة المسؤولين الفاشلين إلى الاستقالة وفرض التغيير بضغط وطني عام قبل أن تتحول المواجهة إلى عنف. يجب أن يكون هناك قوة تعبير من دون عنف، ولين من دون ضعف. اليوم نحن في حال استنفار وطني لمواجهة الفشل الذريع”، معتبراً أنه “لم تعد هناك أي حصانة لأي موقع لأن الفشل يُفقد الفاشل حصانته”.

شارك المقال