لم تسلم منطقة وادي خالد الحدودية من الانتقادات اللاذعة بعد استقبالها يوم الأحد الفائت وفوداً سياسية وعشائرية سورية ولبنانية (من البقاع، الضنية وخلدة) بدعوة من ابن وادي خالد عبد الله اليوسف ابن عشيرة “النعيم”، إذْ انقسمت آراء الكثير من المتابعين العكّاريين حول حيثيات هذا اللقاء الذي قيل إنّه “الأوّل” بعد اندلاع الثورة السورية العام 2011، وما رافقها من توترات عسكرية، سياسية وأمنية حالت دون تحقيق هذا النّوع من الزيارات بيْن الفعاليات اللبنانية والسورية، وفق ما يقول المتابعون.
وبدخول عشرة نواب تقريباً من مجلس الشعب السوري إلى الحدود اللبنانية- السورية ومن بوابة وادي خالد التي تتميّز بطابعها العشائري وبعلاقاتها المعروفة تاريخياً بسوريا في وقت الحرب والسلم، انتقد الكثير من المراقبين هذه الزيارة التي تضمّنت “مأدبة غداء”، بحيث اعتبر البعض أنّها تستهدف الاستغلال السياسي والانتخابي للعشائر، فيما رأى آخرون أنّها تتخذ طابعاً عشائرياً لا أكثر، وأكّد البعض الآخر أنّ اللقاء لم يحدث إلّا بتمويل “سرّي” من النّائب العكّاري محمّد سليمان لهذه الفعالية، أيّ الوحيد الذي كان حاضراً ضمن اللقاء الذي جمع العشائر تحت سقف واحد، فيما غاب كلّ النواب العكاريين عنه وحضر بعض ممثليهم، على الرّغم من توجيه دعوات مباشرة الى جميع الفعاليات السياسية في عكّار مثل أسعد درغام، جيمي جبّور، وليد البعريني ومحمّد يحيى. كما كان لافتاً ربط الصحف انتماء وادي خالد السياسي الذي اعتبرته معارضاً للنّظام السوري باستقبال وفد يتبع النّظام، ومشيرةً تحديداً إلى بشير قاطرجي شقيق رجل الأعمال المعروف بموالاته للنّظام ورئيسه بشار الأسد، براء قاطرجي، الذي استهدفته غارة جوية إسرائيلية قرب الحدود اللبنانية السورية هذا العام.
مصدر رسميّ من وادي خالد يُعلّق عبر “لبنان الكبير” بالقول: “إنّها طبخة فاضية لأنّ الغداء لا يمتّ الى السياسة بصلة، بل يتعلّق بروابط وأهداف عشائرية لا علاقة للدّولة اللبنانية أو السورية بها، فعبد الله يوسف أقام المأدبة لأنّه يعرف بعض أعضاء مجلس الشعب السوري، فدعاه إلى الغداء الذي دعي إليه نواب عكّار من دون استثناء، لكنّ كلّ هذه الهمروجة التي أُثيرت صحافياً، غير دقيقة”.
ويُضيف: “لقد بالغوا في طرح الموضوع الذي لا يحظى بغطاء سياسيّ من سليمان أو من غيره، فمجلس الشعب السوري لا يملك حيثية سياسية ثقيلة كغيره وقد يحمل رئيس بلدية سورية فائدة أكبر منه، وليس المجلس من يُوثّق ويُحسّن علاقة لبنان بسوريا، أمّا اليوم مثلاً فيُعقد اجتماع للعشائر العربية في محافظة حمص السورية عند الملعب البلدي ودعي إليه عشائر وادي خالد، وبالتالي إنّ هذه الاجتماعات تنتقل من مكان إلى آخر، ومن وليمة إلى أخرى بهدف جمع العشائر”.
ويرى المصدر أنّ غياب النواب عن الحضور، لا يرتبط بموقفهم السياسيّ، بل بغياب “الثمرة” التي قد تُجنى من هذه اللقاءات “لكن حضور سليمان، الذي يُطلق عليه لقب نائب العشائر العربية نظراً الى عاطفته التي يكنّها لهذه العشائر ولكلمتها، يُعدّ ضرورياً بالنسبة إليه، فهو يحضر في كلّ جلسة أو لقاء عشائري في المنطقة وخارجها، لكنّه لم يدفع 250 ليرة للمأدبة أساساً، وهو آخر شخص يُمكن أنْ يأخذ صوتاً من اللبنانيين في سوريا أيّ المجنّسين والذين ينتمون بمعظمهم إلى الطائفة العلوية التي تنتخب بقرار سياسي وحسب رغبة السلطة السورية”.
الثغرة الأكبر التي رصدها المصدر، تكمن في قراءة الصحف والصحافيين لهذه الفعالية، مشدّداً على أنّ الدّعوة تصبّ في صلحة صاحب الدّعوة شخصياً، “والذي يُريد أنْ يُصبح شيخ العشائر وهذا أمر طبيعي بينها، وهو من عشائر النعيم التي لها أقارب من وادي خالد وتمتدّ حتّى السعودية، الأردن ولبنان”. ويلفت إلى أنّ بعض الصحف لا يكتفي بالحديث عن عودة العلاقات اللبنانية- السورية عبر هذا اللقاء، بل يقول أيضاً إنّ صوراً للشهيد رفيق الحريري قد أزيلت واستُبدلت بصورٍ للأسد، قائلاً: “مخطئ من يعتقد أنّ الحرب السورية أو النّزاع السياسيّ قد مسحا العلاقات السورية- اللبنانية، لأنّ سوريا لم تُقفل حدودها يوماً أمام ابن وادي خالد، وعلى الرّغم من وجود توترات لم تمنع أحداً من الدخول والخروج والاستثمار في لبنان أو سوريا، إلا أنّ هذه الحدود التي يتحدّثون عنها، تُعدّ باب رزق للكثير من النّاس يُسمّى بمزراب ذهب، وليس تهريباً، بل تبادل تجاريّ لو كان استُثمر بصورة صحيحة، لما تحدّث البعض عنه بطريقة سلبية، وقد ينتقده شمالاً من لا يستفيد منه، لكنّه تجارة نافعة لا ضارة، أمّا عن مجلس الشعب السوري وزيارته قبل الحرب، فلا نسجّل له زيارات دورية ومعروفة لمنطقتنا أساساً ليُقال إنّهم أعادوا العلاقات”.
أمّا عن الصور، فيُؤكّد أنّ “وادي خالد لم تضع صوراً لأحد منذ أكثر من خمسة أعوام، ليس لأنّنا محرومون كما يُقال عنّا، (لأنّنا نعيش أوضاعاً أفضل وآمنة أكثر من مناطق أخرى)، بل لأنّنا نعاني من إهمال الدّولة اللبنانية لنا”.
مصدر آخر يُتابع العلاقات اللبنانية- السورية يتهكّم عبر “لبنان الكبير” ممّن يرى أنّ هذه اللقاءات ترتبط بالعلاقات الرسمية والديبلوماسية، موضحاً أنّ “أيّ ملف مرتبط بسوريا ولبنان، يُتخذ بصورة تقنيّة وبتنسيق عسكري فقط لا سياسيّ مباشر”.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.