ماذا تخبرنا عملية تفجير أجهزة “حزب الله” عن إسرائيل؟ الإجابة في مقال لسيباستيان سيبتس يسلط الضوء على عمل أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية وأهدافها. ووفقاً لسيبتس، “تسطر التفجيرات التي حصلت القدرات التقنية لأجهزة التجسس الاسرائيلية ودورها في الصراع الدائر في الشرق الأوسط. وبينما لاقت التفجيرات الكثير من الإدانة على اعتبار أنها غير أخلاقية، وجد فيها آخرون انعكاساً للتقنيات المذهلة والفعالة بصورة شيطانية. وتعيد هذه الهجمات أجهزة التجسس الاسرائيلية الغامضة إلى دائرة الضوء وتعكس محاولة إسرائيل تلميع صورتها بعد أحداث 7 أكتوبر.
تلميع الصورة بعد 7 أكتوبر
منذ هجمات السابع من أكتوبر، يعاني الموساد والاستخبارات العسكرية الاسرائيلية من الحاجة الماسة الى الفوز. وفي هذا السياق، شرحت أفيفا غوتمان، المتخصصة في تاريخ أجهزة الاستخبارات في أوروبا والشرق الأوسط في جامعة أبيريستويث (ويلز)، لفرانس 24، أن الفشل في توقع، ناهيك عن منع، هجمات 7 أكتوبر 2023 ألقى بظلاله على عمل هذه الوكالات. وبالتالي، يأتي هذا الهجوم على لبنان كنوع من إعادة تأهيل السمعة. بالنسبة الى إسرائيل، هذا استعراض للقوة، في الأساس. ومع ذلك، لا تزال تفاصيل تنظيم خطة إسرائيل وتنفيذها غامضة.
وتتبين سريعاً درجة التعقيد خلال محاولة تتبع أصل الأجهزة التي خضعت للتفجير. وكان يفترض بأن الأجهزة الصغيرة مصنعة في تايوان، ومجمعة من شركة فرعية في المجر، وصفتها وسائل الاعلام بدورها بأنها واجهة محتملة أقامتها المخابرات الاسرائيلية قبل عدة سنوات. ومن المحتمل أن تكون أجهزة المخابرات الاسرائيلية قد صنّعت أجهزة النداء بنفسها، وليس بالضرورة في المجر.
من جانبها، لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن العملية على الرغم من أن هذا الموقف ليس بالجديد. وعلق دانييل لومس، المتخصص في أجهزة الاستخبارات في جامعة نوتنغهام، بالقول: هذا ما تقوم به إسرائيل على الدوام لمنحها شكلاً من أشكال الغموض. ومع ذلك، يجمع كل الخبراء على المهارة الفنية المطلوبة لشن هجوم على هذا النطاق.
وهذه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها إسرائيل أجهزة إلكترونية للاغتيال لكن الفارق يكمن في الحجم، بحيث أصابت مئات الأهداف في عملية واحدة. كما يؤكد الخبراء أن البراعة التنظيمية تُعزى بصورة محتملة جزئياً إلى الموساد، جهاز الاستخبارات الخارجية الاسرائيلي، وبحد أقل لوحدة 8200 في الجيش الاسرائيلي، وهي الوحدة المسؤولة عن استخبارات الإشارات والتي تعادل وكالة الأمن القومي الأميركية إلى حد كبير ولكن من المرجح أن هذه الوكالات الاسرائيلية لم تعمل بمفردها.
يستطرد كلايف جونز، مدير معهد دراسات الشرق الأوسط والإسلامية بجامعة دورهام: لا يملك الموساد الموارد اللازمة لاعتراض سلسلة التوريد والتلاعب بالعديد من الأجهزة. بالتالي، من المرجح أن تشمل العملية أيضاً الوحدة 504 من الاستخبارات العسكرية، المسؤولة عن الإشراف على العملاء في البلدان المجاورة. ولا شك في أن هذا يتطلب تشغيل الموساد عملاء في الداخل اللبناني أو ضمن سلاسل التوريد. ونظراً الى حجم الهجوم، يعتمد التركيب الفعلي للأجهزة المتفجرة على الخبرة الأوسع للجيش الاسرائيلي، وأبرزها الوحدات المتخصصة داخل فيلق الهندسة.
ومن الواضح أن عملية أجهزة النداء تطلبت مستوى دقيقاً من التنسيق بين وكالات الاستخبارات المختلفة على مدى عدة أشهر، كما أن الجزء الأكثر تعقيداً يتعلق بضمان اختراق الأجهزة أو الوصول إليها من دون اكتشافها. بالاضافة إلى ذلك، لا تهدف العملية الى تفجير الأجهزة في وقت واحد فقط، بل لتعطيل وسائل الاتصالات التابعة للحزب.
وبغض النظر، يؤكد ستيفن فاغنر، المؤرخ والمتخصص في وكالات الاستخبارات في الشرق الأوسط أن تعطيل اتصالات الحزب ممكن من دون إلحاق الأذى بالمدنيين، لكن إسرائيل أرادت إظهار المدى الذي قد تذهب إليه في حربها. وهذا يؤكد مجدداً أن مجتمع الاستخبارات الاسرائيلي بلا رحمة. وهذه ليست سوى أحدث حلقة في سلسلة طويلة من التدابير العدوانية.
انكشاف العملية
وتشير فرضية أخرى إلى أن توقيت الهجمات قد يكون بسبب الخطر من اكتشاف استثمار الأجهزة في التجسس. ووفقاً لغوتمان: أشارت بعض التقارير إلى أن السبب وراء تفجير الأجهزة هو الخوف من كشف استخدامها في التجسس. وقد ينبئ ذلك باقتراب الحرب الشاملة. وحسب فاغنر، إذا اندلعت حرب بين إسرائيل ولبنان، فسيحدث إبعاد مجموعات كبيرة من مقاتلي حزب الله رفيعي المستوى فرقاً كبيراً. كما أن توقيت الهجوم لم يكن مصادفة على الأرجح، بحيث جاء بعد إعلان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الثلاثاء أن أهداف حرب إسرائيل تشمل عودة عشرات الآلاف من الإسرائيليين الذين فروا من الشمال. وربما تأمل الحكومة الاسرائيلية الافادة من الفوضى التي أحدثتها لتحقيق هذا الهدف من دون إطلاق حرب شاملة. وعلى أي حال، لن تؤدي الحرب الشاملة إلا الى إغراق المنطقة في صراع سيكلف الطرفين غالياً”.