داخل “متاهة” سياسة بايدن تجاه سوريا

حسناء بو حرفوش

تحدث مقال نشر في موقع “أتلانتيك كاونسل” (Atlantic Council) الأميركي عن المشكلات التي تعيق سياسة الولايات المتحدة في سوريا، وأهمها عدم تبلور الأهداف المحددة من البقاء في المنطقة، علاوة على رهان أعداء أميركا على انسحاب هذه الأخيرة، على غرار ما حصل في أفغانستان، من أجل تمكين نفوذهم في الشرق الأوسط.

وبحسب المقال، “تتمسك إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن منذ توليه منصبه قبل سبعة أشهر، بسياسة موقتة بشأن سوريا، تفتقر حتى الساعة إلى الأهداف وإلى التوجيه. وعلى غرار الإدارة السابقة، سعى بايدن للحفاظ على الاستقرار من خلال مهمة منخفضة التكلفة في شمال شرق سوريا، والضغط الاقتصادي على نظام بشار الأسد من دون هدف سياسي واضح. وحتى الآن، تغيب عن النهج الأميركي استراتيجية فعلية للصراع السوري نفسه.

(…) وتفرض الحسابات الاستراتيجية الأميركية الحالية قيوداً صارمة على خيارات السياسة الخارجية لواشنطن… ومن غير المرجح أن تشجع القيود المحلية إدارة بايدن على القيام بمبادرات جريئة. وتماشياً مع الموقف العالمي المتدهور وتراجع النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، من المرجح أن تتمسك إدارة بايدن بشكل أكبر بنهج “المقعد الخلفي” في سوريا، على الرغم من أن ذلك لن يمر بدون عواقب. كما يرجح أن ينظر منافسو الولايات المتحدة، وخصوصاً روسيا، إلى هذه السياسة على أنها فرصة لتحدي الوجود الأميركي على الأرض السورية.

عدم الاتساق السياسي

وقد عانت الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي مشكلتين في السياسة المرتبطة بالصراع السوري. ففي البداية، تعاملت مع سوريا على أنها قضية ثانوية ومرتبطة بالسياسات الإقليمية الأخرى، مثل محاربة الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” ومواجهة التوسع الإقليمي الإيراني وإدارة العلاقات مع تركيا والتنافس مع روسيا (…) ولم تستطع واشنطن صياغة سياسة مميزة تجاه سوريا بحد ذاتها، بينما انشغلت بمتابعة أهداف متعددة.

ومن ثم، لم تتكيف ديناميكية واشنطن مع مراكز القوة المتغيرة في البلاد، بحيث عملت إلى حد كبير كمراقب ذي تأثير ضيق للغاية، فنظرت إلى الصراع السوري المتطور على أنه ثابت إلى حد ما. وساهم ذلك بمنع أميركا من تحقيق النجاح في العديد من سياساتها الإقليمية الأخرى. بدوره، كان الرئيس السابق باراك أوباما يفتقر للالتزام ويركز فقط على التفاوض بشأن اتفاق نووي مع إيران، في حين افتقر دونالد ترامب إلى النظر إلى الفروق الدقيقة. وبالتالي، يجد بايدن نفسه مقيد الخيارات. والمشكلة أن الوقت فات لتعيد واشنطن الانخراط في ملف سوريا بطريقة تجعل إدارة بايدن تدرك أن النتائج المحتملة على المدى القصير تفوق التكاليف والمخاطر.

ما المطلوب؟

يتطلب العمل بشكل هادف في سوريا إعادة اكتساب النفوذ الذي فقدته الولايات المتحدة منذ فترة طويلة. بيد أن المؤشرات على ممارسة واشنطن لنفوذ في سوريا كانت قليلة منذ تولي بايدن منصبه في كانون الثاني. ولذلك، وعد بايدن باستعادة مكانة أميركا في العالم أو بعكس أفعال أسلافه، لكن الحقيقة هي أن أفضل ما بمقدوره فعله هو التعامل مع العواقب.

ويمكن للمرء أن يستنتج من الأشهر القليلة الماضية، أن إدارة بايدن تحاول تحقيق هدفين في سوريا: أولهما، تحسين ظروف إيصال المساعدات الإنسانية وثانيهما، الحفاظ على وجود عسكري في شمال شرق سوريا. وعلى الرغم من أن هذه الإجراءات قد تكون قابلة للتحقيق، يندرج الهدف الأول بالفعل على هامش الملف السوري، بينما يتطلب الثاني المزيد من الإرادة السياسية والالتزام.

(…) أضف إلى ذلك أن الطريقة التي سحبت بها الولايات المتحدة أخيراً قواتها من أفغانستان لا تدفع الروس للاهتمام برؤية خروج مماثل من سوريا فحسب، بل تجذب اهتمام الشركاء، مثل قوات سوريا الديمقراطية، والتي قد تشكك مرة أخرى بالتزام أميركا. ولدى قوات سوريا الديمقراطية مخاوف جدية إلى حد كبير بشأن بقائها السياسي، ومع التحديات المنتظرة من قبل تركيا ونظام الأسد، قد تنظر قوات سوريا الديمقراطية بالتأكيد إلى الروس كضامن أكبر للوضع الراهن. وبما أن موسكو تواظب على علاقاتها مع القيادة الكردية في سوريا بعزم، لن يكون من المستغرب أن ترى إدارة بايدن الانسحاب كخيار قابل للتطبيق، عملاً بمنطق إنهاء التورط في “حروب لا نهاية لها”.

وفي حين أن اهتمام إدارة بايدن المتجدد بإعادة الانخراط في المسار الدبلوماسي لن يشكل الأداة الوحيدة للمشاركة في مثل هذا السيناريو، والذي ستضيق آفاقه بشكل حاد. وعلى الرغم من أن العقوبات تؤدي مهمة معاقبة نظام الأسد على جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، إلا أنها لا تكفي وحدها كأداة ضغط ولن تجبر نظام الأسد على تغيير السلوك أو القيادة كما أنها لن تعزز المصالح الأميركية. ولعل القوة العسكرية هي الأجدى لكن كل الدلائل تشير إلى أن هذا الخيار أصبح شبه مستحيل اليوم.

ويدرك كل من أصدقاء وأعداء الولايات المتحدة أنها لا تعرف ما تريده من سوريا وأنها تفتقر لخاتمة متماسكة لروايتها عنها. ومن غير المرجح أن تعطي إدارة بايدن الأولوية لسوريا في الأشهر المقبلة، خصوصا أنه قد يود تجنب التورط في المصالح المتنافسة للصراع، بالنظر إلى التحول الدراماتيكي في أولويات أجندة السياسة الخارجية الأميركية والافتقار الحاد للخيارات الآمنة لإعادة الانخراط في سوريا.

أخيراً، من الواضح أن الأهداف الضيقة للولايات المتحدة ونهج الانتظار والترقب المستمر لا تقدم حلولاً مستدامة، ومن المرجح أن يعمل خصوم أميركا في سوريا على رحيل الولايات المتحدة. وفي مثل هذه الحالة، ستحتاج واشنطن للاستعداد لاحتمال سيناريو آخر لانسحاب قواتها على غرار ما حصل في أفغانستان. ولذلك، لن يؤثر الافتقار إلى استراتيجية استباقية فقط على القدرة الأميركية على تعزيز المصالح في سوريا والمنطقة، ولكنه سيمنح كذلك منافسيها إمكانية استغلال سوريا كمنصة لمتابعة أجنداتهم الإقليمية.”

شارك المقال