إخفاقات عهد عون حقيقة لا ترحم

جورج حايك
جورج حايك

يوشك العهد أن يبلغ سنته السادسة والأخيرة، ولا يزال بعض اللبنانيين ينتظرون ولو انجازا واحدا قد يشفع بمسيرته، إلا أن هذا العهد غرق في اخفاقات تلو الاخفاقات نتيجة اداء غلبت عليه الكيدية السياسية والمصلحة الحزبية والشخصية والتموضع داخل محور المقاومة والممانعة إلى جانب “حزب الله” وايران، مما عزل لبنان عن المجتمعين الدولي والعربي، وتوالت الكوارث والمصائب نتيجة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة والاقتصاد المتدهور، ولا شيء يبرر هذا الفشل لدى عهد الرئيس ميشال عون إلا كلمة “ما خلونا”، هذه الذريعة غير المنطقية هي لسان حال كل المدافعين عن العهد، ترى من الذي منعه؟ هو رئيس الجمهورية، يملك الأكثرية النيابية مع حليفيه الاستراتيجيين “حزب الله” وحركة أمل، وشكّل حكومة من لون واحد برئاسة حسان دياب، وهو قائد القوات المسلحة أي الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية بتصرفه، وعيّن عدداً كبيراً من موظفي الادارات الذين يعملون وفق توجيهاته، فلماذا فشل عهد عون؟ وأين اخفاقاته؟

أولاً، الاخفاقات الدستورية تتمثّل في عدم توقيع مرسوم التشكيلات القضائية، والتوقيع على مرسوم التجنيس، وخروج الرئيس عن دوره كحَكَم والمطالبة بحصة وزارية وبثلث معطل وبوضع شروط على الرئيس المكلّف، خلافاً للدستور. والتقاعس عن دوره في التوقيع على المرسوم 6433 حول الحدود البحرية، وعدم حضّ الحكومة على تحديد موعد لإجراء الإنتخابات الفرعية لملء الفراغ الذي نجم عن استقالة ووفاة بعض النواب، إلى جانب التماهي مع “حزب الله” على حساب مصالح لبنان، والسكوت عن تصرف وزير الاقتصاد الذي وجّه كتاباً الى المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت، القاضي طارق البيطار، يطلب منه “إلغاء الأعمال الحربية والإرهابية من دائرة الأسباب التي أدت إلى انفجار مرفأ بيروت”. هذا العهد وضع البلاد أمام المزيد من الانقسام الداخلي والعزلة الدوليّة والعربيّة، وانهيار البلد على الصعد كافّة. ورئيس العهد لم يعد أهلاً ليكون حكماً في حل النزاعات بين اللبنانيين لأنّه أصبح طرفاً فيها، وهو الذي اعتمد الاستنسابيّة في التعاطي مع الدستور، فتارة يكون الدستور، الذي وصل به الى سدّة الرئاسة، سيئاً وبحاجة الى تعديل، وتارة أخرى يكون مقدّساً فيتحجّج بمواده كلّما أراد التذكير بصلاحيات موقع رئاسة الجمهوريّة او أراد التعدّي على صلاحيات رئاسة الحكومة.

ثانياً، في عهد عون لم يُحاسب أي سارق للمال العام ولم يتمّ إصلاح القضاء، وارتفع منسوب الفساد وسط اتهام فريق الرئيس بالانغماس في اللعبة بدل محاسبة الفاسدين، واللافت أن العهد عيّن وزيراً لمكافحة الفساد فلم يكشف ولو عملية فساد واحدة! لا يخفى على أحد أن “أم المشاكل” في لبنان هي الكهرباء؛ لكونها تستنزف نحو ملياري دولار سنوياً من المالية العامة، وأصبح وضعها معدوماً في معظم المناطق، والمفارقة ان هذه الحقيبة يتولاها وزراء “التيار الوطني الحر” وهو تيار العهد منذ عام 2009، وبالتالي فشل هؤلاء في ادارة ملف الكهرباء الذي تحوّل فضيحة كبرى مما أدى إلى اعتماد كليّ على المولدات الخاصة التي بدأت التقنين أيضا، والمواطن المسكين يتخبّط في العتمة ويعاني تداعيات انقطاع التيار الكهربائي على كل المستويات!

ثالثاً، قام الرئيس عون بتفويض جبران باسيل ليؤدي مهام رئيس الجمهوريّة لجهة التشاور والتعاطي مع رئيس الحكومة طوال الأعوام الثلاثة الأولى من عهده، وبعد ثورة 17 تشرين يلعب باسيل دوراً خفياً “تحت الطاولة” في المطالبة بالحقائب والثلث المعطّل واضعاً رئيس الجمهورية في الواجهة!

رابعاً، السياسة الخارجية. والحق أنه لم يسبق أن مرّ لبنان بهذا المستوى المتدني من الحضور الدولي في تاريخه المعاصر، فعدا عن التراجع غير المسبوق لعلاقاته مع عمقه العربي، أخذت السياسة الخارجية للعهد تخرج رويداً رويداً من سياسة النأي بالنفس، وصار الخطاب الرسمي اللبناني الذي يعبّر عنه رئيس الجمهورية ووزير الخارجية أكثر التصاقاً بموقف فريق من اللبنانيين يكنّ العداء لقوى عربية ويوالي قوى غير عربية. لقد أدى التماهي بين العهد و”حزب الله” إلى الإضرار بسياسة لبنان الخارجية وعلاقاته الدولية، بمعنى أن المساحة التي كانت قائمة بين الموقف الرسمي والموقف الحزبي كانت توفر متنفساً للبنان – إذا جاز التعبير – إزاء “المجتمع الدولي”؛ إلا أن الالتصاق (وربما الالتحاق التدريجي) بين هذين المسارين أفقد لبنان الرسمي استقلالية سياسته الخارجية القائمة على العلاقات الطيبة مع محيطه العربي وانتمائه لهذا المحيط من دون أي التباس. وقد وصلت الأمور إلى درجة دمج الخارج الدولة بـ”حزب الله”.

خامساً، شهد هذا العهد تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار في السوق الموازية، إلى جانب الأزمة الاقتصادية التي دفعت عشرات المؤسسات للإقفال، بالتزامن مع أكبر انتفاضة شعبية يشهدها لبنان منذ عام 1992، أدت إلى إسقاط الحكومة في الشارع، وتأليف حكومة قاطعتها كتل سياسية بارزة. لكنّ الانهيار الفعلي حصل بعد انهيار سعر صرف العملة وأزمة السيولة في المصارف واحتجاز أموال المودعين وعدم تسديد ديون الـ”يوروبوندز” وإفلاس الخزينة. حلّ الانهيار والإفلاس، وتكّلل العهد بالمزيد من الفشل. في سنته الأخيرة، أعاد العهد اللبنانيين إلى ثمانينيات القرن الماضي مالياً واقتصادياً. ثم جاء انفجار المرفأ ودمّر ما تبقّى من العهد والبلد نتيجة الإهمال والفساد.

سادساً، عهد ازداد فيه الفساد وإهدار الاموال والعجز حتى اصبح المواطن فقيراً، واصبح الوضع المعيشي تعساً والعائلات لا تستطيع العيش، وقد اصبحت الطبابة ممنوعة على الفقير، واصبحت الجامعات ممنوعة على العائلات المتوسطة لانها لا تستطيع دفع اقساط الجامعات، ولا تستطيع الطبابة ولا شراء الدواء، بل ان العائلات تتهافت على الهجرة بالآلاف.

عهد لم يُحرّك فيه التفتيش القضائي، ولا مجلس الخدمة المدنية، ولا التفتيش المالي والنيابة العامة المالية، عهد أصبح فيه لبنان معزولاً، عهد محصور ببضعة مستشارين يرأسهم الوزير جبران باسيل.

في هذا العهد سقط النمو من 3 في المئة الى نصف في المئة تحت الصفر على مستوى النمو الاقتصادي وعلى مستوى الناتج القومي، وزاد الدين العام 18 مليار دولار.

مرّ الكثير وبقي القليل. والأصحّ، بقي الأقلّ لكون العهد يتقن فنّ التعطيل وإضاعة الوقت نتيجة خوض معارك وهمية لضمان رئاسة الجمهورية لباسيل، لذلك سنكون أمام أشهر إضافية من التعطيل والانهيار والأزمات، ولعل الكلمة الأصدق للرئيس عون في عهده: “رايحين على جهنم”، وتالياً قادنا قبطان السفينة إلى جهنم فعلاً، فماذا بعد؟

شارك المقال