لا يمكن تلخيص الأسبوعين الماضيين في لبنان سوى أنهما داميان، منذ مجزرة أجهزة “البايجر” ثم اللاسلكي، مروراً بالقصف الاسرائيلي على مختلف المناطق اللبنانية، وتهجير أبناء الجنوب وبعلبك، وصولاً الى الغارات على الضاحية، وضرب المعقل الرئيسي لـ”حزب الله”، وما نتج عنها من إعلان “الحزب” استشهاد أمينه العام السيد حسن نصر الله.
ما يمكن تلخيصه في كل هذه الأحداث بعيداً عن السياسة، هو أن التفوق التكنولوجي كان سلاحاً فتاكاً بيد العدو الاسرائيلي، وتبين أن لا أحد في مأمن من التهديد التكنولوجي، التهديد الأمني الجديد، وهذا ما يفرق بين الحرب التقليدية التي اعتادها الجميع، والحرب الالكترونية والتكنولوجية. فبحسب خبراء إن هجوم “البايجر” واللاسلكي والمجزرة التي ارتكبت، أظهرا الضعف والفشل في الأمن المعلوماتي والعملياتي لدى “حزب الله”، مع العلم أن الهجوم لا يمكن وصفه بـ”الهجوم السيبراني الكلاسيكي”.
وتجدر الاشارة الى أن الحزب كان يعتمد على “البايجر” للتواصل والحماية من المراقبة، انطلاقاً من كون هذه الأجهزة تقوم على “تكنولوجيا قديمة”.
Stuxnet
هذه المجزرة التكنولوجية السيبرانية، ذكرت بعض المتابعين بالهجوم السيبراني الأشهر عن طريق فيروس “ستوكسنت Stuxnet”، الذي تم اكتشافه عام 2010، ويعد أول سلاح إلكتروني معروف حول العالم، اذ أصاب أجهزة الطرد المركزي الايراني لتخصيب اليورانيوم وتسبب في تدميرها مادياً، أي أنه كان السبب في تخريب منشآت التخصيب في إيران.
بعد هذا الهجوم “التكنولوجي” التخريبي، سعت إيران الى التشدد في أمنها واتخاذ الاحتياطات اللازمة، واعتماد سياسة أكثر من سرية في ما يتعلق ببرنامجها النووي، اذ إن ضرراً كبيراً أصاب المجمع الذي حصل فيه هذا الهجوم، وهو وسط طهران، ما خلق جواً من “عدم الثقة”. مع العلم أن إيران تؤكد أن التكنولوجيا النووية التي تمتلكها توظفها فقط في الأغراض المدنية، لا العسكرية.
وكان المشتبه به من دون أدنى شك، وذلك وفق عدد من المسؤولين الحكوميين، الاستخبارات الأميركية والاسرائيلية.
قراصنة إيران
الايرانيون ينتهجون سياسة القرصنة للرد على اعتداءات تكنولوجية سيبرانية كهذه، فعلى سبيل المثال، منذ بدء الحرب على غزة، ارتفع عدد الهجمات السيبرانية من قراصنة إيرانيين الى أكثر من الضعف، وصنّفت أكثر من 800 حادثة منها بأنها تنطوي على “احتمال ضرر كبير”، وذلك وفق تقرير سنوي صادر عن مديرية الأمن السيبراني الوطنية الاسرائيلية. وكانت الأهداف متنوعة، من مؤسسات وهيئات حكومية، مستشفيات، وكاميرات مراقبة…
وتتعرض البنية التحتية الايرانية أيضاَ لهجمات كهذه، ولعل الأشهر والأبرز منذ أشهر، عندما تعطلت محطات الوقود في جميع أنحاء البلاد بصورة مفاجئة، بحيث تضرر حينها ثلثا المحطات على مستوى إيران، التي اتهمت إسرائيل بالوقوف خلف الهجوم.
التفوق على “حزب الله”
مما لا شك فيه أن التطور التكنولوجي الاسرائيلي غلب “حزب الله”، وإن أظهر بعض التقدم والتطور بالمسيرات وخصوصاً “الهدهد”، الا أن اسرائيل أظهرت أنها تفوقت عليه بأشواط، والدليل كان استهداف جميع قادته واغتيالهم بصورة دقيقة، وآخرها استهداف المعقل الأساسي للحزب في قلب الضاحية، الموجود تحت الأرض، في أسفل عدد من المباني، والقضاء على من كانوا بداخله.
وقبلها مجزرة “البايجر”، التي يمكن وصفها بأنها مشهد من فيلم “خيال علمي”، اذ يرى العديد من الخبراء أن ما حصل هو تزويد هذه الأجهزة عند حصول الصفقة قبل وصولها الى “حزب الله”، بمتفجرات مع شيفرة لتفجيرها في الوقت المناسب.
إذاً ما يمكن تأكيده أن التكنولوجيا غلبت “الحزب”، وما حصل هو خرق معلوماتي وسيبراني له.