واشنطن تواجه أربعة أسئلة حاسمة حول أفغانستان

حسناء بو حرفوش

كرّس موقع “ذا هيل” (thehill) الأميركي مساحة للتساؤل حول الغموض المحيط بالانسحاب الأميركي من أفغانستان، وتحديدا من خلال مقال يطرح أربعة أسئلة يصفها الكاتب مارك بوليمروبولوس، الذي عمل لمدة 26 عاما في وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إي) بـ”الحاسمة”. وفي ما يلي ترجمة لتساؤلات بوليمروبولوس التي تدور في فلك المساءلة الصارمة ومكافأة الإنجازات.

“إن ما يميز الديمقراطية هي القدرة على وضع المسؤولين الحكوميين الذين يعملون في النهاية لصالح الشعب الأميركي، قيد الاستجواب. ولذلك، يجب أن تكون المساءلة أساس العمل الحكومي. وبعد عملي في مناطق النزاع لسنوات عديدة، وعلى وجه الخصوص، في أفغانستان كضابط عمليات ثم كرئيس قاعدة، تراودني العديد من الأسئلة حول عملية إجلاء غير المقاتلين الأخيرة، والتي وصفتها إدارة الرئيس جو بايدن بالنجاح الكبير.

  • السر وراء فتح بوابة “آبي”

أولا، لماذا تركت بوابة “آبي” المؤدية إلى مطار كابول مفتوحة بوجود انتحاري طليق؟ من واقع خبرتي، في الحالات النادرة التي حصلنا فيها على مثل هذه المعلومات الاستخبارية التكتيكية والتي تشير إلى وجود تهديد وشيك لمنشأة حكومية أميركية مثل سفارة أو قنصلية، تتخذ تدابير فورية لحماية القوة ومنع أي غرباء من الوصول. ومع ذلك، ألمح مقال نشر في “بوليتيكو” (Politico ) إلى مسؤولية البريطانيين بطريقة ما عن طلب إبقاء البوابة مفتوحة، بسبب انشغالهم بإدارة عملية إخلاء في مكان قريب.

ولا يعني إلقاء الملامة على أي حليف وتحويله لكبش محرقة، إعفاء القادة العسكريين الأميركيين الموجودين في الموقع والذين كانوا يعلمون هناك من مسؤوليتهم. لقد برز تهديد كبير ولكنهم لم يتخذوا تدابير أمنية في الوقت المناسب، كما ورد. هل
أثرت ضغوط سياسية من واشنطن على اتخاذ القرار؟ لقد قتل بالنتيجة ثلاثة عشر أميركيا وأصيب 20 آخرون. هل يصح وضعهم في هذا الموقف الضعيف؟ من العدل تمامًا طرح هذا السؤال نظرًا لخطورة ما حدث.

  • الفيديو الكامل للمسيرة

ثانيًا، أين هو الفيديو الكامل لضربة الطائرة المسيرة التي يُزعم أنها قضت على انتحاري تابع لتنظيم الدولة الإسلامية، التي تسببت بمقتل 10 مدنيين أفغان؟ في حسابات ما قبل الضربة عادة، يحدد مستهدفو القوات الجوية الخطأ الدائري المحتمل وتقديرات الأضرار الجانبية للانفجار، وإذا أشارت المعلومات الاستخباراتية إلى وجود إرهابي يحمل متفجرات، فسيؤخذ دون شك بعين الاعتبار. وكان البنتاغون قد زعم في البداية أن اثنين من عناصر تنظيم الدولة الإسلامية قُتلا في الانفجار وأن انفجارات ثانوية تلت الانفجار الأول، ومن ثم تغيرت الرواية لتركز على مقتل عنصر واحد من التنظيم.

وقد علق رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي مؤخرًا بالقول أنه من “المعقول” تقييم وقوع انفجارات ثانوية. فلماذا تتفاعل القصة؟ من وجهة نظري، يحتاج الشعب الأميركي لمشاهدة لقطات الفيديو الكاملة، ثم الاطلاع على المعلومات الاستخبارية بعد الضربة للتأكد من نجاحها أم لا. وليس هناك من شك بأن مقتل مدنيين في هذه الضربة أمر مثير للقلق، ولذلك يتوجب على الولايات المتحدة تقديم سرد مفصل للأحداث.

تأثير أميركا على طالبان

ثالثًا، من الذي روّج في الإدارة الأميركية لتقييم يفيد بأن للولايات المتحدة نفوذا كبيرا على طالبان، بحيث تضغط على الحركة للسماح للأميركيين وغير الأميركيين، ربما المتقدمين للحصول على تأشيرة هجرة خاصة، بمغادرة أفغانستان في النهاية؟ لقد روجت الإدارة مرارا وتكرارا لهذا النفوذ المزعوم، مما يعطي انطباعا بأن أن تاريخ 31 آب هو موعد مقبول للانسحاب الأميركي نظرًا لتأكيدات طالبان حول تقديم المساعدة بعد المغادرة. ومع ذلك، في ظل الشكوك التاريخية المبلغ عنها في مجتمع الاستخبارات بشأن طالبان، هل توخت وكالة المخابرات المركزية وغيرها حقا ذكر ذلك في تقييم رسمي؟

أعتقد شخصيا أن هذا نتاج تأثير الممثل الأميركي الخاص للمصالحة في أفغانستان، السفير زلماي خليل زاد الذي يعبر عن وجهة نظر أكثر تفاؤلاً حول احتمال ظهور طالبان جديدة. لا أحد منا يعتقد أن طالبان قد تغيرت، ولن يكون للولايات المتحدة أي نفوذ لحمل عناصرها على ذلك.

الأرقام الحقيقية؟

رابعًا، هل يعرف أحدكم من الذي تم إجلاؤه وأعداد الأشخاص الذين أخرجوا من البلاد؟ لم أر في حياتي قط مثل هذا الارتباك في مسألة السياسة الخارجية. بدت الأرقام التي قدمتها الإدارة مربكة، وفي بعض الأحيان، ظهرت كموضوع تناقض في الحكومة بعد ساعات فقط عن الإعلان عنها. ما المهم في ذلك؟ لدينا مسؤولية أخلاقية لإجلاء كل الأميركيين في أفغانستان بالإضافة إلى حلفائنا الأفغان. بيد أن موظفي وزارة الدفاع والبيت الأبيض ينهالون علينا كل ساعة بأرقام إضافية لأشخاص تم إجلاؤهم وبلغت الأعداد أكثر من 100 ألف شخص، من المفترض أن يمضي كثير منهم حياته في أميركا في النهاية.

ومع ذلك، أعلن مسؤول في وزارة الخارجية في الأول من أيلول الماضي، بأن القوات الأميركية تركت وراءها الغالبية العظمى من حلفائنا، بما في ذلك معظم طالبي تأشيرات الهجرة في الواقع. لا حجة تبرر هذه المأساة. وهل يغير ذلك رواية “النجاح الكبير” التي تعكف الإدارة على ترديدها؟ لقد عمل الرجال والنساء في وزارة الخارجية ومجتمع الاستخبارات ووزارة الدفاع بلا كلل على عملية الإخلاء في ظروف شبه مستحيلة، ويجب أن نثني على جهودهم الجبارة. كم تلهمني كلمات طيار بوينغ سي-17 الذي قام بمهمات متعددة وأنقذ حياة مئات الأفغان: “لقد أصبحت سي-17 بالنسبة لأكثر من 100 ألف شخص في أفغانستان، سفينة للأمل والحرية”.

لكن، بالنظر إلى الفوضى التي حدثت وإلى الأرواح التي فقدت وإلى التخلي عن حلفائنا الأفغان، هذا لا يعفي كبار المسؤولين في الحكومة الأميركية من المساءلة أمام الشعب. لا بد من الإجابة على الأسئلة الأربعة المطروحة أعلاه من أجل فهم ما حدث قبل وأثناء الإخلاء بشكل كامل ضمان المساءلة الصارمة ومكافأة الإنجازات والسماح بإيجاد خاتمة لهذا الفصل من التدخل الأميركي في أفغانستان.”

شارك المقال