ترتج المناطق اللبنانية بفعل الضربات الاسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، وتصل آثار بعضها إلى مناطق بعيدة عن بيروت، كالجبل والمتن وحتى جونيه وكسروان والجية وغيرها، ويتوقع الخبراء استخدام اسرائيل قنابل ثقيلة من النوع الخارق للتحصينات، وذلك بسبب مشاهدات الحفر في الأراضي، وهذه القنابل تنفجر في باطن الأرض ما يتسبب في الهزات التي يشعر بها أهالي المناطق المجاورة.
ولكن بدأ الحديث مؤخراً عن روائح غريبة يشمها المواطنون بعد الضربات، ما يدفع الى التساؤل عن مصدرها؟ ولا يزال الخبراء بانتظار هدوء الحرب لإجراء تحاليلهم، ولكن الجواب قد يكمن في حروب أميركا و”الناتو” السابقة، حيث فاحت روائح مشابهة في حرب الخليج وكوسوفو وأفغانستان، وتبين لاحقاً أن القنابل الخارقة للتحصينات مزودة باليورانيوم المنضب، وهو عنصر أساسي في أقوى أنواع هذه القنابل.
واليورانيوم المنضب هو عبارة عن نفايات ناتجة عن العملية التي يتم من خلالها تخصيب اليورانيوم لاستخدامه في محطات الطاقة النووية والأسلحة النووية. ويتم تجريد الكثير من مادته المشعة، ولكن ليس كلها، ويستخدم في المفاعلات النووية والذخائر، ويعبأ به نوع من القنابل تطلق من المدافع أو تلقى من الطائرات المقاتلة، وله قدرة عالية على إذابة المواد الصلبة الخرسانية والمدرعة، وهو مادة مشعة، لكن نشاطه الإشعاعي أقل من مستويات الإشعاع الموجودة في خام اليورانيوم الطبيعي.
ووفق الوكالة الدولية للطاقة الذرية يستخدم اليورانيوم المنضب في الأسلحة لأنه عالي الكثافة ويشتعل ذاتياً عند درجات حرارة وضغط عالية، ويصبح أكثر حدة عندما يخترق الصفائح المدرعة.
وتنتج الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا والصين وفرنسا وباكستان أسلحة اليورانيوم المنضب التي يقول التحالف الدولي لحظر أسلحة اليورانيوم إنها لا تصنّف أسلحة نووية. وتمتلك 14 دولة أخرى هذا النوع من الأسلحة.
وتقول وزارة الدفاع البريطانية إن الصواريخ المزودة باليورانيوم المنضب طوّرتها الولايات المتحدة وبريطانيا في سبعينيات القرن الماضي. واستخدمت لأول مرة في حرب الخليج عام 1991، ثم في كوسوفو عام 1999، وأثناء حرب العراق عام 2003.
القنبلة المعروفة باسم GBU-28 أوBLU-113، يبلغ طولها 5.8 أمتار وقطرها 36.8 سنتيمتراً وتزن 1996 كيلوغراماً. ويتم إسقاطها من طائرة، بحيث تكتسب قدراً كبيراً من السرعة، وبالتالي الطاقة الحركية، أثناء سقوطها. وعندما تصطدم القنبلة بالأرض، فإنها تشبه مسماراً ضخماً تم دقه من مسدس مسامير.
في مهمة نموذجية، تكشف مصادر الاستخبارات أو الصور الجوية/الأقمار الصناعية عن موقع المخبأ. يتم تحميل GBU-28 في قاذفة B2 Stealth أو طائرة F-111 أو طائرة مماثلة.
وزوّدت GBU-28 في الماضي بفتيل تأخير (FMU-143) بحيث تنفجر بعد الاختراق وليس عند الاصطدام. كما أجري قدر كبير من الأبحاث حول الصمامات الذكية التي يمكنها، باستخدام معالج دقيق ومقياس تسارع، اكتشاف ما يحدث أثناء الاختراق والانفجار في الوقت المناسب تماماً. تُعرف هذه الصمامات باسم الصمامات الذكية ذات الهدف الصلب (HTSF).
القنابل الخارقة للتحصينات GBU-27/GBU-24 المعروفة أيضاً باسم BLU-109 متطابقة تقريباً مع القنابل الخارقة للتحصينات GBU-28، باستثناء أن وزنها لا يتعدى الـ 900 كيلوغرام، كما أن تصنيعها أقل تكلفة، ويمكن للقاذفة أن تحمل عدداً أكبر منها في كل مهمة.
ولصنع قنابل خارقة للتحصينات يمكنها اختراق التحصينات بصورة أعمق، فإن أمام المصممين ثلاثة خيارات: يمكنهم جعل السلاح أثقل، فالوزن الأكبر يمنح القنبلة المزيد من الطاقة الحركية عندما تضرب الهدف. يمكنهم جعل السلاح أصغر قطراً، تعني المساحة المقطعية الأصغر أن القنبلة يجب أن تحرك مادة أقل (تراب أو خرساني) “بعيدًا عن الطريق” أثناء اختراقها. يمكنهم جعل القنبلة أسرع لزيادة طاقتها الحركية. الطريقة العملية الوحيدة للقيام بذلك هي إضافة نوع من محرك الصواريخ الكبير الذي يطلق النار قبل الاصطدام مباشرة. أما إحدى أهم الطرق لجعل قنبلة خارقة للتحصينات أثقل مع الحفاظ على مساحة مقطعية ضيقة هي استخدام معدن أثقل من الفولاذ. الرصاص أثقل، لكنه طري للغاية لدرجة أنه عديم الفائدة في القنبلة الخارقة – الرصاص يتشوه أو يتفكك عندما تضرب القنبلة الهدف.
وهنا يأتي دور اليورانيوم المنضب، الذي لديه خصائص تجعله مفيداً في الأسلحة الخارقة للتحصينات، كالكثافة، فاليورانيوم المنضب أثقل من الرصاص بـ 1.7 مرة، وأثقل من الفولاذ بـ 2.4 مرة، يمكن ملاحظة أن صلابة برينيل لليورانيوم 238 هي 2400، وهي أقل بقليل من التنغستن عند 2570، والحديد 490. واليورانيوم المنضب الممزوج بكمية صغيرة من التيتانيوم يكون أكثر صلابة.
بالاضافة إلى ذلك يحترق اليورانيوم المنضب بشدة، وهو يشبه المغنيسيوم في هذا الصدد، بحيث إذا قمت بتسخين اليورانيوم في بيئة أوكسجين (هواء عادي)، فسوف يشتعل ويحترق بلهب شديد للغاية. وبمجرد دخوله إلى الهدف، فإن حرق اليورانيوم هو جزء آخر من القوة التدميرية للقنبلة.
إن هذه الخصائص تجعل من اليورانيوم المنضب خياراً واضحاً عند إنشاء قنابل متطورة قادرة على اختراق المخابئ. فمن الممكن باستخدام اليورانيوم المنضب إنشاء قنابل ثقيلة وقوية وضيقة للغاية تتمتع بقوة اختراق هائلة.
كل هذه الخصائص جعلت اليورانيوم المنضب هو المادة المفضلة للأسلحة الخارقة، على سبيل المثال، فإن M829 عبارة عن “سهم” خارق للدروع يتم إطلاقه من مدفع دبابةM1 . يبلغ طول هذه السهام التي وزنها 10 أرطال (4.5 كيلوغرامات) 2 قدم (61 سنتيمتراً) وقطرها حوالي 1 بوصة (2.5 سنيمتراً) وتترك فوهة مدفع الدبابة تسير بسرعة تزيد عن ميل (1.6 كيلومتراً) في الثانية. يتمتع السهم بطاقة حركية كبيرة وهو قوي لدرجة أنه قادر على اختراق أقوى صفائح.
من قوة الضربات الاسرائيلية، لا سيما على الضاحية الجنوبية، والحفر قي مواقع الاغتيالات، وارتجاج الأرض بهذا الشكل، من المؤكد استخدام اسرائيل القنابل الخارقة للتحصينات، وبعدما فاحت روائح غريبة في مناطق القصف فهذا قد يعني أن اسرائيل تستخدم القنابل المزودة باليورانيوم المنضب، وهو أمر سيحدده الخبراء عندما يتمكنون من فحص بقايا المقذوفات في المناطق التي تتعرض للقصف.