“الأوبامنش الفلسطيني” يفكّ لغز جلبوع

زاهر أبو حمدة

“حيثما وجدت كائناً حياً كانت هناك أيضاً إرادة قوّة؛ وحتى في إرادة الخادم وجدت إرادة أن يكون سيداً”. (فريدريك نيتشه)

تطرح الغالبية أسئلة حول انتزاع الأسرى الستة حريتهم من سجن جلبوع. فعلاً تحتاج أجوبة منطقية. كيف خرجوا؟ ماذا حل بالرمال؟ هل هناك مساعدة خارجية؟ وغيرها من الأسئلة الصعبة. وإذا خرج علينا أحد الأسرى المحررين وشرح لنا سنفهم فوراً، أو إذا وصل تحقيق “الشاباص” الى حل الألغاز بطريقة منطقية وأقنع بها الرأي العام الإسرائيلي قبل الفلسطيني. لكن مهما كانت الإجابات وتوقيت وطريقة تقديمها، فإنها لا تقدم أو تؤخر أمام تداعيات ما حصل. وهنا يدور الحديث عن سيناريوات ما بعد الخروج من السجن، فهل تشتعل انتفاضة للأسرى في السجون؟ وهل تتطور الأمور لحرب جديدة مع غزة أو مواجهات في الضفة لا سيما في جنين؟ أيضاً هذه التوقعات مهمة، لكن الأهم هو درس الفدائيين الستة: نحن أقوى. إذا انتصرت نفسياً على عدوك سينتصر جسدك.

يقول مسؤول كبير في مصلحة سجون الاحتلال لموقع “والا” العبري، إن “معنويات الأسرى الفلسطينيين مرتفعة منذ هروب جلبوع”. نعم، هذا الأكثر أهمية في كل القصة لأن إسرائيل قامت كدولة باعتبارها متفوقة على محيطها، وعلى أصحاب الأرض بكل النواحي لا سيما العسكرية والأمنية. ولذلك يعمل الاحتلال على إحباط عزيمة من يواجهه كي يكرس في اللاوعي الفلسطيني أنك لا تستطيع. فإسرائيل هي “السوبرمان”. لا، هي ليست كذلك. بل الفلسطيني بإرادته الصلبة وعزيمته المثلى وغريزته الإنسانية سيتفوق على المحتل بتسجيل النقاط وبالضربة القاضية، فهو “الأوبامنش” الحقيقي.

استخدم الفيلسوف الألماني فريديك نيتشه، مصطلح السوبرمان أو الأوبامنش (Übermensch) لأول مرة في كتابه “هكذا تكلم زرادشت” المنشور عام 1883. ويرى فيه أن “الغريزة هي وحدها التي تحرك الإنسان سواء أكان من خلال فعل الفرد القوي أو انفعال الفرد الضعيف، ليس هناك مجال للحديث عن الحرية والأخلاق والضمير والمسؤولية. هي العلة الأولى والأخيرة لأي حدث”. وهذا صحيح لأن بالفطرة الإنسانية أن يطمح الانسان لحريته وأن يعمل لنيلها. وبالتالي، تكون الغريزة مع استخدام العقل أداة أولى لتكون الرجل الخارق وتهزم دولة تظن نفسها “سوبرمان”.

لم يكن نيتشه، هو أول من ابتدع شخصية الإنسان المتفوق أو الخارق أي “السوبرمان” أو كما يسميه “الانسان الأعلى”. لكنه أعطاه صفات ارادية نفسية تجعله الأول والأهم. وهذا ما ينطبق على الأسرى الابطال الذين انتصروا في معركة الإرادة النفسية قبل التخطيط وحرب العقول. بالنسبة لنيتشه، ليس من المفترض أن يكون “الأوبامنش” قويًا جسديًا ولا ذكيًا للغاية، لكن من المفترض أن “يكون السوبرمان متفوقاً نفسياً”. أن تكون “سوبرمان” يعني أن تكون على دراية بحقيقة أن الحياة عبارة عن معاناة من دون معنى، ومع ذلك تستمر في العيش وتعثر على معنى خاص بك. ولذلك تصنع قيمك الخاصة وتبني نفسك بنفسك. وعليك أن تقبل المعاناة كعنصر من الخير، وفقاً لنيتشه، فالمعاناة أمر طبيعي. ومع ذلك “يمكننا أن نجد بعض المعنى في تلك المعاناة والبقاء على قيد الحياة. هذا في حد ذاته هو معنى الحياة. إن الرجل الخارق يصنع مصيره، فهو يعمل بجد من أجل ما يريده ولا يستسلم أبدًا، بغض النظر عن عدد المرات التي يسقط فيها”.

كما أن “الأوبامنش” يختلف عن الإنسان العادي. إنه انحراف عن القاعدة، إنسان متفوق؛ لذلك لا نظير له في قوته. لكنه ليس متواضعاً بل فخور بنفسه. ويرى نيتشه أن على الرجل الخارق أن يستثمر في التطبيقات العملية للثقافة لرفع عقلية المجتمع.

وإذا اسقطنا نظرية نيتشه على “الأوبامنش الفلسطيني” سنجده في الفدائيين الستة، وليس في إسرائيل أو الاساطير المخترعة في ديزني وهوليوود أو الكتب المصورة لـ”دي سي كومكس”. فالسوبرمان حقيقة وليس خيالاً في فلسطين. وصحيح أن الرصاص يخترق جسده لكنه لا يرهب روحه وارادته. ولعل أغنية “أنا للأبد باقي” (كلمات أحمد دحبور، وألحان حسين نازك) لفرقة “العاشقين”، تلخص مشهد الأسرى وقوة ارادتهم وإرادة قوتهم، وهذا مقطع منها:

زيــــد المـؤبـــد تــأبـيــــد               ليـــش ضامن إنـك باقي

أبــدكــــم مـا هــو بالإيــــد             وأنــــا للأبــد بـــــــاقي

أوّلتـــي حريــــة وعيــــد             وآخرتــك تطلــع بـــره

ولن يبقى الاحتلال.

شارك المقال