تتشابه حرب اليوم مع حرب تموز 2006 من ناحية التدمير الاسرائيلي وتهجير أهالي الضاحية وجنوب لبنان، مع فارق أساسي هو الخرق الاستخباراتي الهائل لاسرائيل في “حزب الله” أدى إلى اغتيال أمينه العام السيد حسن نصر الله، وعدد من قيادييه ما تسبب في اختلال بمركز التحكم والسيطرة للحزب، الذي أثبت مجدداً على الرغم من ذلك أن عقدة الجيوش النظامية هي حرب العصابات، ويسطر انتصارات في معارك التصدي براً.
هذا في الشأن العسكري أما في الشأن الاجتماعي، فهناك اضطراب لدى البيئة الحاضنة بعد اغتيال “الرمز” الكبير، السيد نصر الله، الذي كان يشكل حالة استثنائية، تعطي اطمئناناً كبيراً لمؤيدي الحزب ومناصريه، وتجعلهم يتقبلون الصعاب أو “يخوضون البحر” كما يحلو لهم الانشاد في أوقات الشدة.
عدا عن ذلك هناك اختلاف أساسي بين الحربين، ففي العام 2006 لم تكن هناك أزمة اقتصادية ومالية تنخر لبنان لنحو 5 سنوات، وكان جنى عمر الناس محفوظاً، لا متبخراً في المصارف، وكانت سوريا حليفة الحزب دولة قوية ساهمت في صمود البيئة الحاضنة، وايران على الرغم من مشكلاتها مع الولايات المتحدة لم تكن محاصرة اقتصادياً كما هو الحال اليوم.
طبعاً لا يجب نسيان أن شدة الحرب مختلفة، ففي حرب تموز لم تقصف اسرائيل عمق بيروت، ولا القرى التي يوجد فيها مؤيدو الحزب في مناطق الشمال والجبل، وحتى البقاع لم يتعرض للهجمات القاسية نفسها التي يتعرض لها اليوم، اذ تهجر حينها العديد من سكان الضاحية والجنوب إلى القرى البقاعية، كون القصف في حرب تموز ركز على بعلبك المدينة وبعض المواقع المحددة، وبالتالي لم يكن عبء النزوح كما هو اليوم، بينما من الواضح أن اسرائيل تحاول الانتصار في المعركة عبر الضغط على الشعب اللبناني لينهار من الداخل، وذلك عبر قصف مناطق من خارج البيئة الحاضنة لتفرض تهجيراً الى مناطق ربما لم تعد تتحمل الضغط الشعبي فيها، بالاضافة الى محاولة زوع الفتن بين المكونات اللبنانية عبر معاقبتها لاحتضانها بيئة “حزب الله”.
اذاً، الأموال قليلة بسبب الأزمة الاقتصادية، وسوريا لم تخرج بعد من حالة الحرب الأهلية، ولم يبقَ للحزب وبيئته الا ايران، ولكن هناك حظر جوي بري وبحري اسرائيلي على أي شيء يأتي منها، حتى الأموال هناك صعوبة في نقلها بسبب الحصار، بالاضافة إلى وضع مطار رفيق الحريري الدولي تحت المراقبة الدائمة لا سيما من الولايات المتحدة، التي جال ملحق سفارتها العسكري فيه للتأكد من خلوه من الأسلحة، وبالتالي هناك صعوبة حتى في رعاية النازحين مادياً، وهذا فارق أساسي بين الحرب القائمة وحرب تموز.
وقد تبين أن خطة النزوح التي أعدها “حزب الله” لم تكن كافية، أو أنه لم يتوقع أن تصل الحرب إلى هذه الدرجة، واضطر الى الاعتماد على اللبنانيين الذين فتحوا مناطقهم للنازحين، وبدأوا بتقديم المساعدات لهم، بالاضافة الى الدعم من الدول الصديقة لا سيما الدول العربية، بحيث أنشأ بعضها جسراً جوياً، وقدم مئات الأطنان من المساعدات، ما غطى النقص لدى الحزب.
وبالتالي مقومات الصمود اليوم أقل بكثير من مقومات الصمود في حرب تموز، إلا أن وحدة اللبنانيين وتحرك أصدقاء لبنان، سيساهم بصورة كبيرة في منع حصول كارثة انسانية، أما البيئة الحاضنة فقد بدأ الحزب بسلسلة من الاجراءات لطمأنتها، أبرزها على لسان مسؤوله الاعلامي محمد عفيف، الذي كرر وعد السيد حسن نصر الله بعد الدمار في حرب تموز: “سنعيدها أجمل مما كانت”.