ستة اعتبارات وراء تمسّك الغرب بالمنطقة

حسناء بو حرفوش

ستة اعتبارات رئيسية تمنع الغرب من توسيع رقعة الانسحاب من الشرق الأوسط، في مواجهة التحدي المتمثل في الهيمنة العالمية التي تسعى إليها الصين بحسب مقال نشر في موقع مجلة “كاونتربانش” الأميركية. فما هي هذه الاعتبارات؟ الإجابة في المقتطفات التالية من مقال للكاتب جيف هالبر الذي اشتهر بكتبه حول الصراع في الأراضي المحتلة، وبمناهضته للممارسات الاستيطانية الإسرائيلية.

وبحسب المقال، “لا يزال شركاء الناتو يعانون قبل كل شيء، من القلق المتزايد حول التهديدات الإرهابية التي تنبع من المناطق الأقل استقراراً في المنطقة. ومن الأمثلة على ذلك، بحث الجانب الأميركي على وسيط مع طالبان للمساعدة في الانسحاب المنظم (نسبيًا) من أفغانستان. ثانياً، لا يمكن فصل الخوف من التوسع الإيراني عن الاعتبار الأول، لأن إيران تطمح، بالنسبة إلى الأميركيين على الأقل، لتصبح قوة نووية وقوة عسكرية تقليدية قادرة على مواجهة نفوذ الدول “الموالية للغرب”. كما تواصل من خلال وكلائها الشيعة وحلفائها الآخرين توسيع وجودها في المنطقة، سواء في العراق وسوريا ولبنان من ناحية وصولاً إلى اليمن من ناحية أخرى. وعلى الرغم من المؤشرات على تطور العلاقات البراغماتية بين خصوم سابقين مثل إيران والسعودية وطالبان، تبقى إيران مصدراً رئيسياً للتخوف الأميركي.

ثالثاً، تمثل الدول “الموالية للغرب” (ليس بالمعنى السياسي أو الثقافي الحقيقي) بعضاً من أكبر مشتري الأسلحة. بحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري)، تعد المملكة العربية السعودية أكبر شارٍ للأسلحة في العالم، وتحديدا من الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة. أما مصر فتعد الشاري الأكبر لفرنسا (إضافة إلى الهند)، وتستفيد إيطاليا من بيع منتجات رئيسية لمصر وتركيا؛ كما تشكل مصر ثالث مستورد رئيسي للأسلحة لألمانيا. رابعا، على الرغم من أن المنتجات النفطية أقل أهمية بكثير للاقتصادات الغربية مما كانت عليه في الماضي، إلا أنها تكتسي أهمية كبيرة في سياق ضمان استقرار الأسواق.

خامسًا، تواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو قلقاً متنامياً بشأن نفوذ الصين المتزايد في الشرق الأوسط. وتأتي نصف واردات الصين من النفط الخام من دول الشرق الأوسط وفي مقدمتها السعودية. وكانت حركة طالبان قد أعلنت أخيراً أنها ستعتمد بشكل أساسي على الصين لتحقيق التنمية الاقتصادية. أما سادساً، فتلتزم أميركا بدعم إسرائيل كحليفتها “الأكثر موثوقية” في الشرق الأوسط، وهذا لا يرتبط فقط بكونها شارياً رئيسياً للأسلحة، فهي بالإضافة إلى ذلك، مستعدة لحشد الدعم الأميركي ضد أي هدف تختاره إسرائيل (…) علما أن قدرة إسرائيل على الاندماج الحقيقي في المنطقة تعتمد على نجاح خطتها التي تقضي بتهميش القضية الفلسطينية وتغييب الحل الجذري لمسألة استيطان أراضي الفلسطينيين”.

أميركا لم ترحل بعد

ويركز الكاتب الذي يكرس الجزء الثاني من مقاله لدعوة التقدميين لإحداث تغيير في العالم ضد الأنظمة التي يصفها بـ”الاستبدادية”، على التغير الواضح الذي يطرأ حالياً، على العلاقات الإقليمية والعالمية، كما يغتنم الفرصة لإدانة سياسات إسرائيل ضد الفلسطينيين. ويضيف: “في الوقت الحالي، لا تزال الولايات المتحدة القوة الخارجية الأكثر أهمية في الشرق الأوسط بسبب وزنها السياسي والعسكري على حد سواء (…) ومع ذلك، تقوم الدول العربية المحافظة في الشرق الأوسط والشريكة منذ زمن طويل للغرب، بإعادة تحديد مصالحها وتحالفاتها بطرق غالباً ما تختلف عن سياسات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. ويبدو أن نوعاً جديداً من السياسة آخذ في الظهور. وقد أعلنت بقايا دول “الناتو الشرق أوسطية” عن استعدادها الظاهر لدعم المصالح الغربية في المنطقة (…) ولكن يبقى أن ننتظر ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على منح هذا التحالف الفعال أي بنية أو محتوى سياسي ذي معنى مع انسحابها من المسرح العالمي تحت وطأة الضغوط المحلية التي تتعرض لها.

(…) أضف أن العلاقات المتغيرة في الشرق الأوسط واضحة، لا سيما في ما يتعلق بالتأثير المتزايد للأصولية الإسلامية (…) حيث يستقر الأصوليون في المعسكرات، بعضهم أقرب إلى البعض أو في حالة من الصراع، علما بأن الجميع شرع بإعادة تقييم لعلاقاتهم مع تطور سلطتهم السياسية (…) ومن ناحية أخرى، يثير صعود حركة طالبان في أفغانستان مخاوف في إيران (…) ومع ذلك، يبدو أن صعود طالبان إلى السلطة إلى جانب الانسحاب الأميركي، قد يأتي ببعض الانفراج على مستوى العلاقات بين إيران والسعودية.

هذا وتواصل إسرائيل استقطاب العلاقات في المنطقة حيث تسعى لدفع أجندتها الخاصة للاندماج من خلال تحالفات تخدم مصالحها الذاتية وتهدف لعسكرة المنطقة ومهاجمة دول الجوار متى شاءت وتهميش القضية الفلسطينية (…) وهذا ما يظهر جلياً في طبيعة المعاملات الدبلوماسية أخيراً خلال الاجتماعات الأخيرة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد، نفتالي بينيت، والرئيس جو بايدن في واشنطن، حيث ترك بينيت القضية الفلسطينية خارج جدول الأعمال تمامًا (باستثناء غزة التي صنفت كـ “مسألة أمنية”) ، وركز بدلا من ذلك على إيران. دون أن ننسى تداعيات الحرب الأهلية السورية والتضارب الطائفي في العراق والصراع مع الأكراد في تركيا وشمال سوريا والعراق والتوترات على الحدود اللبنانية وانهيار لبنان واستمرار الضغط الشعبي لإرساء الديمقراطية والتنمية، وغير ذلك من التغييرات الأساسية في المنطقة” (…) ويختم المقال بدعوة التقدميين “لتطوير نوع جديد من الدبلوماسية التي تربط مجتمعات المنطقة بالمجتمع المدني الدولي التقدمي (…) والتعلم من النضال العالمي ضد الظروف الاستعمارية النيوليبرالية الجديدة التي تفرز مثل هذه الأزمات العالمية الكارثية، من خلال عدم الاستدامة الاقتصادية والسياسية والثقافية والبيئية”.

المصدر: counter punch

شارك المقال