11 أيلول… خيبة الشرق الأوسط و”عسكرة” أميركا

حسناء بو حرفوش

على بعد يومين من الذكرى السنوية لهجمات الحادي عشر من أيلول 2001 والتي أسفرت عن مقتل قرابة 3 آلاف شخص، أضاءت الصحافة العالمية على هذه اللحظة التاريخية “التي غيّرت وجه الولايات المتحدة ومنطقة الشرق الاوسط على حد سواء”، بحسب مؤرخين ومتخصصين في الشأن الأميركي والدولي. كيف أثر هذا الحدث في المنطقة؟ وكيف تترجم مفاعيل “عسكرة” المجتمع الأميركي التي نتجت منه؟ الإجابة في مقتطفات من موقع “لوتان” (le temps) السويسري و”لا ديبيش” (la Depeche) الفرنسي.

موقع صحيفة “لوتان” السويسرية نقل عن خبير في التاريخ والسياسة الدولية أن “الهجمات التي استُغلت كذريعة للهجوم على أفغانستان، غيّرت مصير المنطقة بأسرها، حيث لم تنتشر تردّدات آثار هجمات 11 أيلول بالقدر عينه الذي زلزل العالم العربي الإسلامي”.

من جهته، موقع “لا ديبيش” الفرنسي، نشر مقالاً يصف هذا التاريخ بـ”الصدمة المطلقة لأميركا!” وينقل المقال عن المؤرخ المتخصص بالشؤون الأميركية، رومان هيريت، أن “الحدث أفضى لاضطرابات في التوازن العالمي منذ ذلك الحين. أما على المستوى المحلي، فقد تغيرت أميركا من بلاد متفائلة وسعيدة ومزدهرة، خصوصاً في التسعينيات التي مثلت نهاية الحرب الباردة والنصر النهائي للولايات المتحدة بسقوط الإمبراطورية السوفياتية، حين سادت في تلك المرحلة فكرة انتشار النموذج الأميركي في الكوكب بأسره (…) كان ذلك الانتصار المطلق لنموذج الديموقراطية الأميركية والاستهلاك الاقتصادي الشامل.

(…) وفي ظل هزيمة الاتحاد السوفياتي، يصعب توقع هجوم بهذا الحجم. وشكلت الهجمات صفعة مطلقة للجيش والمخابرات وللحكومة وللسكان (…) وعلى مستوى رد فعل الشعب، كان من المدهش رؤية الأفلام الهوليوودية التي تسلط الضوء على الإرهاب مثل Die Hard، وهي تتحول إلى حقيقة: برجا مركز التجارة العالمي ينهاران مباشرة على الشاشات أمام العالم! ومع ذلك، سرعان ما سيطرت مرونة الولايات المتحدة وترجمت بتوجه وطني غير مسبوق، حيث انضم آلاف الشبان الى الجيش للدفاع عن بلادهم. وتحول الرئيس جورج بوش (…) بشكل لا مفر منه إلى أمير حرب. واتحد الحلفاء حول أميركا، لكن أحداً لم يرَ ما بدأ يتشكل بالفعل: معاناة البلاد الشديدة من عدم الاستقرار الداخلي. فقد أضعفت هذه الهجمات الديموقراطية الأميركية على وجه الخصوص. كما اهتزت الأسس المؤسساتية والاجتماعية، الأمر الذي سيترك تأثيراً كبيراً في بقية الأحداث على المدى البعيد.

“عسكرة” المجتمع الأميركي

لا شك في أن الهدف من الهجمات هو زعزعة استقرار الديموقراطية الأميركية، ويظهر اليوم بشكل واضح أن هذا الهدف قد تحقّق إلى حد كبير. على سبيل المثال، أضفت “عسكرة” الولايات المتحدة، والتي تترجم بالانخراط العسكري على التوالي في العراق وسوريا وأفغانستان، “الطابع الوحشي” على المجتمع. لا بد من أن نشير إلى تعداد 18 مليون مقاتل سابق في أميركا، و2 مليوني جندي نشط حالياً، من دون أن ننسى عائلة كل من هؤلاء. بالتالي، يمكن القول بأن لـ 60 إلى 70 مليون أميركي واحداً من أفراد الأسرة على الأقل، يخدم في الجيش الأميركي.

عدا عن ذلك، تترك عسكرة المجتمع من ناحية، تأثيرات قوية في الجدل الديموقراطي، وهذا يترجم بتصاعد العنف اللفظي، وخير دليل على ذلك خطاب دونالد ترامب، الذي غيّر حدود النقاش من خلال اللجوء إلى الإهانة والإذلال والتخوين، وغيرها من الأساليب المستعارة من الخطاب العسكري والتي تمكن الرئيس السابق من تحويلها إلى لعبة سياسية. ومن ناحية أخرى، لا يمكن التغاضي عن العواقب الاقتصادية كالمديونية الهائلة والمرتبطة بانتشار مسارح العمليات والاعتماد على اقتصاد الحرب. بالنتيجة، تشكلت لدى الأميركيين (…) منذ 20 عامًا رؤية مليئة بالعنف والتطرف والخطر عن الخارج. وقد استغل ترامب هذا الشعور بالتهديد للديموقراطية وللسكان المسيحيين البيض بشكل جيد للغاية عام 2016.

فجوة بين “أميركيتين”

مع الانسحاب من أفغانستان، هل تطوى صفحة 11 أيلول؟ ربما عاد شكل من أشكال التفاؤل إلى الولايات المتحدة، مع تحقيق ثروات هائلة في “وادي سيليكون” أو في سوق الأسهم، لكن الحادي عشر من أيلول، ضاعف بشكل حاد، الانقسام بين الأميركيتين: الساحل الشرقي والغربي، أي بين المتعلمين، الذين استفادوا من الازدهار الاقتصادي وراقبوا الحروب الأميركية من بعيد، وأولئك الذين ترقبوا عودة أبنائهم من القتال في العراق أو سوريا أو أفغانستان. وتزداد هذه الفجوة الهائلة يوماً بعد يوم ويبدو من الصعب التوفيق بين هاتين الأميركيتين اليوم. وهذا هو التحدي الأكبر لرئاسة بايدن، إذ يتعين على إدارته قيادة بلاد في ظل حال من التوتر الشديد.

ماذا عن أوروبا؟

أخيراً، ألم تدفع أوروبا أيضاً ثمناً باهظاً؟ (…) من المؤكد أن أوروبا ما كانت لتعرف هجمات 2015 في فرنسا لولا 11 أيلول 2001 ورد الفعل الأميركي الذي أعقبه. لقد اضطرب العالم بأسره وبشكل تام بسبب ما حدث في ذلك اليوم. من الناحية الجيوستراتيجية، انتهى كل ما قامت به الولايات المتحدة منذ العام 2001، بشكل عام بإخفاق تام: لم تصدّر الديموقراطية إلى أي مكان وبقي الشرق الأوسط مزعزعا لعقود، كما لم يتم إرساء أي توازنات عالمية جديدة بعد.

وفي الولايات المتحدة اليوم، “ترتفع الأصوات اللائمة التي تندد بخيار الدخول في حرب مع عدد من الدول منذ 2001 بينما كان من الأجدى تعقّب المنظمة الإرهابية المسؤولة عن الهجمات. حسنا، لم تسر الأمور بما يرضي هذه الأصوات، وبالنتيجة، لا يمكن لأحد التنبؤ بما ينتظر العالم بعد خمس سنوات”.

المصادر:

letemps
ladepeche

شارك المقال