“إندبندنت”: واشنطن بين الواقع وأوهام العظمة

حسناء بو حرفوش

بعد مرور ثمانية أشهر تقريبًا على ولايتها، لا تزال الإدارة الأميركية بحاجة لمعرفة ما تريده من إيران وإدراك إمكاناتها بشكل واقعي، حسب مقال على موقع صحيفة “اندبندنت” (independent) البريطانية. ووفقا للمقال، “في الوقت الذي تعالج فيه إدارة الرئيس جو بايدن الجروح السياسية التي سبّبها انسحابها الفاشل من أفغانستان، تواجه أزمة أخرى محتملة تتعلق ببرنامج إيران النووي.

تشابه بين أفغانستان وإيران؟

وهناك أوجه تشابه بين قضية أفغانستان والبرنامج النووي الإيراني، فضلا عما يبدو كتوتر في السياسة الخارجية الأميركية التي تقوم على أوهام العظمة. فقد دفعت أماني مخططي الحرب بالولايات المتحدة للاعتقاد الخاطئ بأن حكومة كابول التي تدعمها ستصدّ طالبان، على الأقل لفترة من الوقت. وأدى التفكير عينه لحشر إدارة بايدن في المأزق الحالي مع إيران. ومن المرتقب أن يجتمع هذا الأسبوع، مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا لاتخاذ قرار حول توجيه الملامة إلى إيران لعدم السماح للمفتشين بالوصول إلى تسجيلات أنشطتها في منشآتها النووية.

وحذرت إيران من أن أي اتهام قد يؤدي لإنهاء المحادثات لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، وهي الصفقة التي تم التفاوض عليها بصعوبة والتي تهدف لوضع قيود على برنامج إيران النووي. وقد هرع المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي إلى طهران الأحد لمحاولة التوصل لاتفاق وتجنّب الجدل المثير للانقسام في فيينا هذا الأسبوع. واتفق الجانبان على السماح لفنيي الوكالة الدولية للطاقة الذرية على الأقل بمواصلة صيانة معدات المراقبة، حتى في ظل عدم توفر التسجيلات في الوقت الحالي.

وفي حين أن إيران تستحق حصّتها من الملامة، تتحمل الولايات المتحدة المسؤولية بشكل كبير عن الأزمة الحالية، إذ أن إدارة دونالد ترامب انسحبت من الاتفاق النووي عام 2018 وشنت حملة من العقوبات والتنمر لإجبار إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات في محاولة لعقد “صفقة أفضل” (…) لكن مخطط السيطرة على إيران فشل بشكل لا يثير الدهشة، وبدلا من ذلك، عملت طهران على تكثيف برنامجها النووي ومناوراتها الاستفزازية في الشرق الأوسط.

هذا وبنى بايدن حملته الانتخابية على الوعود بإعادة إرساء الاتفاق النووي (…) وكان بوسعه بسهولة رفع بعض عقوبات ترامب كبادرة من جانب واحد على حسن النية (…) لكن يبدو أن وهم حاجة طهران للصفقة قد سحَر الادارة الأميركية التي تخيّلت فعالية لاستخدام “النفوذ” من أجل الضغط لصالح “الصفقة الأفضل” التي فشل ترامب في الحصول عليها (…) بينما اتضح جليا أن الحقيقة مغايرة، فالعقوبات التي استمرت حتى اليوم ودفعت الإيرانيين لتقليص وصول المفتشين إلى منشآتها النووية، ليست نفوذًا بل سموما ديبلوماسية حالت دون خفض التوتر وزرعت عدم الثقة بين الأوروبيين وعقّدت مهمة المفاوضين الإيرانيين الذين يسعون لإقناع المتشدّدين داخل البلاد بالعودة للامتثال.

بالإضافة إلى ذلك، نجت إيران من العقوبات. صحيح أن اقتصادها لا يزدهر، لكن أليس هذه حال الجميع بعد عام ونصف من التعرض لجائحة عالمية؟ أضف إلى ذلك أن صادرات النفط الإيرانية آخذة في الارتفاع، كما نما إنتاجها من الصلب بوتيرة أسرع من الصين حتى الآن هذا العام. وحسب تقرير صادر عن بلومبرغ، يستمر بناء موانئ وسكك حديدية ومنشآت طاقة جديدة.

وسبق أن استغلت الإدارة الأميركية عامل الوقت فحذرت مرارا وتكرارا من أن الوقت ينفد لاستعادة الصفقة، من خلال التركيز على الانتخابات الإيرانية وتولي فريق أكثر تشددًا للسلطة في طهران. حتى أن مقالا على موقع “سي أن أن” (CNN) الإلكتروني، نُشر في السابع من نيسان حذر من “أن نافذة الفرصة تغلق بسرعة بشأن اتفاق نووي إيراني” (…) وبعد ضياع أسابيع ثمينة، استمرت المحادثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران في فيينا حتى حزيران، ثم توقف الإيرانيون من أجل الانتخابات التي شهدت صعود الرئيس المتشدّد إبراهيم رئيسي خلفا للبراغماتي حسن روحاني. ولم تستأنف المحادثات مباشرة بعد الانتخابات حيث طلبت إدارة رئيسي بعد قسمه اليمين الدستورية، المزيد من الوقت بحجة حاجتها إلى بضعة أسابيع لتستقر.

ماذا تريد واشنطن؟

بعد مرور ثمانية أشهر تقريبا على ولايتها، تحتاج الإدارة الأميركية لمعرفة ما تريده وإدراك ما يمكنها تحقيقه بشكل واقعي. فهي لن تنجح باسترضاء الجمهوريين في “الكابيتول هيل” من خلال اتخاذ موقف صارم من إيران مع إعادة تفعيل الصفقة مع إيران في الوقت عينه. كما لن تستطيع تهدئة التوترات في الشرق الأوسط والاهتمام بمحورها مع آسيا وبالمسائل العالمية الأخرى بالتزامن مع إطلاق تحذير أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد، حول الاستعداد للانتقال إلى خيارات أخرى إذا فشلت الديبلوماسية مع إيران. ربما يعتقد فريق بايدن أنه يمكن لواشنطن، بعيدا عن سموم ترامب، حشد القوى العالمية ضد إيران مرة أخرى، من خلال القنوات الايديولوجية، كما فعل الرئيس باراك أوباما عام 2010 عندما تبنى مجلس الأمن بالإجماع عقوبات صارمة على إيران بسبب برنامجها النووي.

لكن هذه ليست سوى “فنتازيا” جديدة لواشنطن، فقد تزامنت عقوبات 2010 الصارمة مع تراجع فلاديمير بوتين خطوة إلى الوراء لمدة أربع سنوات لصالح تولي صديقه ديمتري ميدفيديف الرئاسة الروسية، كما أتت قبل أن يتولى المتشدد شي جين بينغ رئاسة الصين.

أما اليوم، فلا مصلحة لكل من بوتين وشي بمعاقبة إيران، فهي شريك تجاري وشوكة محمودة في خاصرة خصومهما في أميركا وأوروبا. وهذا ما أوضحه مندوب روسيا لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ميخائيل أوليانوف، والذي قطع الشك باليقين بتغريدته الجمعة، حين أكد “أنه لا داعي لاتخاذ إجراءات ضد إيران في الاجتماع المقبل لمجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.

المصدر: independent

شارك المقال