على عكس حرب تموز 2006 التي لم تستهدفها اسرائيل إلا مرة واحدة، تعرضت منطقة الشياح لعدة غارات اسرائيلية في حرب 2024، بحيث قصفت منطقة الطيونة ومارون مسك مرات عدة منذ التصعيد واشتعال الحرب بصورتها الحالية منذ منتصف أيلول الماضي، وقد استهدفت الضربات الأولى قياديين في “حزب الله” كما تزعم اسرائيل، بينما تقول انها تستهدف بنى تحتية مدنية للحزب في الضربات الجديدة، فدمرت مبنى “القرض الحسن” منذ 3 أيام، وبالأمس مبنيين.
لم تعتبر الشياح يوماً معقلاً لـ”حزب الله”، بل عاصمة حركة “أمل” في الضاحية الجنوبية، على الرغم من أن هناك وجوداً للحزب فيها، ولكنه لا يقارن بالحركة.
مبنى “القرض الحسن” الذي دمرته اسرائيل يقع على طرف الشياح لجهة مقبرة روضة الشهيدين وليس في داخل شوارعها.
أما المباني التي استهدفتها اسرائيل فلم يعرف عنها أنها تحتوي على منشآت للحزب، فأحدها على طريق الطيونة فيه مقهى، وصحيح أن العديد من عناصر الحزب يترددون إليه إلا أن لا علم لأحد بوجود منشآت للحزب في المبنى.
تعد الشياح الضاحية الأولى لبيروت، حيث يعود تاريخ وجودها الى ما يزيد على قرن ونيف من الزمن، بحيث لم يكن هناك وجود لمناطق كبئر العبد وحي ماضي ومعوض، ولا معظم أحياء ضاحية بيروت الجنوبية، وكانت موطناً للعديد من العائلات الشيعية.
كنيسة مار مخايل، الواقعة على أطراف الشياح، تعد أبرز معالم الوجود المسيحي في المنطقة، لما لها من بعد رمزي في سنوات الحرب الأهلية.
اشتهرت الشياح في فترة الحرب الأهلية بأنها منطقة تماس مع جارتها عين الرمانة، وحتى يومنا هذا تحصل بعض المناوشات الفردية بين شبان المنطقتين، على الرغم من أن التعايش واقع بينهما بفرض الجغرافيا.
وتقليدياً، ضمت المنطقة عدداً من شيوخ الدين الكلاسيكيين منهم: الشيخ محمد حسن قبيسي، والشيخ عبد الكريم شمس الدين والد الامام محمد مهدي شمس الدين. كما وُلد فيها القانوني والنائب السابق إدمون نعيم، وسكنتها قبل أن تبلغ مجدها، الفنانة هيفا وهبي.
يقطع الشياح شارعان رئيسيان، عبد الكريم الخليل، أحد الرموز الوطنية وشهداء الاستقلال، وأسعد الأسعد، ابن العائلة البرجوازية العريقة، والذي يمتلك قصراً في الشارع نفسه.
في حرب تموز 2006، كانت الشياح ملجأ للنازحين من مناطق الضاحية الأخرى التي استهدفت بعنف، وقبل أن تنتهي الحرب ببضعة أيام استهدفت اسرائيل مبنى في حي الحجاج في الشياح مرتكبة مجزرة كبيرة، إلا أنه كان الاستهداف الوحيد فيها.
أما اليوم فقد تم استهدافها مرات عدة، ما أدى الى نزوح العديد من سكانها، وعلى الرغم من ذلك لا تزال تضج بالحياة، حيث هناك عدد لا بأس به من السكان لم ينزح منها، بل يعتبر أنه لا يستطيع التنفس خارجها، فهناك علاقة غريبة بين هذه البلدة وسكانها، الذين يرددون دائماً أنها عاصمة الضاحية الجنوبية.
منطقة الطيونة التي استهدفت أمس تعتبر من المناطق الراقية في الشياح، حيث تسكنها طبقة ميسورة، يتراوح أسعار الشقق فيها بين 300 ألف إلى مليون دولار.
وتشتهر المنطقة بمقاهٍ كمقهى أبو عساف الشهير الذي كان القصف قربه أمس، والذي لم يغلق أبوابه تاريخياً إلا في حالات خاصة وشخصية بمعظمها، وأغلقه مع اشتداد الحرب.
تختلف التفسيرات لهذا الاستهداف المستمر للشياح، لا سيما أنها ليست عمليات اغتيال ولا تطال بنية تحتية لـ”حزب الله”، ويفسره البعض بأنه جزء من الحرب النفسية التي تشنها اسرائيل على البيئة الحاضنة، عن أن لا مكان آمن، بينما يذهب البعض الآخر في تفسيره بأنه رسائل اسرائيلية الى الرئيس نبيه بري قائد حركة “أمل”، والمكلف التفاوض على وقف إطلاق النار.
مهما كانت الأسباب إلا أن المؤكد هو أن أهالي الشياح يحزنون على ما يحل بمنطقتهم، ولكن في الوقت نفسه العديد منهم يرفض المغادرة، فالموت في الشياح أهون من التشرد خارجها.