من التعطيل إلى التشكيل… المستفيد واحدٌ

هدى علاء الدين

يدفع لبنان اليوم ثمن الأزمات السياسية اللامتناهية وصراع المحاور بامتياز، فالتعطيل المقصود الذي يُنتهج منذ سنوات عديدة، بدأت نتائجه بالظهور بشكل مباشر منذ صيف العام 2019. فصول التعطيل التي أدّت إلى الانهيار الشامل لم تأخذ بالاعتبار خطورته على لبنان الوطن والهوية والشعب، وعلى الرغم من تشكيل حكومة جديدة إلا أن نوايا التعطيل لا تزال تكمن في التفاصيل وستكون رهن الأيام والأسابيع المقبلة من أجل قطع الشك باليقين.

انهيار متعمد

في حديث له مع موقع “لبنان الكبير”، اعتبر الأستاذ الجامعي والاستشاري في الشؤون المالية والإدارية الدكتور مروان قطب أن الانهيار لم يكن وليد اليوم، إنما جرّاء عدة عوامل ساهمت جميعها في أخذ لبنان إلى المجهول، مشيراً إلى أن التعطيل الممنهج الذي يُمارَس بحجة الدستور والصلاحيات، يُراد منه الاستئثار بالحكم وتغيير النظام السياسي عنوةً لأهداف حزبية وخدمةً لأجندات إقليمية. وبحسب قطب، فإن عدم تفعيل حكومة تصريف الأعمال هي ليست من عنديات الرئيس حسان دياب، إنما كان أمراً مطلوباً وخطةً مدروسةً ودهاءً سياسياً لإظهاره وكأنه مطلب سنّي، انطلاقاً من أن تفعيل دورها سيساهم بإدارة مؤسسات الدولة ومعالجة الفراغ والتخفيف من حال التوتر وسيعرقل كافة الخطط والمشاريع التي يريدها أصحاب هذا الانهيار خصوصاً “حزب الله”، وخير دليل على ذلك مسألة استيراد النفظ الإيراني التي لم يكن ليُقدم عليها لو كان هناك حكومة قوية وفعّالة. فالحزب يخشى من وجود حكومة يكون فيها التأثير الأميركي أكبر من التأثير الإيراني، ولا سيما في ظل موجة الحراك والاعتراض المدني، لأن ذلك سيضعفه وسيزيد الحصار عليه، خصوصاً أنه ليس قادرا على القيام بأعمال أمنية كبيرة كـ”7 أيار” جديد أو القيام بتحركات أمنية في الداخل.

يقول قطب إن من مصلحة “حزب الله” الأولى عدم تشكيل حكومة إلا على قياسه ووفقاً لأهدافه الداخلية وأجندته الخارجية، وما كان حاصل في لبنان قبل تشكيل الحكومة الجديدة هو إدارة الفراغ من جبران باسيل بعدما كُلّف بها، إذ استغل الأخير الظروف لتحقيق مكاسب داخلية منها النيل من رئاسة الحكومة، وشدّ العصب المسيحي الداخلي. واعتبر قطب أن الحزب لم يتمسك بميشال عون كشخص بل لغايةٍ من أجل تحقيق أهدافه الداخلية، مشيراً إلى أن العلاقة بين جبران باسيل والحزب هي علاقة عضوية، والوصول إلى السلطة لم يكن الهدف منه إيصال عون إلى سدة الرئاسة فقط إنما باسيل أيضاً. لذا، كي يصل باسيل إلى مبتغاه يجب أن تبقى العلاقة العضوية مع الطرف الأقوى في لبنان والمتمثل بـ “حزب الله”. 

تشكيلٌ ملغوم

وعن ولادة الحكومة بعد تعطيل طويل، يرى قطب أن الأمور بدأت تأخذ منحى مختلفاً منذ لحظة الاتصال الفرنسي مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، مما يعني ضمنياً حصول إيران على اعتراف من جهة دولية بدورها الأساسي والمؤثر في لبنان يحيث لا يمكن اتخاذ أي قرار إلا بالعودة إليها باعتبارها مرجعية لا بد من اللجوء إليها لأخذ الضوء الأخضر من أجل تشكيل الحكومة، تزامناً مع عدم اعتراض الولايات المتحدة الأميركية على المبادرات الفرنسية شرط تأمين المصالح الأميركية في المنطقة. أما لجهة العراقيل من رئاسة الجمهورية وجبران باسيل من أجل الحصول على الثلث المعطل أو ما يسمونه بالثلث الضامن، فليس هناك ما يؤكّد اختفاءها. فعلى الرغم من تشكيل الحكومة، إلا أن تركيبتها ليست واضحة بعد للجزم بوجود ثلث معطل ضمني أم لا، وسيظهر ذلك عندما يبدأ الوزراء ممارسة مهامهم ومدى سطوة باسيل عليهم. وبحسب قطب، فإذا تبين وجود ثلث معطل، فهذا يعني أن التيار الوطني الحرّ حقق ما أراد من مكاسب، وفي حال تبيّن العكس لم يستبعد أن يكون رئيس الجمهورية قد خضع لإملاءات إيرانية من أجل التنازل عنه.

يُعدّ تشكيل الحكومة أمراً جيداً خصوصاً عند انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، لكن الخوف يكمن في ما إذا تبيّن لاحقاً وجود ثلث معطل يستطيع عون استخدامه من أجل التحكم بقرارات الحكومة وتعطيلها أو ربما إقالتها. وعما إذا كانت الحكومة قادرة على القيام بالإصلاحات المطلوبة، يقول قطب يجب انتظار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على المساعدات، وانتظار رد فعل المجتمع الدولي تجاهها الذي ليس لمصلحته انهيار لبنان التام، مشيراً إلى أن أمام الحكومة الجديدة تحديات كبرى على أكثر من صعيد، والثقة العربية قد لا تحصل عليها، مما سيحرمها من دعم مالي يُخرج الاوضاع الاقتصادية من الازمة.

ويختم قطب: “إن التيار الوطني الحر لن يتوانى عن استخدام سلاح التعطيل عند كل استحقاق لفرض إرادته ومشروعه الذي يكمن في توريث الرئاسة إلى جبران باسيل”.

شارك المقال