كيف دخل العراق في فلك إيران؟

حسناء بو حرفوش

نشر موقع “فير أوبزرفر” (fair observer) مقالاً سلط فيه الضوء على العلاقات بين إيران والعراق في ضوء تطور السياسات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط. ووفقاً لمقال الرأي الموقع باسم المحلل الكردي محمد (مهميت بالكردي) الأجا، “عكفت إيران تدريجياً منذ العام 2003، على إعادة تشكيل السياسة الداخلية والأمنية للعراق بهدف الحد من النفوذ الأميركي (…) علماً بأن الحرب على الإرهاب هي التي فتحت الأبواب أمام النفوذ الجديد لإيران في العراق”.

الأبواب المفتوحة

بحسب المحلل، “لطالما شكل العراق بفضل سكانه الشيعة، هدفًا مهمًا للسياسة الخارجية الإيرانية منذ الثورة الإسلامية في العام 1979 (…) ونظرًا لكون العراق البعثي يمثل تهديداً رئيسياً لأمن إيران، تدخل النظام في طهران في السياسات الداخلية والتوجهات الاستراتيجية للعراق منذ وصول البعث إلى السلطة. لكن مع إسقاط الولايات المتحدة لصدام حسين، استفادت إيران من حدودها المشتركة وروابطها الثقافية والدينية والاقتصادية لمغازلة شيعة العراق. وعزز لجوء شخصيات شيعية مهمة معارضة للنظام العراقي إلى إيران في أوائل الثمانينيات علاقات طهران مع هذه الجماعات في فترة ما بعد الغزو الأميركي. وخلال هذا الوقت، اكتسب السكان الشيعة تأثيراً داخل الدولة والمجتمع العراقي. على سبيل المثال، يعد هادي العامري قائد فيلق بدر وأبو مهدي المهندس، نائب رئيس الحشد الشعبي الذي توفى أخيراً، من بين أبرز الشخصيات الموالية لإيران في المنطقة داخل المؤسسات السياسية والعسكرية العراقية الحالية. كما تأسس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق (…) على أمل الإطاحة بنظام صدام حسين، في إيران في العام 1982. وأصبح منظمة رائدة لمختلف الفصائل الشيعية والجماعات السياسية ذات الصلة بطهران، وضمناً فيلق بدر.

وبينما استفادت إيران من دعم الميليشيات العراقية خلال الحرب غير الحاسمة مع العراق في الثمانينيات، أعادت طهران توجيه هذه التعبئة ضد القوات الأميركية بعد غزو 2003 (…) وظهر الوجود الإيراني في العراق مع إلقاء الأميركيين القبض على عدد من العناصر الإيرانية في عامي 2006 و2007 (…) كما منح حل الجيش العراقي وتشكيل الحكومة الموقتة من الولايات المتحدة بعد العام 2003، إيران فرصاً جديدة لتأمين العديد من المناصب المهمة في البيروقراطية. خلال هذه العملية، دمج العديد من أعضاء فيلق بدر في الجيش الجديد وقوات الشرطة، وأمنوا ترقيات سريعة لشبكة علاقاتهم السياسية. واليوم، لا تزال بدر من أكثر الجماعات النشطة داخل الشرطة والجيش ووزارة الداخلية.

توطيد القوة الإيرانية

وتشكلت حكومة بغداد على أساس المحاصصة العرقية والطائفية. وعملاً بدستور البلاد الذي يعود للعام 2005، خصصت الرئاسة للأكراد ورئاسة الوزراء للشيعة ومنصب رئيس البرلمان للسنة. وعزز تخصيص المنصب التنفيذي للقادة الشيعة التدخل الإيراني في السياسة العراقية. وتسببت السياسات الطائفية لرئيس الوزراء نوري المالكي الذي تولى منصبه بين عامي 2006 و 2014، بامتعاض المجتمع السني. كما عانى هذا الأخير من عدم الفهم الأميركي للتوقعات السنية مما أدى إلى تهميشه.

ودفع التطرف لظهور القاعدة من جديد ثم تشكيل تنظيم الدولة الإسلامية الأكثر تطرفاً في المناطق السنية. وبعد الاستيلاء على الموصل في حزيران 2014، سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على ما يقرب من ثلث الأراضي العراقية. واتحدت جميع الجماعات الشيعية التي تقاتل ضد التهديد الجديد تحت راية وحدات الحشد الشعبي بعد دعوة المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله العظمى علي السيستاني كل القادرين على حمل السلاح للمشاركة في القتال (…) وأظهر الدعم الفعال من الحرس الثوري الإيراني ووجود قائد فيلق القدس قاسم سليماني، على الخطوط الأمامية في العراق، فعالية إيران في الميدان. وأضفى دمج وحدات الحشد الشعبي كجزء قانوني من الآلية الأمنية العراقية في العام 2016، الشرعية على النفوذ الإيراني في المؤسسات السياسية والعسكرية. لكن بعد إعلان الانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية في العام 2017، اشتعلت التوترات بين إيران والولايات المتحدة التي دعمت الحشد الشعبي ضد داعش (…) وبينما جادل المسؤولون الأميركيون بضرورة حل وحدات الحشد الشعبي التي أكملت مهمتها، أعادت الجماعات الموالية لإيران تأكيد نبرتها المعادية لأميركا. وأمنت الفصائل المدعومة من إيران، بفضل دورها النشط في القتال ضد داعش، موقعها في البيروقراطية العسكرية وتمكنت من ترسيخ نفسها سياسياً (…) وبعد انتخابات 2018، أصبحت إيران واحدة من صناع القرار في العراق ما بعد داعش.

وبعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، بدأت القوات الموالية لإيران بمهاجمة القوات الأميركية على الأرض في العراق. وبينما بدت إيران وكأنها تريد معاقبة أميركا عبر الميليشيات العراقية، هدفت من خلال الهجمات أيضا لإجبار الأميركيين على الانسحاب من العراق. ووصل الوضع إلى ذروته مع اغتيال سليماني والمهندس في غارة جوية أميركية فنقلت الاغتيالات التوترات إلى الساحة السياسية، مع تمرير قرار في البرلمان العراقي لدعوة الحكومة لطرد القوات الأجنبية من البلاد.

بالنتيجة، تخلت الولايات المتحدة عن العديد من قواعدها في البلاد، كما قررت واشنطن سحب قواتها المقاتلة والاحتفاظ بالمستشارين فقط. وتمكنت إيران إلى حد كبير من الحصول على ما تريد، أي طرد الولايات المتحدة وإعادة تأكيد نفوذها في المنطقة. وبدأت الفصائل الموالية لإيران، والنشطة بالفعل في المناطق الشيعية، بإظهار وجودها في المناطق التي يسيطر عليها السنة مثل الموصل والأنبار وصلاح الدين بعد هزيمة داعش. علاوة على ذلك، تنتهج الجماعات المدعومة من إيران استراتيجية طويلة الأمد للسيطرة على المناطق المتنازع عليها بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان العراق (…) وفي الوقت نفسه، ترفض قوات الحشد الشعبي سيطرة بغداد وتهدد الحكومة المركزية.

(…) في النهاية، عكفت إيران بهدف الحد من النفوذ الأميركي، على إعادة تشكيل سياسة العراق الداخلية والأمنية بشكل تدريجي منذ العام 2003. وبينما لا يزال الملايين يدفعون ثمن الحرب على الإرهاب في العراق، والتي أدت لانهيار الأنظمة السياسية والاقتصادية التي أعقبتها حملة إرهاب الدولة الإسلامية، تواصل إيران تعزيز سلطتها في المجالين العسكري والسياسي. وبعد غزو استمر 18 عاماً واستعداد الولايات المتحدة لسحب قواتها المقاتلة، ستؤتي هيمنة إيران على العراق ثمارها لا محالة. وذلك لأن التركيز الطائفي والعرقي في إطار نظام الكوتا الحكومية العراقية لا يحول فقط دون تشكيل هوية عراقية مستقلة، بل يحافظ كذلك على دينامية خطوط الصدع الاجتماعي الهشة، والتي تشكل فرصة لا تفوت بالنسبة لإيران”.

المصدر: fairob server

شارك المقال