كيف غيّرت سوريا سياسة تركيا الخارجية؟

حسناء بو حرفوش

نشر موقع “كارنيغي” (Carnegie Europe) الأوروبي مقالاً مفصلاً ركز على التغير في السياسة التركية على المستويين المحلي والخارجي، وبروز سياسة خارجية قومية أكثر عدوانية مع تداعيات عميقة على العلاقات مع الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي. وبحسب ملخص المقال، “شنت تركيا بدءا من آب 2016، أربع عمليات عسكرية في شمال سوريا، صمم كل منها لأهداف محددة واستجابة لسيناريوات سريعة التغير على الأرض. وبالإمكان طبعا تحديد الأولويات الرئيسية التي شكلت سياسة تركيا تجاه سوريا على مر السنين في ظل ارتباط نشاط الحكومة التركية في جوهره، بالسياسات الداخلية التي ساعدت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه على الاحتفاظ بالسلطة”.

ويلحظ المقال بالتفصيل التغيرات على المستوى المحلي، إذ (…) “لعبت سياسة الحكومة التركية تجاه سوريا دورًا رئيسيًا بإعادة بناء صدقية القوات المسلحة التركية ورسم التوازن بين القوة المدنية والعسكرية بالإضافة إلى محاولة إضعاف القوات الكردية داخل وخارج تركيا وهي قضية شكلت أصلاً أحد الدوافع وراء التدخل العسكري لأنقرة في سوريا. كما يركز المقال على تأثيرات العمليات العسكرية التركية في سوريا والتي أدت إلى تزايد التوتر مع الولايات المتحدة (…) لكن تدخل أنقرة في سوريا منح أيضا تركيا نفوذاً جديداً على الاتحاد الأوروبي عبر إدارة تدفقات اللاجئين، إذ شكل حل مسألة اللاجئين السوريين في تركيا أولوية للحكومة منذ المراحل الأولى من الحرب الأهلية السورية ومحركاً رئيسياً لسياسات أنقرة تجاه كل من سوريا والاتحاد الأوروبي.

(…) واستخدمت الحكومة التركية مسألة اللاجئين السوريين لتبرير التدخل العسكري في سوريا وللضغط على الاتحاد الأوروبي للحصول على تمويل وإعادة التفاوض على الحدود البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط. وبشكل حاسم، زودت العمليات التركية في سوريا الحكومة التركية بمخطط لسياستها الخارجية (…) وغيرت المسيًرات التركية مسار النزاعات ليس فقط في سوريا ولكن أيضًا في ليبيا وجنوب القوقاز (…) وتسرد الدراسة بالتفصيل كيف تعكس العمليات العسكرية التركية في سوريا، خروج أنقرة عن سياستها التقليدية التي تقضي بالامتناع عن التدخل في شؤون جيرانها في المراحل الأولى من الحرب الأهلية السورية، مع الدعوات المتكررة لتغيير النظام في دمشق، ومن ثم إعادة تشكيل شبكتها من التحالفات الإقليمية والدولية لتحقيق هذا الهدف، والتي تخلت عنه لاحقا لصالح أهداف متوسطة المدى وأكثر قابلية للتحقيق.

(…) وإذ يذكر المقال بالاتجاهات التي أثّرت في الانتخابات وتحديدا في مستوى علاقة الدولة مع الأكراد (…)، يركز أيضا على التغييرات على مستوى الجيش، وأهداف عمليتيّ “درع الفرات” و”غصن الزيتون” (…) وأهمها رفع الروح المعنوية للقوات المسلحة التركية وزيادة كفاءة التنسيق بين مختلف أجزائها وتحسين التنسيق الديبلوماسي والقدرة على نشر قدرات تكنولوجية جديدة. وتضاف إليها إعادة بناء الدعم الشعبي للجيش التركي بعد تراجع ثقة الجمهور به إلى أدنى مستوى تاريخي في كانون الثاني 2017 (…) لكن في ما بعد أظهر الجيش بوضوح عودته إلى مستوى عالٍ من الفعالية العملياتية، مدعومًا بالتقدم التكنولوجي الكبير. كما أثبتت تجربة ساحة المعركة (…) قيمة صناعة الدفاع التركية وتحديدا بالنسبة للمشترين الأجانب (…) واليوم، تصدر تركيا مسيّرات (…) إلى دول مثل بولندا وقطر وأوكرانيا. وقد غيرت هذه المسيّرات مسار نزاعات متعددة مثل الحرب الأهلية الليبية والحرب بين أرمينيا وأذربيجان.

(…) لكن من ناحية أخرى، أضرّت العمليات العسكرية التركية داخل سوريا بتوسع الصناعات العسكرية التركية (…) مثلا بعد فرض حظر أسلحة لمدة شهرين كلف تركيا نحو مليار دولار (…) كما شكلت تغييرا وجوديا للقوات المسلحة التركية (…) في ظل تشكل توازن جديد بين القوة العسكرية والمدنية في البلاد، مع سيطرة الجانب المدني للمرة الأولى، فبدأ التوجه السياسي للجيش يتغير (…). ومن منظور السياسة الخارجية (…) لم يكن تدخل أنقرة في سوريا مصدرا للصراع، أو للتقارب حتى، مع شركائها التقليديين وجيرانها في جميع أنحاء المنطقة. وقد زودها هذا التدخل بأدوات جديدة لسياسة خارجية أكثر عدوانية وقومية. ويعود المقال هنا للانقسامات الأميركية التركية حول الأكراد السوريين وحول الأهداف وراء الوجود داخل سوريا ومسألة انسحاب الولايات المتحدة منها (…) وبالتالي، سيعتمد أي إصلاح مستقبلي للعلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا على حل إيجابي للأزمة السورية. وستحتاج تركيا لتحديد الدور الذي تريد أن تلعبه في مستقبل جارتها الجنوبية ومدى قدرتها على التسامح مع الوجود الكردي القوي هناك (…) كما من المفترض أن تعيد تركيا التفكير في بعض قراراتها الاستراتيجية الأخيرة، وأهمها علاقتها مع روسيا بتوصيفاتها المختلفة.

أما في ما يتعلق بالاتحاد الأوروبي، فقد استثمرت تركيا، في ظل التردد الأوروبي من أي إجراء قد يمكّن نظام الأسد (…)، في المناطق المحتلة أثناء عملياتها العسكرية لدمج الاقتصادات المحلية والبنية التحتية في النظام التركي. كما أصبحت السياسة الخارجية التركية حازمة بشكل متزايد في السنوات الخمس الماضية، إذ أدى التقارب بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية (…) إلى إعادة توجيه السياسة الخارجية التركية لصالح (…) تغيير الوضع الإقليمي الراهن وإبراز القوة التركية بطرق جديدة في المناطق المجاورة (…) وتشمل السمات الجديدة والمراجعة لسياسة تركيا الخارجية، الشروع في التدخلات العسكرية في الخارج والانخراط في الهندسة الديموغرافية والتدخل السياسي واستخدام الوكلاء لتعزيز أهداف أنقرة الجيوسياسية. وهذا ما اختبرته تركيا على الأرض السورية.

(…) أخيراً، ليس بجديد أن يذكر القتال ضد حزب العمال الكردستاني وتفرعاته الإقليمية كمبرر لتدخلات تركيا في شمال سوريا، لكن حجم وطموح العمليات لم يكن متوقعا. ففي حين أن خصوصيات الحرب الأهلية السورية أوجدت أرضا خصبة بشكل خاص لأعداء تركيا، إلا أن الاستراتيجيات التي استخدمتها أنقرة للرد نادراً ما شوهدت من قبل. واشتملت على استكمال تحول الجيش التركي إلى قوة استكشافية وزيادة حجم الإنتاج والمستوى التقني لصناعة الدفاع التركية والاستثمار في العديد من الدول على طول الحدود لإعادة توطين اللاجئين السوريين (…) للحفاظ على مستوى معين من السيطرة. واستخدمت تركيا هذه الدروس بالإضافة لقدراتها الجديدة على تعديل موقفها في السياسة الخارجية. وفي الأصل، لولا الصراع في سوريا، لما شاهد العالم القوات التركية في الصحراء الليبية أو المسيّرات التركية في سماء ناغورنو كاراباخ. وستمضي تركيا قدما، في ظل التحضيرات للانتخابات الرئاسية المرتقبة عام 2023، في استثمار هذه الأدوات لتعزيز موقعها على الساحة الدولية”.

لقراءة المقال مفصلا:

Carnegie Europe

شارك المقال