الاختراق الحكومي في طريق مسدود و”حج سياسي” إلى موسكو

وليد شقير
وليد شقير

ثمن استقبال موسكو لباسيل في 29 نيسان خفض سقف شروطه 

قد لا تنتج الحركة الخارجية في اتجاه لبنان واهتمام العواصم الكبرى بأزمته وبتدهور أوضاعه المعيشية، وبالمخاوف من أن يتأثر الوضع الأمني بالانهيار المالي المتواصل فيه، حلولاً قريبة، على الرغم من  أن الأسبوع الفائت شهد تلاقياً روسياً أميركياً على التعاطي عن قرب مع تطورات الانسداد السياسي الذي يتسبب بشلل الدولة والمؤسسات فيه. والأرجح أن تستمر هذه الحركة قائمة من أجل مواكبة ومتابعة مجرى الأحداث الداخلية بهدف تحيّن الفرصة التي تسنح بقيام الحكومة للتشجيع عليها، من جهة، ولمراقبة مفاعيل المزيد من الانهيارات على الداخل ومحيط لبنان من جهة ثانية، إذا تعذرت الحلول.

لم يتصور أي من الموفدين الدوليين، أو سفراء الدول الكبرى الذين يبحثون عن اختراق ما في الجمود في تأليف الحكومة الجديدة، أن يصل تقويض المؤسسات في البلد إلى ما بلغه مع تحول القضاء اللبناني إلى واحد من ميادين التجاذب السياسي في ما يشبه “تلفزيون الواقع” بعد مسرحية اقتحامات حزبية باسم العدالة الشعبوية، لشركة مكتّف المالية.

cap

صحيح أن زيارة وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية السفير ديفيد هيل إلى بيروت، ثم محادثات الرئيس المكلف سعد الحريري في موسكو، دليل على ارتفاع مستوى المتابعة من قبل الدول الكبرى للأزمة اللبنانية المستعصية، وأن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي سينتقلون بالملف اللبناني إلى مرحلة جديدة من الضغوط لإنهاء الفراغ الحكومي، لكن الانطباع العام لدى مسؤولي الدول الكبرى، ومن التقوا مسؤوليها هو أن انتهاء جهودهم في هذا الاتجاه لتحقيق نتائج عملية تفضي إلى قيام الحكومة الجديدة ليس قريباً، بفعل التعقيدات الكبرى التي تتحكم بمواقف الفرقاء.

بعض من التقوا هيل في بيروت يميلون إلى الاعتقاد أنه خرج باستنتاج أن إيجاد حل وسط لأزمة تأليف الحكومة ليس سريعاً، وأن ما توصل إليه المسؤول الأميركي مع الرئيس ميشال عون ركز على إيجاد خرق في جمود التفاوض على الحدود البحرية مع إسرائيل وفّره تراجع الرئاسة عن توقيع مرسوم توسيع الحدود البحرية للبنان. فالجانب الأميركي نبه قبل وصول هيل  من التوقيع، ونصح بعدم تصعيد الموقف اللبناني لأنه سيقود إلى وقف المفاوضات، وهو ما دفع بالرئيس عون إلى الامتناع عن التوقيع على المرسوم، بحجة أنه يحتاج إلى قرار من مجلس الوزراء، المتعذر انعقاده لرفض رئيسه مخالفة الدستور طالما حكومته المستقيلة في مرحلة تصريف الأعمال في نطاق ضيق. اختار عون إبداء المرونة مع وصول هيل في إشارة منه بأنه هو من يمسك بزمام الأمور، وهو الذي يقدم التنازلات إذا كان لا بد منها. وبعض متابعي هذا الملف يعتبرون أن عون أراد منذ سنة نزع ملف التفاوض من رئيس البرلمان نبيه بري ليتولاه هو ويوحي للبنانيين أنه قادر على تحصيل حقوق لبنان النفطية والغازية، وللإمساك بورقة مهمة في العلاقة مع الوسيط الأميركي يمكنه توظيفها لأهداف داخلية، منها العمل لاحقاً على رفع العقوبات الأميركية عن صهره النائب جبران باسيل.

وإذا كانت ورقة التفاوض على الحدود أُقحمت في التجاذبات الداخلية والصراع على السلطة الذي يتجلى في المأزق الحكومي، فإن انطلاقة التفاوض مجدداً بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي هي التي ستحدد مدى المرونة “الموعودة” في موقف عون، خصوصاً أن الجانب الأميركي لم يحسم بعد ما إذا كان السفير جون ديروشر الذي كان رأس الوفد الأميركي إلى المفاوضات سيبقى في هذه المهمة أم لا، من أجل استئناف التفاوض قريباً.

لم يمنع ذلك هيل من التلويح بـ”إجراءات عقابية” ضد معرقلي قيام الحكومة، مشيراً إلى التنسيق مع أوروبا في هذا الصدد. وهذا ما يجعل كل الفرقاء يترقبون نتائج اجتماع وزراء الخارجية الأوروبين مطلع الأسبوع، الذي يرجح أن يطلق مساراً للبحث في العقوبات قد تطول مناقشته وفق الآلية القانونية التي يعتمدها الاتحاد الأوروبي.

أما في الجانب الروسي من الاهتمام الدولي، فإن موسكو تنوي الانغماس في جهد إضافي هذه المرة من أجل السعي لمخرج من المأزق اللبناني. لهذا السبب ينتظر أن تتبع زيارة الحريري إلى العاصمة الروسية ومحادثاته مع الرئيس فلاديمير بوتين لمدة 50 دقيقة ثم مع رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين ومع وزير الخارجية سيرغي لافروف زيارات لفرقاء آخرين في الأيام والأسابيع المقبلة. وفضلاً عن أن القيادة الروسية كرست دعمها للحريري الذي تعبر عنه منذ أشهر، ولوجهة نظره في صيغة الحكومة المطلوبة لتحصل على الدعم المالي الدولي (اختصاصيون غير حزبيين من دون ثلث معطل لأي فريق)، فإن الأوساط التي تسنى لها الاطلاع على نتائج الزيارة تنتظر نتائج جهود موسكو التي ستستقبل قريباً كلاً من رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط ورئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية  ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل لتليين موقف الأخير حيال تسهيل مهمة الحريري وخفض سقف مطالبه وشروطه التوزيرية. فالقيادة الروسية واكبت فكرة الحل الوسط التي كان طرحها جنبلاط ووافق عليها عون في 22 آذار الماضي، بأن تكون الحكومة من 24 وزيراً بدل 18 وزيراً، على قاعدة ثلاث ثمانات. أي 8 وزراء لتحالف عون، “التيار الحر”، حزب “الطاشناق” والنائب طلال أرسلان، و8 وزراء لتحالف الحريري جنبلاط، و8 وزراء لتحالف قوى 8 آذار أي ثنائي “حزب الله”، حركة “أمل” (5 وزراء شيعة) و”المردة” (وزيران مسيحيان) و”الحزب السوري القومي الاجتماعي” (وزير مسيحي) بحيث لا يحصل أي فريق على الثلث المعطل. إلا أن عون وباسيل عادا فطالبا بحق تسمية وزيرين مسيحيين متبقيين من قبل الرئيس عون لرفضهما تسمية الحريري أياً من الوزراء المسيحيين. وهذا يعني حصول الفريق الرئاسي على أكثر من الثلث المعطل. كما طالبا بحصول عون على حقيبتي الداخلية والعدل، فيما يرفض الحريري استحواذ من يسميه عون للحقيبة الأخيرة، خشية استخدامها في فتح ملفات قضائية استنسابية لخصومه السياسيين كما هو حاصل حالياً. فهل سيتدخل الجانب الروسي في هذه التفاصيل من أجل تدوير الزوايا، بموازاة الضغوط المرتقبة لواشنطن والاتحاد الأوروبي لتسريع عملية التأليف؟

يتوقف الأمر على محطات عدة في الأسابيع القليلة المقبلة، منها زيارة النائب باسيل المرجحة في 29 نيسان الجاري إلى موسكو. فهل يكون قبول القيادة الروسية بخرق الحصار الذي يخضع له باسيل نتيجة العقوبات الأميركية عليه منذ أكثر من 6 أشهر، حافزاً له كي يقدم تنازلات لوقف تعطيل تأليف الحكومة؟ فباريس التي كانت قبل أسبوعين درست فكرة دعوة باسيل على رغم العقوبات الأميركية ضده، لعلها تؤدي إلى تليين موقفه وإلى عقد اجتماع بينه وبين الرئيس الحريري يتم من خلاله إخراج الحلول، عادت عن الفكرة لأنها لم تضمن نجاحه قبل توجيه الدعوة إليهما، وخشية ألا تؤدي إلى تعديل عون وباسيل شروطهما فتصاب الإدارة الفرنسية بخيبة جديدة.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً