عين “حزبية” على شمال لبنان

إسراء ديب
إسراء ديب

ليست خافية خطورة الزيارة والدعم الذي قدّمه “حزب الله” في عكار التي دخل إليها من أبوابها العريضة منطلقًا من انفجار “التليل” الذي أحدث هزة لم تقلب الدولة اللبنانية رأسًا على عقب ولم تُحرّك ساكنًا عند المعنيين ولا سيما مسؤولي المحافظة الذين لم تتحرّك ألسنتهم أو جيوبهم لمساعدة ومساندة أهالي الضحايا والجرحى الذين وقعوا ضحية التجاذبات السياسية التي بدأت منذ اللحظة الأولى التي وقع فيها الانفجار.

ويبدو أنّ انفجار التليل العكارية بات صيدًا ثمينًا عند السياسيين، وها هو يجذب الحزب الذي اتخذ وبشكلٍ مفاجئ خطوة غير متوقّعة دخل فيها إلى عكار لمساعدة وتقديم الدعم المادي لأهالي الضحايا، ممّا قسم الرأيّ العام الشمالي بين مؤيّد ومعارض لهذه الخطوة التي تبدو خطيرة من جهة، لكنّها تلفت في الوقت عينه إلى تغيّر وتوسع في خريطة الحزب الذي يتجه نحو الشمال من هذه الثغرة المهملة منذ أعوام من جهة ثانية.

ولاقت الخطوة التي قام بها الحزب الكثير من التأييد لا سيما عند المناصرين، كما واجهت الكثير من الانتقادات التي رأت أنّ الحزب استغل هذه الفاجعة التي ضربت الشماليين والغياب المقصود من المعنيين الذين لم يُبد أيّ منهم أيّ ردّ فعل سلبي أم إيجابي لهذه الزيارة والدعم، أمّا البعض الآخر فيرى أنّها خطوة إيجابية للحزب الذي يُحسّن صورته أمام الشماليين.

يُمكن القول إنّ تكتمًا واضحًا رافق هذه الزيارة المفاجئة، التي تسببت بإرباك المعنيين أو القريبين من هذا الملف، فحاولوا التهرب من الإجابة عن الأسئلة التي تسعى لمعرفة سبب هذه الزيارة وطريقة الوصول إليها أو الآراء المختلفة حولها.

في الواقع، هذه المرّة الأولى يقوم الحزب بهذه الزيارة والخطوة في شمال لبنان، إذ غالبًا ما يكون دعم بعض العائلات المناصرة له بطريقة غير مباشرة، أيّ أنّها المرّة الأولى يُعلن الحزب مباشرة هذا الإجراء الذي لا يُمكن إغفال مدى أهمّيته.

وكان “​حزب الله​” وزّع ​مساعدات​ ماليّة بين أهالي ضحايا وجرحى ​انفجار​ التليل في ​عكار​، وقدّم 30 مليون ليرة لبنانية لكلّ عائلة شهيد في تفجير التليل، و15 مليون ليرة لكلّ جريح، فضلًا عن توزيع مساعدات ستُتابع مع رؤساء واتحادات بلديات ومخاتير الدريب.

مساعدات إنسانية أم بوابة انتخابية؟

يكشف مصدر بلديّ عكاري أنّ الانفجار الذي أدّى إلى وقوع أكثر من 70 جريحًا، “توزعت المساعدات فيه والتي جاءت من سرايا المقاومة بين حوالى 40 جريحًا، وقد تتوزع المساعدات بين الجميع أيضًا في الأيّام المقبلة”، ويقول لـ”لبنان الكبير”: “مباشرة اتخذت هذه المساعدات منحى سياسيًا، مع العلم أنّ العائلات لا تزال تُحاول لملمة جراحها”.

وإذْ يرفض الحديث عن رأيه الصريح بهذه المساعدات، فهو يعتبر أنّ أيّ مساعدات إنسانية تأتي من أيّ طرف سياسي أم غير سياسيّ لا بدّ من تقبّلها، لأنّها ستكون بغية الإنماء بشكلٍ عام، أمّا الدخول في التفاصيل “فلا علاقة لنا بها ولا نتدخّل في تفاصيل لا تعني لنا شيئًا وهي سياسية بامتياز”، وفق ما يقول.

وينفي والد أحد الضحايا حصوله على أيّ مساعدات من الحزب حتّى الآن، وهو من اللاجئين السوريين، ويقول لـ”لبنان الكبير”: “لم يحصل أيّ من السوريين سواء أكانوا جرحى أو ضحايا على مساعدات من الحزب حتّى هذه اللحظة، وبحسب معلوماتنا فقد حصل اللبنانيون عليها، ونحن ننتظر هذه المساعدات ونراها أنّها مساعدات خيرية تُساندنا ولا دخل لنا بالأمور السياسية”. ويُضيف: “حين وصل الوفد الحزبي دخل بـ 3 سيارات تقريبًا مع فاعليات بلدية وغيرها، وقالوا لنا إنّ مساعدات إنسانية لأهالي الضحايا والجرحى ستوّزع بيننا جميعًا”.

من جهتهم، يرفض الكثير من ثوار عكار هذه الزيارة، مشدّدين على عتبهم على أهالي الضحايا الذين “وافقوا على بيع دم أولادهم للحصول على مساعدات تُتيح للحزب الدخول إلى عكار بكلّ سهولة”.

إقرأ أيضاً: أسئلة عن انفجار التليل

ويقول أحد الثوار لـ”لبنان الكبير”: “هاجمْنا أهالي الضحايا قبل سرايا المقاومة، ولو كنّا نعلم أنّهم سيقومون بهذه الزيارة لما كنّا تقبّلناها أو سمحنا بها، للأسف كلّ عائلات الضحايا والجرحى وافقوا على هذه المساعدات إلّا والدة أحد الضحايا فرفضتها لأنّها تعتبر أنّ زوجها وهو عسكري في الجيش اللبناني كان قد استشهد مسبقًا، واستشهد ابنها مؤخرًا في تفجير التليل وهي ترفض رفضًا قاطعًا المتاجرة بدماء ابنها”. ويُضيف: “أهالي عكار بشكلٍ عام يرفضون هذه المساعدات إلّا من يُناصر الحزب، وللأسف هم يعملون بأقصى طاقتهم لتوسيع نفوذهم في المناطق كافة منها الشمال للسيطرة عليها لأنّها كانت وما تزال عصية عليهم، وللأسف نواب عكار في غيبوبة تامّة”.

مصدر مطّلع: خطّة قديمة – حديثة

مصدر ميداني مطّلع يُؤكّد لـ”لبنان الكبير” أنّ دخول الحزب إلى عكار لم يكن أولى الخطوات التي يقوم بها لتنفيذ أجندته السياسية، ويقول: “حزب الله مثله مثل أيّ تيار أو حزب سياسي آخر يسعى لتحصيل المزيد من النفوذ والقبول اجتماعيًا وسياسيًا، وهو يقوم منذ سنوات بتنفيذ هذه الاستراتيجية في مناطق مختلفة شمالًا لكن بطريقة غير مباشرة”. ويُضيف:” الطريقة غير المباشرة تكمن في دعم بعض الشخصيات أو العائلات ضمن بعض المناطق، وهي شخصيات تظهر بقوّتها ونفوذها الماليين وهي تملك أسلحة أيضًا، وبعضها يقوم بشراء أراض ضمن المناطق أو التحكّم بمولّدات الكهرباء فيها كي تكون هي الآمرة الناهية، وهذا ما رأيناه يُطبّق في بعض الأحياء أو القرى بشكلٍ واضح إذا تمعنا في الأمر”.

ويختم: “لا ندرك ما إذا كان الحزب يدعم تصرفات وسلوكيات هذه الشخصيات، لكن هذه ظاهرة ازدادت مؤخرًا وقد تظهر في يوم من الأيّام إلى العلن، لرغبة انتخابية أو رغبة في السيطرة أو كليهما معًا”.

شارك المقال