مذكرة فنيانوس ونيترات بيطار القضائية

رواند بو ضرغم

لم تجرِ رياح مذكرة التوقيف الغيابية بحق وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس بما تشتهي سفن المنقلبين الجدد على النظام السياسي. فعلى عكس ما توقّعه أرباب السياسة، ممن يعملون وراء الأكمة من أجل استبدال السلطة السياسية بسلطة أخرى، لم تأخذ خطوة المحقّق العدلي طارق بيطار غير الضامنة لحقّ الدفاع أي مدى على المستويين الشعبي والإعلامي، لا بل أعادت إلى الأذهان حادثة توقيف الضباط الأربعة عام 2005 في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وإبقاءهم أربع سنوات في السجن ثم تبرئتهم في المحكمة الدولية… فما أشبه اليوم بالأمس، ولكن مع أكباش محرقة جدد.

عام 2005، جرى استهداف الجهاز الأمني اللبناني عبر الضباط الأربعة المحسوبين على النظام السوري، وتمكن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي آنذاك من إجراء الانتخابات النيابية، وقلب الأكثرية من حلفاء لسوريا إلى جهة معارضة لها تطلب خروجها من لبنان. أما اليوم فرئيس الحكومة هو نفسه الرئيس نجيب ميقاتي الذي حرص في البيان الوزاري لحكومته على استكمال التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت والعمل مع المجلس النيابي لإجراء كل ما يلزم بشأن الحصانات والامتيازات. كذلك التزمت حكومته بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها المحدّد في الثامن من أيار 2022، فهل المطلوب اليوم إدخال رموز سياسية إلى السجن، من حركة “أمل” و”تيار المردة” المقربَيْن من “حزب الله”، بالإضافة الى المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، الذي يُعد بمثابة وزير خارجية “الحزب”، بهدف قلب موازين القوى السياسية، واستبدال السلطة السياسية الحالية بأخرى موالية للغرب وللتدخل الخارجي، في مقابل تحجيم نفوذ “حزب الله” في لبنان؟

إنّ قضية صلاحية التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، لا تزال موضع سجال وتجاذب واجتهادات. ففي حين أنّ التباين قائم بين جهتي الدفاع حول الاعتراف بالمحقّق العدلي والمثول أمامه؛ فريق أول متمثل برئيس مجلس النواب نبيه برّي عبر وزيريه المدّعى عليهما علي حسن خليل وغازي زعيتر، بالإضافة إلى رئيس الحكومة السابق حسان دياب ووزير الداخلية السابق نهاد المشنوق؛ ينادي بعدم الذهاب إلى القاضي بيطار لعدم الاعتراف بصلاحيته وللتمسّك بصلاحية مجلس النواب والمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. وفريق آخر ينادي بتقديم الدفوع الشكلية أمام المحقّق العدلي واستخدام حقّ الدفاع وفق القوانين المرعية الإجراء، وهذا خيار رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية بأن يمثل الوزير السابق يوسف فنيانوس أمام المحقّق العدلي ويدافع عن نفسه بالقانون.

سلوك المحقّق بيطار وفق معلومات موقع “لبنان الكبير” دفع المدعى عليهم الخمسة إلى اتخاذ القرار في تقديم دعاوى الردّ والنقل للارتياب المشروع.

وأسلوب بيطار الذي اتبعه في استنسابية الادعاءات لم يخدم الحقيقة والتحقيق، فهل كان رئيس الحكومة السابق حسان دياب رئيساً في العام الذي أدخلت باخرة النيترات إلى بيروت؟ وهل الوزراء علي حسن خليل ويوسف فنيانوس وغازي زعيتر ونهاد المشنوق كانوا وزراء في فترة إرساء باخرة النيترات المتّجهة نحو موزامبيق في مرفأ بيروت؟ فالوزراء لم يكونوا وزراء والرئيس لم يكن رئيساً في تلك المرحلة، فكيف يمكن اتهامهم بالمشاركة في هذه المؤامرة التي استهدفت لبنان واللبنانيين؟ وهل من المنطق أن يكونوا ممن خطّطوا لهذه المؤامرة قبل أن يتبوؤا مناصبهم؟ فمن يشارك بأي مؤامرة يواكبها من ألفها إلى يائها، وفي حالة باخرة النيترات، فإنّ المتآمر الحقيقي غائبٌ عن تحقيقات القاضي بيطار، فتلهّى المحقّق العدلي بالتحقيق الداخلي والشقّ الإداري والموقعين على المراسلات، وأغفل عن التحقيق مع أصحاب حمولة النيترات والشركات الخارجية المرتبطة بها ولم يستدعهم حتى… إن تفكيك لغز النيترات، منذ إدخالها وصولاً إلى انفجارها، يبدأ من كشف هوية أصحاب هذه المواد الخطرة واستدعائهم والتحقيق معهم، ويتكشّف بعدها كل متواطئ على لبنان في الداخل. وحينها لا داعي لأي ارتياب في التحقيق ولا أي مطالبة بنقل الملف من أي قاضٍ، وإلا على العدالة السلام.

شارك المقال