إزدراء بايدن فرنسا قد يكلّفه الـ”ناتو”

حسناء بو حرفوش

سيصعب كثيرا على واشنطن النجاة من تبعات ازدرائها فرنسا ومن النتائج العكسية المترتبة عليها والتي سترتد على الولايات المتحدة الأميركية، حسبما حذر مقال على موقع “سبكتاتور” (spectator) البريطاني. ووفقا للمقال الموقع باسم المحلل دومينيك غرين، “يبرهن تشكيل التحالف العسكري الأسترالي – البريطاني – الأميركي أو ما يعرف باسم “أوكوس”(Aukus) في المحيط الهادي على أن الرئيس جو بايدن ينجح في تنفيذ ما كان سلفه دونالد ترامب يكتفي بالتلويح به، لكن المشكلة تكمن حقيقة في التطبيق السيء الذي يقوم به.

وتلتزم إدارة بايدن على غرار إدارة ترامب، ببناء تحالفاتها في المحيط الهادي مع الحفاظ على حلف شمالي الأطلسي. ومع ذلك، يقوم فريق بايدن في أستراليا تماما كما في أفغانستان، بالضبط بما اتهم به، أي بفك الروابط المتوترة لحلف الناتو من دون أدنى فكرة واضحة عن بديل صالح ليحل محله. وتجد حكومة بايدن نفسها أمام ثلاث مهام: الحفاظ على وظائف الأميركيين، والفوز بعقود للصادرات الأميركية، وتأمين مصالح البلاد في الخارج. فيما يتعلق بأول نقطتين، يفوز بايدن لناحية الالتزام بملاحظات ترامب. لكن صفقة “أوكوس” تترجم سياسة الأذن الصماء إزاء النقطة الثالثة، ومن المحتمل أن تضر بمصالح أميركا الخارجية.

طعنة في الظهر

الرد الفرنسي أتى من الرئيس إيمانويل ماكرون الذي تعاطى مع الولايات المتحدة كعدو بعد قيام أستراليا باستبدال غواصات الديزل الفرنسية الصنع بغواصات نووية أميركية الصنع. كما سحب السفير الفرنسي لدى واشنطن للتشاور. واستخدم وزير الخارجية الفرنسي عبارة “طعنة في الظهر” لتوصيف ما قامت به الولايات المتحدة.

ويشعر الفرنسيون بانزعاج لأقصى الحدود وهذا عادل بما فيه الكفاية، فقد أبرمت فرنسا وأستراليا صفقة بقيمة 90 مليار دولار عام 2016. ثم تراجعت مجموعة “نافال” الفرنسية مجددا وتجاوزت التكاليف. كل شيء عادل في الحرب. ويشير رد فعل ماكرون إلى أن الأستراليين حسنا فعلوا بإلغاء عقدهم الخاص بالغواصات الفرنسية، لأنه يؤكد أن فرنسا مضطرة بين الحين والآخر للعودة إلى الخلاف مع الأنغلو – ساكسون. هذا حكم التاريخ والجغرافيا، موضوعان لا يحظيان بالاهتمام في عالمنا الرقمي، لكنهما يظلان في صميم الشؤون العالمية، وقد يكون من مصلحة فرنسا أن تتصرف على النحو الذي عبرت عنه.

فالفرنسيون يتمتعون بحضارة مميزة، واختلافها الحاد عن الحضارة الإنكليزية من أهم سماتها الظاهرة، وهذا الاختلاف واضح جدًا في عيون الفرنسيين لدرجة أن معظم الفرنسيين يضحكون أصلا على فكرة “الحضارة الإنكليزية”، تمامًا كما قد يضحكهم مفهوم “الكوميديا ​​الألمانية” أو “المحاسبة الإيطالية”.

ومع ذلك، يقف الفرنسيون عاجزين عن الضحك أمام عولمة الحضارة الإنكليزية، فقد انتشرت اللغة الإنكليزية في جميع أنحاء العالم في عصر الإمبراطوريات، والنتيجة هي العملاق النائم الذي نطلق عليه تسمية “أنغلوسفير” (Anglosphere) والذي يضم الشعوب الناطقة باللغة الإنكليزية والتي تشترك بالماضي واللغة والأنظمة القانونية المماثلة. حتى أن الناطقين باللغة عينها يتشاركون الروابط الأسرية، وبعضهم يبجلون ملكا مشتركا.

وتكتسب الروابط الأسرية أهمية كبيرة عندما تقوم بتشكيل تحالفات دفاعية. وتملك فرنسا روابط مماثلة مع ما تسميه الفرنكوفونية، ومعظم البلدان التي تتّسم بها تقع في المحيط الهادي. عندما تصبح تاهيتي نووية، يمكننا أن نتوقع أن الشركات الفرنسية ستفوز بالعقود. أما تحرك أستراليا باتجاه أقرب حلفائها العسكريين، أي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، فيفسر بأنه مجرد عودة ظهور للتاريخ والجغرافيا.

وتكمن مشكلة فرنسا، وبالتالي مشكلة الناتو والولايات المتحدة أيضا، في أن التاريخ والجغرافيا يلعبان على أعتاب فرنسا أيضًا. لم تكن روسيا تلوح في الأفق على أوروبا الغربية منذ نهاية الحرب الباردة، مع ميل ألمانيا الشريكة لفرنسا نحوها. كما لم تعد بريطانيا شريكًا لأحد في أوروبا، فقد أصبحت أسس جناح الناتو الأطلسي وأوروبا الغربية أضعف مما كانت عليه في أي وقت مضى.

وقد أعطى الازدراء الذي تعامل به فريق بايدن مع حلفائه خلال الانسحاب من أفغانستان إشعارا للأوروبيين بأنهم بمفردهم. وفي حين أن ترامب طالب الأوروبيين بالحفاظ على الناتو من خلال إنفاق حصتهم الموعودة، أظهر بايدن بأن الولايات المتحدة لا تظهر أي مبالاة. والنتيجة هي الخلاف والاضطراب بين أكبر أعضاء الناتو في أوروبا بسبب المشاكل التي تفاقمت في عهد إدارة بايدن بشكل كبير، والتي يزيدها ماكرون سوءا الآن بشكل أكثر درامية.

لقد قال السير جون روبرت سيلي في عبارته الشهيرة والمتداولة حول استحواذ البريطانيين على إمبراطورية “في نوبة من غياب العقل”. اليوم وبعد قرون، لا يبدو أن هناك رئيسا شارد الذهن بقدر جو بايدن. وصحيح أن الولايات المتحدة ترغب ببناء تحالفاتها في المحيط الهادي… لكن الأمر قد يكلفها حلف الناتو”.

المصدر: The spectator

شارك المقال