الكل يتنفّس انتخابات، فما هو القانون والاستراتيجيات والتحالفات؟

جورج حايك
جورج حايك

دخل لبنان مرحلة العد العكسي للانتخابات النيابية المقبلة التي ستجري ابتداء من 8 أيار المقبل كما هو مقرر، وبالتالي كل الحركة السياسية المحلية والإقليمية والدولية ستكون مرتبطة بالاستحقاق الدستوري المصيري، وستعمل القوى السياسية سواء الممثلة في الحكومة والسلطة على تناقضاتها من جهة، والقوى السياسية المعارضة على تناقضاتها أيضاً من جهة أخرى، لكسب تعاطف الرأي العام بهدف أن تحظى ببعض المقاعد التمثيلية في مجلس النواب المقبل!

أولاً، هناك انقسام عمودي على القانون الانتخابي أو ما يسميه البعض الخلاف المسيحي – الاسلامي، فبينما يلتقي حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر والكتائب على أهمية هذا القانون النافذ لحفظ التمثيل الطائفيّ المتعادل بحسب الدستور وبخاصّة المسيحي منه، فإن قوى أخرى أهمها حركة أمل وتيار المستقبل والحزب الاشتراكي تعتبر أن هذا القانون لا يحقق صحة التمثيل، وتفضّل قانون على اساس النسبية المطلقة من دون صوت تفضيلي ولبنان دائرة واحدة.

مما لا شك فيه أن الوقت المتبقي للاتفاق على قانون انتخابي ليس طويلاً، وقد يشهد المجلس النيابي محاولات من الرئيس نبيه بري لإقناع القوى السياسية بمشروع قانونه وقد نشهد تجاذبات ونقاشات وتوتراً، إلا أنه لا يمكن اغفال موقف “حزب الله” الذي لا يزال مجهولاً، وإن كان يميل إلى دعم حليفه التيار الوطني الحر ليتمكن من تأمين حصة نيابية يؤمّن فيها غطاء مسيحياً له، على الرغم من أنه يعرف أن التيار تراجعت شعبيته في الوسط المسيحي. لذلك، من المتوقع أن تسلّم القوى السياسية باعتماد القانون الحالي مع ادخال تعديلات ملحّة عليه مثل البطاقة الممغنطة التي ينص عليها القانون، ولحظ العمل بها في الانتخابات المقبلة، يُضاف اليها اقتراع المغتربين خارج لبنان، زيادة 6 نواب يمثلون الاغتراب. ويبقى قسم من الرأي العام يعتبر ان هذا القانون لا يغيّر المشهد السياسي، إلا أن بعض المدافعين عنه يؤكدون أن المشاركة الكثيفة للبنانيين وحسن الاقتراع قادران على تغيير المشهد حتماً!

ثانياً، تحتل الاستراتيجيات والتكتيكات مكانة مهمة في المعركة الانتخابية التي بدأت تظهر ملامحها وكل فريق سياسي وضع خططه المتعددة الوسائل، فـ “حزب الله” مثلاً بادر إلى ارضاء بيئته الغاضبة معيشياً وحياتياً، وأحضر المازوت والبنزين الايراني، وحتماً سيستمر في الاستثمار في خطاب المقاومة والممانعة ضد اسرائيل والولايات المتحدة والأنظمة العربية والخليجية وجمهوره مستعد دائماً لاستهلاك هذا الخطاب والانبهار به، وبالتالي لا يزال الحزب متماسكاً من الناحية الانتخابية. في ما يخص حركة أمل، قد تكون مهمتها أصعب من الحزب إلا أن خوض معارك مع الرئيس ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر قد يشد العصب الشيعي حوله، إضافة إلى وفاء جمهور “أمل” لخدمات الرئيس بري ومساعدته لكثيرين في مجال التوظيف في القطاع العام. من جهة أخرى، يبدو تيار المستقبل أمام تحد كبير، مستفيداً من عدم تنازل الرئيس سعد الحريري امام ضغوط رئيس الجمهورية وصهره و”حزب الله” في موضوع تأليف الحكومة وهذا يعكس صلابة سنيّة، محافظاً على مكانته فيها، إلا أن انسحابه من تأليف الحكومة لمصلحة الرئيس نجيب ميقاتي بدا تراجعاً شخصياً، علماً أن تيار المستقبل يتمثل في الحكومة بوزيرين، وقد تنعكس عليه المشاركة سلباً أو ايجاباً من الناحية الانتخابية بحسب نجاحات الحكومة او اخفاقاتها.

الحزب التقدمي الاشتراكي اختار تكتيك المشاركة في الحكومة أيضاً، وبالتالي يعتمد سياسة واقعية، جمهوره كتلة متراصة إلا انه يعاني ككل اللبنانيين من الأزمات المعيشية وربما النقمة الحياتية الاقتصادية على خيارات “الاشتراكي” وزعيمه وليد جنبلاط.

التيار الوطني الحر سيعتمد استراتيجية شدّ العصب المسيحي عبر رفع لواء المواجهة مع التحالف الثلاثي بري وجنبلاط والحريري واتهامهم بخوض حرب ضروس على رئيس الجمهورية ومحاولة افشاله، علماً أن التيار مأزوم مسيحياً نتيجة فشل العهد، وربما يجيّر بعض الانجازات التي قد تحققها حكومة ميقاتي لمصلحته، معتبراً أنه اعطى الثقة لها وخصوصاً أنه ممثل بوزراء اختارهم رئيس الجمهورية. أما اذا اخفقت الحكومة فسيتبرأ منها بسهولة، وهذا أمر معتاد من باسيل!

من جهة أخرى، تبدو القوات اللبنانية الوحيدة في المعارضة من داخل المجلس النيابي، وما هو واضح أن رئيس “القوات” سمير جعجع يعتمد المزج بين خطابي 14 آذار و17 تشرين، الأول سياسياً وسيادياً، والثاني اقتصادياً واصلاحياً، كما سيستفيد من تجربة وزراء ونواب القوات التي يعتبرها كثيرون نزيهة وشفافة، وتتموضع القوات خارج هذه المنظومة من خلال عدم مشاركتها في حكومات ما بعد انتفاضات 17 تشرين، ولا شك في ان القوات تعوّل على الانتخابات بتغيير السلطة وتبدو الأقل تأثراً بين القوى السياسية بنقمة الرأي العام.

ويبرز حزب الكتائب في موقع المعارض من خارج المؤسسات الدستورية، الناقم على الجميع، معتمداً على خطاب انتفاضة 17 تشرين، وانتقاد الجميع على طريقة “كلن يعني كلن”.

أما المجموعات المدنية التي نشأت من رحم انتفاضة 17 تشرين فهي تصوّب السهام على القوى السياسية، وقد اثبتت حضورها في الانتخابات الطالبية والنقابية، وستعتمد الأسلوب نفسه من خلال شعار “كلن يعني كلن”، وتطرح نفسها كبديل، مستقيم ونظيف الكفّ، للسلطة الحالية.

ثالثاً، نلقي الضوء على التحالفات المتوقعة رغم اننا على بُعد أكثر من 7 أشهر عن الاستحقاق الانتخابي، إلا أن ملامح بعض التحالفات تبدو واضحة على الشكل الآتي: لا شك في ان تحالف الثنائي “حزب الله” وحركة أمل لا يُمس ولا يتغيّر، فهو حاجة استراتيجيّة لهما، لكن من جهة أخرى، سيكون هناك تحالف ثلاثي بين تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي وحركة أمل سيفعّل انتخابياً، وهناك تحالف بدأ يرتسم بين تيار العزم برئاسة الرئيس ميقاتي والمستقبل، ومن المتوقع أن يكون تحالف بين التيار الوطني الحر و”حزب الله” في الدوائر المشتركة، وحتماً قد يكون هناك تعاون وتحالف درزي بين الحزب التقدمي الاشتراكي والحزب الديموقراطي اللبناني وربما ينضم اليهما تيار التوحيد.

بالنسبة إلى القوات اللبنانية فسيكون رهانها على قوة تمثيلها في بعض المحافظات، إلا أنه ليس مستبعداً تحالفها مع حزب الوطنين الأحرار وبعض المجموعات المدنية المتفرعة من انتفاضة 17 تشرين وخصوصاً تلك المنسجمة بمبادئها مع “القوات”، وستتحالف مع شخصيات مستقلة لها حيثياتها في المجتمع.

المجموعات المدنية المستقلة والمتنوّعة طائفياً والتي انبعثت من انتفاضة 17 تشرين، بدأت تتجمّع وتتحالف، ويدور في فلكها بولا يعقوبيان وميشال معوض ونعمة افرام وحزب الكتائب والحزب الشيوعي وغيره، وبقدر ما تتحد ستحقق اختراقات لا بأس بها من حصة الأحزاب والقوى السياسية المعروفة.

شارك المقال