وزارة الثقافة جائزة ترضية؟!

احمد ترو
احمد ترو

“إن الثقافة إذ هي تؤول العالم فإنها تغيره”… لبنان بلد الثقافة، بلد الرحابنة وفيروز، البلد الذي ترعرع في أحيائه أعظم الأدباء أمثال جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة، بلد المهرجانات الثقافية التي كانت تجمع الناس من مختلف بقاع الأرض. لكن، وا أسفاه، الدولة تريد طمس ودفن ثقافة لبنان وتراثه، فوزارة الثقافة لا محل لها لدى السلطة الحاكمة إذ تقتصر وظيفتها على إرضاء طرف سياسي في عملية توزيع الحقائب فقط.

منذ نشأة هذه الوزارة عام 2000 حتى يومنا هذا، لم يعيّن على رأسها وزير يحمل في مسيرته توقيع كتاب، أو لوحة فنية واحدة. فمعظم من تولى مهام هذه الوزارة وربما كلهم لم يكونوا أهلاً لها.

بعد 13 شهراً من التعطيل، تشكلت حكومة لبنانية جديدة يرأسها نجيب ميقاتي، فأنتجت وزيرا للثقافة هو محمد مرتضى سيرته الذاتية لا تؤهله لتولي هذا المنصب، إنما تؤهله لتولي وزارة العدل بحكم تخصصه في مجال القانون، لكن ماذا نفعل مع دولة العجائب؟!

الهبر: حال الثقافة من حال البلد

يقول المخرج المسرحي شادي الهبر لـ”لبنان الكبير”: “لا اعرف الوزير محمد مرتضى واستغربت توليه هذه الحقيبة، ولا أعلم إذا كانت بيئته السياسية تسمح له بتسلم ثقافة البلد، ولا أعلم كم سيكون حراً في قراراته”. ويضيف: “طوال السنوات الماضية وصولاً إلى يومنا هذا، لم نشهد وزيرا للثقافة مهنته مولودة من رحم الثقافة مثلاً: كاتب، مخرج، ممثل، أو رسام… أي أن الأشخاص الحقيقيين الذين يستحقون هذا المنصب مغيبون عنه، كما أن الوزراء الذين تعاقبوا على هذه الوزارة لم يظهروا أي حب او شغف بالثقافة”.

وعن تقصير وزارة الثقافة، يقول الهبر: “أزمة وزارة الثقافة مشتركة مع باقي الوزارات ألا وهي غياب التخطيط. فوزارة الثقافة ليس لديها أي هدف أو خطة أساسية متعلقة بالشأن الثقافي، كدمج الثقافة بالمدارس وانتشارها على نطاق واسع، فوزارة التربية تعمل في وادٍ ووزارة الثقافة في وادٍ آخر، ولا ترتبط بثقافات أخرى، لذا من الضروري أن ترتبط بوزارة السياحة والتربية لكي يضعوا خططاً مشتركة”.

وفي سياق متصل، يقول: “حال الثقافة من حال البلد، فمعاناة هذا القطاع ليست وليدة اليوم وبالتالي لبنان يعاني ثقافياً قبل أن يعاني اقتصاديا وسياسيا. وفي الأزمات تصبح الثقافة المتنفس الوحيد للناس لكي يعبروا عن ذواتهم. مثلا: المسرح يصبح وجوده بالأزمات أقوى من قبل، ويزداد إقبال الناس عليه. وهذا الأمر شهدناه ايام الحرب حين كانت الناس تعرّض نفسها للمخاطر من أجل مشاهدة مسرحية أو فيلم سينمائي”.

ويختم: “موضوع الثقافة أساسي ويجب أن يحضر في كل الأوقات وهو خشبة خلاص اللبنانيين، ويجب أن تكون وزارة الثقافة بعيدة كل البعد عن الطائفية السياسية، والثقافة المشروطة والمرتبطة بقيود هذه ليست ثقافة بل هدفها الحد من التفكير والآفاق”.

بكاسيني: على من تقرأ مزاميرك؟

يقول مؤسس “منظمة أرض المبدعين وجائزة بيروت الثقافية” كمال بكاسيني لـ”لبنان الكبير”: “آخر وزارة تهتم بها الحكومات هي وزارة الثقافة، فيما يجب أن تكون هي الوزارة السيادية الأولى، فنحن نعرف جيداً أن التقصير موجود وكبير جدا ونحاول سد الفجوات الموجودة من خلال دعم المواهب الشابة في هذا البلد”.

ويتابع: “فريق العمل الموجود في وزارة الثقافة ممتاز ويعمل باحترافية مطلقة، لكن المشكلة دائما بتعيين الوزير، فالوزير السابق كان مسؤولا عن وزارتين الثقافة والزراعة، ووضع البلد المنهار جعله يهتم بوزارة الزراعة”. وأكد بكاسيني على ضرورة وأهمية تنصيب وزير متخصص بالثقافة لكي يرعى شؤون الوزارة وينهض بثقافة لبنان، بخاصة أن لبنان يضم عدداً كبيراً من المثقفين الذين يستحقون ترؤس هذه الوزارة فأنا أرفض هذه الحكومة والطريقة التي أتت بها”. وعن تعاونه مع الوزير مرتضى، يقول: “لا أمل لدينا بالتغيير، لذلك سنتعاون مع الوزير، ونحن بانتظار ما سيفعله، وسنراقب جهوده واهتماماته بهذا المجال”.

وعن الشخصيات التي تستحق تولي الحقيبة الثقافية، يقول: “يوجد العديد من الاسماء بالبلد، مثل عصام خليفة، وشربل داغر الذي فاز بجائزة الشيخ زايد العالمية السنة الماضية وفي رصيده 50 كتاباً مترجماً لسبع لغات، وحاصل على 7 دكتوراه، إضافة إلى أشخاص آخرين رائعين ومميزين هم أهل لهذه الوزارة، لكن على من تقرأ مزاميرك ولا احد يسمعنا”.

فرحات: جائزة ترضية

ويقول الدكتور محمد علي فرحات لـ”لبنان الكبير”: “من الأفضل أن نفصل بين وزارة الثقافة والمثقفين اللبنانيين كمبدعين، هذا طبعاً لا يعفي الدولة اللبنانية من التقصير في أمور مهمة للثقافة الا وهي الرعاية او تقديم المساعدة المادية لقواعد انتاج ثقافية مثل قواعد انتاج السينما والتلفزيون وقطاع النشر وتأمين الدعم للنوادي الثقافية”.

ويضيف: “لا يعول المثقفون اللبنانيون على وزارة الثقافة كثيرا فميزانيتها ضئيلة وحدود عملها ليست بالمستوى المطلوب”. وعن الوزراء المتعاقبين على الوزارة، يقول: “ليس فقط بالميزانية الضئيلة تحتقر الإدارة اللبنانية وزارة الثقافة إنما في جعلها جائزة ترضية في تأليف الحكومات، إذ تعتبر حقيبة الثقافة وزارة هامشية وليست من الوزارات المهمة، هذا ما نقرأه وما نلمحه في معارك تشكيل الحكومات وفي أدائها”.

شارك المقال