التجار لا يرحمون حتى “البالة”

إسراء ديب
إسراء ديب

عجزت الأزمة الاقتصادية التي تُواجهها البلاد عن الحدّ من الحركة الناشطة التي تتمتّع بها “البالة” وهي من أشهر الأسواق التي تستورد وتبيع الألبسة والأحذية المستعملة في طرابلس، وما تحمله هذه البضائع من “ماركات” عالمية باهظة الثمن، لبيعها في الأسواق المخصّصة لها بأسعار تنافسية ورخيصة للغاية مقارنة بالأسواق التجارية المختلفة التي تشهد تراجعًا واضحًا في حركتها مؤخرًا، بسبب ارتفاع الأسعار مع تراجع القدرة الشرائية للمواطنين.

يُمكن القول إنّ الارتفاع الذي شهده سعر صرف الدولار في السوق السوداء ولا سيما منذ أشهر عدة، تمكّن من التأثير في إقبال الزبائن على سوق البالة والذين أقلقهم الغلاء المعيشي الفاحش والمستمر في بداية الأمر، ولكن مع تأقلم الكثير من فئات هذا المجتمع مع شدّة هذه الأزمة، يلجأ العديد من الناس ولا سيما الفقراء منهم إلى البالة وتحديدًا إلى محال تبيع معظم بضائعها بأسعارٍ مناسبة، وبالتأكيد بعد قيام بعض أصحاب المحال بتخفيض الأسعار بشكلٍ إضافي كيّ تتمّ عملية البيع، التي باتت من أصعب ما يكون في ظلّ تفاقم حدّة الفقر والبطالة في المجتمع اللبناني.

عوامل مؤثرة

ينتظر عدنان وهو أحد العاملين في سوق البالة الموجود على جسر نهر أبو علي، دخول الزبائن يوميًا إلى محلّه الذي تملؤه الكثير من البضائع القديمة أي التي استوردها العام الماضي، معتبرًا أنّه لا يزال عاجزًا عن شراء بضائع جديدة بسبب عدم قدرته على بيع القديمة من جهة، وبسبب ارتفاع الأسعار التي يفرضها التجار الذين لا يتقاضون أموالهم إلّا بالدولار من جهة ثانية.

ويقول لـ”لبنان الكبير”: “إقبال الناس على البالة جيّد حتّى اللحظة وفي تحسّن مستمر لكن هذا الإقبال يبقى غير كاف مع ارتفاع الأسعار التي لا يتحمّلها الناس، فصحيح أنّ الأحذية عندي تراوح ما بين 10 آلاف و15 ألف ليرة مما يُشعر البعض بأنّها رخيصة، لكنّها بالنسبة إلى الآخرين هي ليست كذلك لأنّ أوضاعهم الاقتصادية غير مطمئنة على الإطلاق، وكذلك المعاطف مثلًا التي يصل سعرها إلى 50 ألف ليرة، وهي تُعتبر عند كثيرين غير مقبولة وغالية”.

وعن العوامل المؤثرة في هذا السوق، يُؤكّد أنّ العرض والطلب على البضائع، سعر صرف الدولار، وطلبات التجار وأوامرهم مع المواسم التي تستقطب الزبائن كلّها عوامل تنعكس على الأسعار مباشرة. ويُضيف: “يدخل الكثير من الأغنياء إلى السوق بحثًا عن الماركات، كذلك يدخل النازحون والكثير من أهالي الأحياء والقرى الشمالية، فضلًا عن عدد كبير من الزائرين من جبيل وبيروت وغيرهما من المدن للشراء خصوصاً أيّام السبت والأحد”.

الزبائن ومعاناتهم

تُفضّل آمنة تخصيص يوم واحد شهريًا لزيارة طرابلس وشراء البضائع والمنتجات من البالة، فآمنة التي تعيش في قرية عكارية غير قادرة على دفع 90 ألف ليرة يوميًا للوصول إلى طرابلس. وتقول لـ”لبنان الكبير”: “أدفع 45 ألف ليرة للوصول إلى المدينة ثمّ أدفع 45 ألف ليرة مجدّدًا للعودة إلى عكار، وهذه كلفة باهظة ومنذ 3 أشهر كانت آخر زيارة لي خوفًا من دفع ثمن سيارات الأجرة أو الفانات، لكن مع قرب موسم المدارس والشتاء جئت إلى سوق البالة سعيًا لإيجاد ثياب لأولادي بأسعار أرخص من بعض محال البالة في عكار التي تُعدّ أغلى بكثير من طرابلس”.

وتبحث مايا في أحد محال البالة عن حذاء شتويّ جديد لابنتها، محاولة قدر الإمكان تخفيض ثمنه، وتقول: “لم تكن هذه الأزمة الصعبة في الحسبان، وزوجي الآن عاطل عن العمل، كيف يُمكن تحمّل كلّ هذه الأعباء المعيشية القاهرة؟ لكن تبقى البالة مأوى للفقراء الذين يلجأون إليها بدلًا من مراكز أو محال أخرى لا ترحم الفقير”.

التاجر ظالم ولا يرحم

في البالة المحاذية لمسجد المنصوري الكبير، يُؤكّد محمّد وهو أحد البائعين أنّ “البضاعة في البالة تأتي بثلاثة مستويات: الأوّل البضاعة الخفيفة التي تُكلف الرزمة الواحدة منها أي التي تحتوي على كيلو من البضاعة دولارين أميركيين، المستوى الثاني البضاعة المتوسطة وهي مقبولة نوعًا ما وتُكلف نحو 4 دولارات للكيلو، والثالث البضاعة الثقيلة التي تتوافر فيها الماركات بنحو 6 دولارات بحسب سعر السوق السوداء، مشدّدًا على أنّ التاجر لا يتقبّل ثمن البضاعة بالليرة اللبنانية بل بالدولار، ونحن نواجه مشكلة لتأمين ثمن هذه البضائع كلّها، لكن مع إقبال الزبائن على البضائع نتمكن من تأمين الثمن إلّا في حال ارتفع سعر الدولار بشكلٍ أكبر”، حسبما يقول لـ”لبنان الكبير”.

ويلفت محمّد إلى أنّ “الأزمة الحالية ليست اقتصادية فحسب، بل نواجه مشكلة أخلاقية بسبب جشع التجار الذين يربحون على حساب الناس جميعًا ولا يخشون لومة لائم أو عقاب الله عند الحساب”.

شارك المقال