بين بقاع صفرين وبشرّي… فتنة واستفزاز مشترك

إسراء ديب
إسراء ديب

ليست المرّة الأولى تنشب خلافات مشتركة بين بلدتَي بقاع صفرين وبشرّي حول القرنة السوداء، وهي خلافات يُؤكّد المتابعون أنّها عقارية “تُحاول كلّ بلدية منهما في كلّ مرة إثبات أنّ القرنة السوداء تابعة لها”، ممّا يزيد من حدّة الخلافات بينهما باستمرار.

ومنذ ساعات، اتهمت بلدية بقاع صفرين في الضنية أشخاصًا من بلدية بشرّي بقتل أكثر من 50 رأس ماعز وماشية، الأمر الذي أعاد هذه الخلافات من جديد إلى الواجهة، لتردّ كلّ واحدة منهماعلى الأخرى ببيانات وأخذ وردّ لا ينتهي على قاعدة “ضربني وبكى سبقني واشتكى”، بدلًا من التمسّك بقاعدة حسن الجوار الثنائية التي تدعو إليها الكثير من الأطراف في كل منهما.

وبما أنّ النطاق البلدي لبلديتَي بشرّي وبقاع صفرين غير محدّد في قرار استحداث البلديتين حسب المديرية العامة للبلديات، لا تزال البلدتان تنتظران قيام الجيش اللبناني بتحديد الحدود في المنطقة المتنازع عليها تنفيذًا لمرسوم أصدرته رئاسة مجلس الوزراء منذ سنوات… وفي انتظار قيام القوى الرسمية بما يلزم، يعيش أهالي البلدتين تحت رحمة إطلاق الرصاص الذي يبدأ مع كل موسم جديد، وتبادل الاتهامات الثنائية التي تُنشر على مواقع التوصل الاجتماعي، وغيرها من التفاصيل التي تتكرّر منذ أعوام عدة بلا توقّف.

وتصل هذه المشاكل إلى حدّ قطع أنابيب المياه البلاستيكية التي تُغذّي الطرفين، ووفق سكان البلدتين، فهي أنابيب تجمع المياه نتيجة تراكم الثلوج، ما يُغذي ويروي الأراضي الزراعية، ووفق المتابعين فلا حرج من استخدام كل بلدية لعدد معيّن من هذه الأنابيب، ولكن يبدأ بعض الأشخاص بقطعها عندما تُباشر أيّ بلدية منهما باستخدام حصّة الأخرى، ممّا يُخفّف من منسوب المياه، ليقوم الجيش اللبناني في الآونة الأخيرة بوضع فاصل بين الحصّتين كيّ لا تتفاقم حدّة المشاكل المستمرّة منذ أكثر من 40 عامًا.

وبين من يُشير إلى أنّ ملف القرنة السوداء بات يحمل أبعادًا طائفية وسياسية تدعم كلاً من بشرّي والضنية، يعمد العديد من الأهالي في البلدتين ومنذ سنوات على درء الفتنة عنهما للحدّ من تداعيات هذا الملف المهمل والذي تسعى كلّ بلدية للوصول فيه إلى خاتمة صحيحة مرضية، لا سيما في ظلّ تدخّل القضاء بعد دعاوى قضائية ثنائية تسعى إلى وضع حدّ لأي تجاوزات محتملة قد تحصل، وذلك بعد تقديم ما لديهما من مستندات ووثائق تزيد من حدّة التشنج.

حرب بيانات

وكانت أصدرت بلدية بقاع صفرين في الضنية بيانًا، أكّدت فيه أنّه منذ سنوات يتعرّض أهالي البلدة لاعتداءات متكرّرة من عدد من أبناء بشرّي الذين اعتبرتهم “خارجين على القانون ويعيثون في الأرض فسادًا بعد الاعتداء على المزارعين وإطلاق النار على كلّ سائح يتنزّه قرب القرنة السوداء”.

وأشار البيان إلى قيام بعض الأشخاص بقتل أكثر من 50 رأس ماعز وماشية، محمّلاً البلدية وأهالي المنطقة والدولة والمسؤولين في بلدة بشرّي “مسؤولية كلّ ما حصل ويحصل في محيط القرنة السوداء من اعتداءات”.

وردّت بلدية بشرّي ببيان، معتبرة أنّ ما جاء في بيان رئيس بلدية بقاع صفرين بلال زود هو اتهامات باطلة إلى المنطقة بأسرها، مؤكّدة أنّ ما نُشر من صور فوتوغرافيّة للمواشي المزعوم قتلها على مواقع التواصل الاجتماعي مخالفٌ للواقع وتزوير للحقيقة.

ولفتت إلى إنّ أي عمليّة إطلاق نار أو اعتداء لم تحصل في منطقة القرنة السوداء لا على سائح ولا على المزارعين ولا على أي شخص آخر، داعية القوى الأمنية والأجهزة القضائية إلى التحرّك فورًا والتحقّق من صحة المعلومات الواردة في البيان، مشدّدة على تمسّكها بحسن الجوار ورفضها تجييش أهالي الضنية والشمال ضد أهالي بشرّي…

نزاع لتحديد القضاء

يرفض رئيس بلدية بقاع صفرين السابق علي كنج ما يُقال عن أنّ الأزمة تكمن في صراع حاصل بين بلدتين، بل يرى أنّ النزاعات تأتي لتحديد القضاء لا أكثر بين حدث الجيّة التابعة لبشرّي وبقاع صفرين التابعة للضنية.

ويقول لـ لبنان الكبير”: “للمندسين دور كبير في هذه المشاكل التي تحدث، ومن مصلحتهم افتعال هذه الأحداث إشعالًا لفتنة جديدة بين البلدتين، ولن يكون خافيًا حين تُقرّر كل بلدية حمل الأسلحة ومواجهة الآخر بها. فإذا فعلًا قام أهالي بشرّي بإطلاق النار، فلن يُخفوا ذلك، وكذلك أهالي الضنية”.

ضبط النفوس خيرٌ من الفتنة

من جهته، يُشدّد رئيس مؤسّسة شبل عيسى الخوري، المحامي روي عيسى الخوري على أهمّية العلاقة التاريخية والصداقة الكبيرة بين بشرّي وفاعليات الضنية، داعيًا إلى ضرورة ضبط النفس بين البلدتين.

ويقول: “بعد البيان الذي أصدرته بلدية بقاع صفرين، فوجئت فعليًا عندما علمت أنّ ما أثير ليس حقيقيًا كما نشر، أيّ أنّ العدد مبالغ فيه. كما تحدّثت مع المعنيين الأمنيين من مديرية المخابرات الذين يُتابعون هذا الملف للتحقيق في تفاصيل هذه الحادثة، لأنّ الكثير من الناس من بشرّي وخارجها قد يكونون مسؤولين عمّا حدث، لكن القوى الأمنية باشرت تحقيقاتها التي نتمسّك بها وبنتائجها”.

وعن الاعتبارات الطائفية بين البلدتين، يُؤكّد الخوري أنّ الكلام الذي يُشير إلى تحويل هذا الملف إلى ثغرة طائفية هو خاطئ ولا يخرج إلّا من أناس متطرّفين من البلديتين، وهو كلام غير مقبول بتاتًا، فالقرنة السوداء ليست ملكًا لأحد، بل هي ملكنا جميعًا ونحن نسلّم هذا الملف للقضاء ليحكم فيه، لكن البطء في العملية القضائية، فضلًا عن الظروف الصعبة التي تُواجهها البلاد تُؤخّر البت الفعليّ بهذا الملف الذي يفتعل خلال السنوات الأخيرة الكثير من المشاكل التي قد يستغلّها البعض لمصلحته”، وفق ما يقول لـ”لبنان الكبير”.

شارك المقال