سرقة الأسلاك الكهربائية: حرفة جديدة تفترس حقوقنا

إسراء ديب
إسراء ديب

في ظلّ الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي يُواجهها اللبنانيون، انتشرت الكثير من أنواع السرقات التي احترفها عدد كبير من الناس، وهي سرقات تحدث يوميًا ولا ترحم محافظة أو قرية من شرورها. وشمالًا، يُركّز السارقون مؤخرًا على سرقة أسلاك الكهرباء التي تمنع الناس من حصولهم على حقّهم وحصّتهم من مؤسسة كهرباء لبنان، ممّا يُضاعف حجم المآسي والمعاناة التي أثقلت كاهل المواطنين الذين لا يعرفون كيف سيُعوّضون هذه الخسائر، بخاصّة أنّ هذه الأسلاك تُشترى وتُباع بالدولار الأميركيّ.

فصحيح أنّ وزارة الطاقة لا تزيد مدّة تغذيتها الكهربائية الرسمية عن الساعة يوميًا، إلا أنّ هذه المدّة الزمنية التي يُحرم منها المئات من الناس تُشعل المواطنين غضبًا لا سيما بعد معرفتهم وإدراكهم أنّ حرمانهم جاء نتيجة السرقة التي تُشرّع العيش في غابة وفوضى لا تحترم الأخلاقيات الإنسانية ولا القوانين التي كانت يجب أن تسنّ خدمة للمواطنين والمصلحة العامّة.

ومنذ أيّام، أثار خبر غياب الكهرباء عن 7 بلدات عكارية بعد سرقة الأسلاك الكهربائية غضب المواطنين. وفي التفاصيل، شرح رئيس بلدية السماقية العكارية المهندس بلال شمعة واقع بلدات حكر الضاهري والسماقية والعريضة والكنيسة وتلبيبة والشيخ زناد التي حُرمت من الكهرباء لمدّة تتجاوز الـ 20 يومًا، نتيجة تكرار عمليات سرقة الأسلاك الكهربائية لأربع مرات متوالية، إذ إنّ شبكة التوزيع تعبر مناطق داخلية وأراضي زراعية غير سكنية، “ممّا يسهّل لهذه العصابات مهمّتها لتكرار فعلتها حيث لا حسيب ولا رقيب في الليل”.

وكانت شركة “BUS” للصيانة والتشغيل، مقدّم خدمات التوزيع لصالح مؤسسة كهرباء لبنان في المنطقة الأولى (جبل لبنان الشمالي ومحافظة الشمال)، قد عملت خلال هذه المرات الأربع على تأمين أسلاك بديلة، لكنّها عجزت مؤخرًا عن إصلاح بعض الأعطال الطارئة على الشبكة، ذلك “لأنّها تتطلّب مواد معيّنة أو أعمال حفر وتزفيت”، داعية المواطنين الى التواصل مع مؤسسة كهرباء لبنان ورؤساء الدوائر والأقسام التابعة للمؤسسة في مختلف المناطق لإيجاد حلول مناسبة لهذه الأزمة.

إنّ هذه المشكلة لا تقتصر على عكار فحسب، بل عاش كثير من المواطنين شمالًا بخاصّة في طرابلس الأزمة عينها منذ أشهر أيضًا، كالبداوي مثلًا، التي حرمت منذ فترة من الكهرباء لمدّة شهر تقريبًا بسبب هذه السرقات والتي رفعت الصوت والاعتراض والتي كادت تُحطّم مبنى البلدية بسبب الغضب الشعبي الكبير، ومع تدخل مؤسسة كهرباء لبنان التي أكّدت أنّها غير قادرة على إصلاح الأعطال بسبب الدولار، اضطر بعض وجهاء المنطقة للتدخل ماليًا لإصلاح الأعطال على حسابهم الشخصيّ… كذلك، تسبّبت السرقات بأزمات في مناطق من الضنية والحريشة وغيرهما.

سرقة مؤذية وناشطة ليلًا

مصدر في وزارة الطاقة يُؤكّد أنّ هذه السرقات تنشط في الفترة المسائية وتحديدًا عند انقطاع الكهرباء في المناطق والأحياء الشعبية والفقيرة وذلك لاستخدام النحاس الموجود في هذه الأسلاك، فضلًا عن غيره من المعادن لبيعها والاستفادة من ثمنها المرتفع وهي تبقى سرقات تستهدف منطقة معيّنة أو حيّاً معيّناً، ولن تستهدف مدنًا بأكملها، “لكن إن استمرّت هذه السرقات التي تستغل الغياب الأمني وغياب كاميرات المراقبة بالتأكيد سنصل يومًا ما إلى انقطاع الكهرباء عن نطاق جغرافيّ أكبر”.

ويقول المصدر لـ”لبنان الكبير”: “لا تقتصر هذه السرقة على الأسلاك، بل على كلّ بضاعة لها علاقة بالكهرباء نظرًا لوجود مادّة النحاس فيها، كسرقة البطاريات مثلًا وغيرها من المنتجات المرتبطة بالكهرباء”.

ويُشير أحد الناشطين الحقوقيين إلى ضرورة متابعة هذه العصابات التي تستغل غياب الدّولة بعناصرها الرئيسية عن المناطق، مؤكّدًا أنّ هذه العصابة تسرق الموارد المهمّة التي يستحقّها المواطنون الذين يعيشون في أجواء من الألم والغضب بسبب غياب التغذية الكهربائية إذ لا يعطى التيار الكهربائي إلّا ساعة تقريبًا، هذا إن قدّمتها المؤسسة لكلّ المناطق.

ويقول لـ”لبنان الكبير”: “تُحرم العديد من المناطق من نعمة الكهرباء بسبب تعدّي السارقين عليها، ولا بدّ من تشجيع المناطق المتضرّرة لرفع دعاوى قضائية تحدّ من السرقات التي تلهف حقوقنا بكلّ بساطة من عصابات تهرب بعد فعلتها المشينة وكأنّ شيئًا لم يكن، وهي مخالفات قانونية فاضحة لن نسمح بتكرارها، حتّى لو كان القضاء اللبناني يتساهل مع هذه القضايا أحيانًا أو يُؤخّر البت فيها وتنفيذها احتجاجًا بالظروف الحياتية والصحية وغيرها… لذلك يجب عدم الاستسلام للظروف لأنّ السرقات أصبحت مهنة اعتيادية عند الكثير من العصابات التي نشأت وتطوّرت في هذه الأجواء”.

شارك المقال