بين الـ”توك توك” والباص… عام دراسي مهدّد!

راما الجراح

بات العيش في لبنان نقمة على شعبه الصامد في وجه الأزمات المتوالية مع كل حدث أو بداية جديدة. وجديدها وضع مستقبل التلامذة على المحك وصعوبة متابعتهم العام الدراسي بطريقة سليمة، والسبب أزمة المحروقات. وقد علت صرخة الآباء جرّاء تكاليف النقل غير المحمولة وزيادة الرسوم أكثر من أي وقت مضى. ومع ارتفاع سعر الوقود بعد رفع الدعم، مقابل عدم توافرها بالكميات المطلوبة في المحطات، واستمرارية بيعها في السوق السوداء، دُفع الأهالي إلى التفتيش عن وسائل نقل بديلة عن باص المدرسة الذي تُراوح كلفة الاشتراك فيه ما بين 800 ألف ومليون ليرة للطالب الواحد.

ووفقاً لمرصد الأزمات، فإنّ رسم نقل التلامذة هو ضعف الرسوم الدراسية، وستنفق كل أسرة مليون ليرة لبنانية على كل طفل شهرياً لنقله إلى المدرسة من دون الأخذ في الاعتبار كلفة الغذاء، والماء، والكهرباء، وكل ما يلزم من متطلبات الحياة الأساسية.

الوضع كارثي، والحل بـ”التوك توك”! هكذا رأى العديد من الأهالي الذين “فضّلوا تسجيل أولادهم في وسيلة نقل غير آمنة ولا تستوفي شروط السلامة العامة على حرمانهم من متابعة دراستهم كما يلزم. وحتى اليوم لا حلول قانونية في المدى المنظور لاستصدار قوانين ترعى سير هذه الآلية، فهذا الأمر بحاجة إلى مشروع قانون من وزارة الأشغال والنقل يُقدّم إلى مجلس النواب ويُدرس في اللجان النيابية لتقرّه الهيئة العامة، وهذه الإجراءات تحتاج إلى وقت طويل في لبنان”.

تقول جمانة س. وهي والدة أحد التلامذة، أنّ “باص المدرسة الخاص بطفلي اشترط مبلغ مليون ليرة على التلميذ الواحد، ولا قدرة لنا على دفع هذا المبلغ، واضطررنا للجوء إلى التوك توك كوسيلة أسهل وأوفر، وعقدنا اتفاقاً مع أحد مالكي شركة توك توك بدفع 100 ألف ليرك فقط أسبوعياً على الطفل الواحد”.

وعن التخوّف من هذه الوسيلة، تؤكد أنّ “همّنا الأول تدبير أمور أولادنا للذهاب إلى المدرسة بأي وسيلة، كي لا يُحرموا من حقهم في التعليم. والتوك توك ليس مخيفاً كما يعتقد البعض، ومهما علت سرعته، فهي لا تتعدّى سرعة الباص العادية، بالإضافة إلى أنه ومع بداية فصل الشتاء سيقوم أصحابه بتركيب أبواب وتسكيره لحماية التلامذة من الشتاء والبرد القارس”.

ويشير صاحب شركة “توك توك البركة” وسام عراجي، إلى أنه “تلقيت اتصالات كثيرة من الأهالي للاتفاق على آلية معيّنة لاستخدام التوك توك كوسيلة نقل لأولادهم إلى المدارس، ولكني رفضتُ الموضوع، لأنني لا أستطيع تحمّل مسؤولية الأطفال ولا ضمان سلامتهم مع السائق. وبالأساس التوك توك لا تتوافر فيه معايير السلامة العامة في حال السرعة الزائدة”.

ويشدّد لـ”لبنان الكبير” على أنّ “الخوف سيبقى موجوداً بالدرجة الأولى، بسبب افتقاد لبنان لمعايير تنظيم السير الصحيحة، لذلك (ما فيني حط أرواح برقبتي)، ولكن هذا لا يُلغي أن كلفة النقل بينه وبين باص المدرسة كبيرة جداً. فعلى سبيل المثال طلبت المدرسة التي يتعلم فيها أولادي مبلغ مليون ليرة شهرياً للتلميذ الواحد، في الوقت الذي تسير “تفويلة” التوك توك 180 كلم، وبأسوأ الأحوال يستطيع صاحب التوك توك أخذ 8 آلاف ليرة يومياً على التلميذ “وبتوفّي معه”، وبالأخص أنّ هذا المبلغ يُعتبر “Bonus” لأنه ضمن ساعة معينة عند الصباح الباكر وساعة ظهراً، والوقت المتبقي يمكنه أن يعمل فيه بشكل طبيعي جداً. لكن أشدّد على أنّ مبدأ السلامة يبقى أهم من التوفير”.

أما صاحب شركة” توك توك الإيمان” بلال عراجي، فيرى الأمور من منظور آخر، ويُحاول قدر المستطاع تفادي الأساليب غير السليمة في التعاطي بأمور التوك توك، ويؤكد أنّ “هناك إقبالاً كبيراً على استخدامه لنقل التلامذة إلى مدارسهم بسبب غلاء البنزين، والكلفة على التلميذ أسبوعياً 100 ألف ليرة، أي بمعدل 400 ألف شهرياً، والمبلغ بسيط جداً بالنسبة للبنانيين، مقارنة بالأسعار الخيالية التي تطلبها باصات المدارس، وبالأخص بعد رفع الدعم عن البنزين، إذ أصبح يساوي تقريباً سعر صفيحة بنزين واحدة في السوق السوداء فقط”.

ويلفت إلى أنه يتّبع استراتيجية سلمية من خلال أن “يحمل كل توك توك 3 تلامذة من أجل الحفاظ أكثر على سلامتهم، ونحرص دائماً على السير في الشوارع الداخلية من دون الخروج إلى الأوتوستراد، وذلك حفاظاً على السلامة العامة، بالإضافة إلى أنه في هذه الحالة يصل التلميذ بطريقة أسرع إلى مدرسته ويعود أسرع إلى بيته من دون انتظار دوره بين إعداد كبيرة من التلامذة كما في الباصات. جميع هذه المعايير طمأنت الأهالي وشجّعتهم على تسجيل أولادهم في التوك توك”.

في ظل هذا التخبّط الذي يعيشه قطاع النقل، معطوفاً على الوضع المعيشي المزري الذي يعانيه المواطن، إلى أي مدى سيصمد أولياء أمور التلامذة؟ وهل ستصبح العودة إلى المدرسة لمن استطاع دفع مليون للنقل سبيلاً؟!

شارك المقال