“إعاشة” رمضان طرابلس: قليلة ومذلة

إسراء ديب
إسراء ديب

لا يمكن لبعض الفقراء في طرابلس كما في كل لبنان اليوم أن يتجاهلوا ضرورة قبول مساعدة من هنا أو هناك، في ظل الأزمة المعيشية الراهنة، لاسيما في شهر رمضان، الذي تكثر احتياجاته نتيجة الطقوس التي تعودوا عليها والتي كادت تختفي في ظل موجة الغلاء المتصاعدة. صناديق “الإعاشة” هذا العام يكاد توزيعها مقتصرًا في طرابلس على بعض الجمعيات أو الشبان الذين يُوزعونها بدعم من دول في الخارج، والتي غالباً ما يقتصر توزيعها وفق محسوبيات، ما يجعل الحصول عليها أمراً صعباً وغير متاح للجميع.

واللافت أن بعض القوى السياسية الطرابلسية التي كانت تنشط في رمضان عبر توزيع مساعدات تموينية، تكاد تغيب عن الصورة، إذ اعتكف البعض عن توزيع أي مساعدة، فيما قام البعض الآخر بتقديم مساعدات قد تسد حاجة آنية لكنها لا تسمن ولا تغني عن جوع في ظل اتباع سياسات التهريب ورفع الدعم.

مشاهد الذل

ممّا لا شكّ فيه أن الأزمة الاقتصادية انعكست على واقع الحياة في طرابلس. وأصبح من الصعب إغفال مشاهد الذل التي التقطت بعدسات الكاميرا وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عن تهافت المواطنين على الأصناف الغذائية المطلوبة، أبرزها الحليب والزيت المدعومين. ما أدّى إلى حصول الكثير من الخلافات التي إن دلّت على شيء، فهي تدلّ على فشل الطبقة السياسية في إدارة “البلاد والعباد” لا سيما في مدينة رؤساء الحكومات التي تغيب الدّولة عنها بشكلٍ شبه تام. ومن مظاهرها المؤلمة سقوط قتيل، هو الشاب كريم محي الدّين وجرح اثنين آخرين من منطقة الخناق في طرابلس، إثر اشتباكات وقعت بين عددٍ من الشبان على خلفية توزيع حصص غذائية في المنطقة.

الإعاشة: كنز لا يفنى

ينتظر جمال وهو أبّ لثلاثة أطفال “صندوق الإعاشة” الذي اعتاد الحصول عليه خلال شهر رمضان المبارك. هي المرّة الأولى التي يتأخر فيها جمال الذي يعيش في منطقة القبة الطرابلسية عن الحصول على هذا الصندوق الذي يتمنى البعض أن يكون “كنزًا لا يفنى”، في ظلّ أزمة اقتصادية خانقة اشتدّت وزادت من كرب وهموم الكثير من الطرابلسيين الذين لم يحصل عدد منهم هذا العام على هذا الصندوق، ما يُوفّر عليهم شراء الكثير من المواد الغذائية الرئيسة المعروفة حاليًا بارتفاع أثمانها، وفيما ينتقد جمال المحسوبيات في الحصول عليها، يجول طارق (من ضهر المغر) يومياً في طرقات وأحياء المدينة، بحثًا عّمن يُقدّم له المساعدات، فهو مواطن أبكم وقد لا يفهمه البعض، ولكنّه فعليًا لا يتمنى سوى الحصول على وسيلة تمكنه من العيش في هذه الأيّام العصيبة حتى ولو كان كرتونة إعاشة.

عراك مقبرة الغرباء

في مقبرة الغرباء، حيث يعيش بعض المواطنين بين المقابر ببيوت معظمها من “التنك”، خرج الكثير من الأولاد وهم يُحاولون كسر سيارة لإحدى المتطوّعات التي كانت تُقدّم مساعدات مالية لبعض العائلات التي تسكن المقبرة، ولكن بعض الأهالي لم يتقبّل قيامها باستثنائهم من هذه المساعدات، ما أدّى إلى خروج أكثر من 30 طفلًا ليُلاحقوا هذه الفتاة حتى خرجت من المنطقة.

الجوع ولا “الشحادة”

يبدو أن مشهد العراك للحصول على الحصص الغذائية أو المساعدات سيكون حدثًا يوميًا مؤسفًا ومسلسلًا حزينًا لا ينتهي، إذ من الواضح أن الكثيرين ممّن يستحقون المساعدات فعليًا، لا يحصلون عليها بسبب تخصيص بعض الأفراد بها دون آخرين، ويُحاول بعض المسؤولين توزيع المساعدات وفق لوائح محددة الأسماء، فيما يعيش آخرون دون تلقي أي مساعدة رغم الحاجة الماسة لها لا بل هم ربما أكثر من يستحقونها.

وهذا ما يُؤكّده سامي الذي يعيش في الزاهرية، ويقول:

“أنا عاطل عن العمل منذ أكثر من سنة، وأعيش مع والدي ووالدتي اللذين يعانيان من أمراض مزمنة، ولا أعرف فعليًا متى توزع هذه المساعدات وكيف يتم التسجيل لأخذها، ولم يطرق أحد بابنا ولم يدفعني أحد للتسجيل ومع أي جمعية. أنا أشبه الكثير من المواطنين الذين ما زالوا بتحلون بالحياء وعزة النفس وأفضل الجوع على أن أشحد حقًا، كان يجب الدولة أن تسهل لي الحصول عليه دون ذلّ”.

النقمة الطرابلسية على القوى السياسية كبيرة، وحالة العوز التي وصلوا إليها ليست سهلة أو بسيطة، لكن سياسة التجويع وإن نجحت في التأثير على خياراتهم سابقا إلا أنها لن تنجح في تحديدها لاحقاً.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً