مسلسل الحرائق في لبنان: كابوس لم يبدأ بعد!

إسراء ديب
إسراء ديب

لم ينتهِ موسم الحرائق في لبنان على الرغم من تعرّض الكثير من المناطق، وأبرزها عكار لكثير من الحرائق التي أثرت في عدد كبير من الأشجار المعمّرة، ومنها ما أثار ذعر الأهالي الذين عاشوا لحظات من الخوف والقلق من احتمال وصول النيران إلى منازلهم وممتلكاتهم. لكن بدءًا من اليوم، سنكون على موعد مع مسلسل جديد لاندلاع حرائق أكبر وأكثر خطورة، وفق ما يؤكد عدد من الخبراء البيئيين.

فقد انتشرت الكثير من الأخبار والصور التي تشير فعليًا إلى بدء موسم الحرائق مجدّدًا بعد مرور نحو شهرين على عدد من الحرائق شهدها لبنان في الكثير من مناطقه ومحافظاته. وكانت البداية مع اندلاع حريق كبير مؤخرًا في الأراضي العشبية في خراج بلدات كروم عرب ومشحا وخريبة الجندي العكارية، والتي امتدّت إلى بساتين الزيتون والأراضي الزراعية، لتقترب هذه النيران من المنازل، ممّا أشعل الخوف في قلوب الأهالي، فضلًا عن احتراق عددٍ من الأراضي في مناطق لبنانية مختلفة، عمد الدفاع المدني سريعًا إلى إخمادها لتفادي توسع رقعة النيران المشتعلة.

أمّا في عكار، وبعد محاولات حثيثة من عناصر الدفاع المدني والأهالي، إضافة إلىالجمعيات العكارية لوقف تمدّد النيران التي التهمت مساحات واسعة بسبب وجود صعوبات نظرًا لوعورة هذه المناطق، تمكّنت هذه العناصر من إخماد الحريق الذي كاد يتسبّب بكارثة إنسانية وبيئية ضخمة.

من هنا، يؤكد أحد أعضاء جمعية “درب عكار” البيئية، أنّ عملية إخماد الحريق والسيطرة على امتداده بالتعاون مع عناصر الدفاع المدني، كانت سريعة. ويقول لـ”لبنان الكبير”: “كانت المنطقة زراعية لا حطب فيها كي تتمّ سرقته كما يتم التداول. وعلى الأرجح أنّ سبب الحريق ناتج عن أنشطة زراعية، أي عن حرق مخلّفات زراعية في المنطقة،ممّا أدّى إلى امتداد هذه النيران، لافتًا إلى تأثر الأراضي الزراعية والبساتين وأشجار الزيتون في هذا الحريق مع بداية موسم قطافها”.

ضاهر: الخطر كبير

مع عودة هذه الظاهرة إلى الواجهة، انطلقت معها البيانات الرسمية، سواء أكانت من وزير البيئة ناصر ياسين، أو المديرية العامة للدفاع المدني لإطلاق تحذيرات حول خطورة الأيّام المقبلة بيئيًا، مع وضع بعض الإرشادات التي تحمي المواطنين في ظل موجة الحرّ التي تبدأ مع وصول الكتل الهوائية الحارّة المتوقّعة من مصلحة الأرصاد الجوية في المديرية العامة للطيران المدني.

ويقول رئيس مجلس البيئة في القبيات أنطوان ضاهر لـ”لبنان الكبير”: “قسم كبير من الحرائق يأتي نتيجة إهمال الكثير من المواطنين لأهمية الغابات والأراضي الزراعية واعتياد الناس على فكرة إحراق العشب اليابس، وهم لا يقصدون عمومًا دفعه إلى الانتشار أو التمدّد، وهذا ما يُعدّ مجزرة بيئية كارثية”.

كما يُشدّد ضاهر على أنّ الموضوع غير مرتبط على الإطلاق بموضوع الحطب وقرب بدء موسم الشتاء والبرد القارس الذي تشهده الكثير من المناطق الجبلية، “فالذين يريدون الحطب يستفيدون من الأشجار الخضراء، لا من حرقها. وبالتالي إنّ هذه النيران تنعكس سلبًا على المحاصيل الزراعية. ولو اشتروا “فرّامة” للأرض، لكان أفضل لهم ولنوعية هذه الأراضي التي تتراجع جودتها شيئًا فشيئًا مع كلّ مرة يحرقونها فيها”.

وإذ يشير إلى ضرورة إنزال عقاب صارم بالفاعلين، يؤكد أنّ هذين الأسبوعين سيكونان في غاية الخطورة بيئيًا، “إذ سترتفع الحرارة بشكلٍ واضح خلال الأيام العشرة المقبلة، مما يزيد من خطر اشتعال النيران بسبب وجود مواد ستكون قابلة للاشتعال بسهولة في هذا الموسم وفي هذا الشهر من السنة. وقد يتكرّر سيناريو الحرائق من جديد، لأنّ المنفّذين غالبًا ما يفلتون من العقاب، أو أنّ العناصر المتخصّصة بهذا الملف عددها غير كافٍ للإسهام في الحدّ من تمدّد النيران المستعرة”.

يمكن القول أنّ الأمن البيئي في لبنان لا يحظى باهتمام كافٍ من القوى السياسية على الرغم من خطورة هذه الحرائق، ومرور البلاد بتجارب صعبة مع هذه الظاهرة البيئية التي تحصل بشكلٍ مقصود أم غير مقصود عمومًا. حتّى حين يُقال أنّ الدولة تضع خططًا للحدّ من تداعيات النيران المشتعلة في أهم الغابات اللبنانية، تبقى هذه المحاولات غير كافية بسبب عدم وضع إجراءات تنفيذية تساهم في التخفيف من حدّة الأزمة، بدلًا من إهمالها وتحميل المواطن في كل مرة مسؤوليتها وحده.

وكان وزير البيئة أشار، في بيان، إلى أنّ مؤشر خطر الحرائق مستمرّ بالارتفاع من الثلاثاء 5 تشرين الأول 2021 حتى نهاية الأسبوع على الأقل، مع ارتباطه بشكلٍ وثيق بـ”أنشطة بشرية كتنقية الأراضي من الأعشاب والبقايا الزراعية وتنظيفها من خلال حرق هذه الأعشاب والبقايا الزراعية، ورمي السجائر المشتعلة في المساحات العشبية اليابسة أو على قارعة الطرقات، واستخدام النار في الغابات أثناء نشاط معين وعدم إخمادها بشكلٍ تام، وإضرام النيران في مستوعبات النفايات للتخلّص منها، وافتعال الحرائق بهدف إلحاق الأذى بالآخرين، فضلًا عن إطلاق المفرقعات والألعاب النارية وتأثيرات الصيد البري…

كما أصدر الدفاع المدني بيانًا نشر فيه بعض الإرشادات لتفادي هذا الخطر، أبرزها: عدم حرق الأعشاب اليابسة، تفادي إشعال المواقد في أماكن النزهة (ما لم يتم إحداث حفرة صغيرة فاصلة عن الأعشاب أو الأغصان اليابسة المجهّزة لإشعال النار، على أن يتمّ ردمها بالتراب عند الانتهاء)، مع ضرورة عدم رمي السجائر المشتعلة…

شارك المقال