“فيسبوك”: إفلاس أخلاقيّ… والاعتذار إخفاق جديد

حسناء بو حرفوش

ما الذي أمِلت موظّفة “فيسبوك” السابقة فرانسيس هاوغين تحقيقه من خلال تسريباتها حول عملاق مواقع التواصل الاجتماعي؟ بالنسبة إلى الكاتب والمؤلّف المتخصّص في التكنولوجيا ومواقع التواصل أندرو مارانتز، كانت تسعى على الأرجح إلى دفع الشركة لإعادة حساباتها، لكن عوضاً عن ذلك، أخفقت الشركة مرّة ثانية.

ويكتب مارانتز في مقال بعنوان “الإفلاس الأخلاقي لفيسبوك”، أنه “قبل وقت قصير من مقابلة هاوغين والتي سرّبت “فضائح” الشركة خلال برنامج تلفزيوني، نشر الرئيس التنفيذي لـ”فيسبوك” مارك زوكربيرغ في 3 تشرين الأول، مقطع فيديو تظهر فيه زوجته بريسيلا تشان، على متن مركب شراعي (…) مع موسيقى في الخلفية، وأرفقه بتعليق “رحلة إبحار مع بريسيلا والأصدقاء”. ولكن ما بدا كمنشور تحديثيّ للنشاط اليوميّ، هو في الحقيقة عرض ترويجيّ لأدوات جديدة وللنظارات الذكية. وفي هذا المثال تلخيص لبعض ما يقوم به “فيسبوك”.

وكشفت الوثائق التي سرّبت هاوغين بعضها لصحيفة “وول ستريت جورنال” ولجنة الأوراق المالية والبورصات وأعضاء في الكونغرس (…) ما قد يؤكد الجدال الذي خاضه العديد من المشكّكين في وسائل التواصل الاجتماعي منذ وقت طويل: “فيسبوك” يصيب الملايين من مستخدميه بغضب أكبر وبارتباك أكبر وبضعف نفسيّ أكبر؛ كما “تتفشّى” على منصته التعليقات التي تثبط التطعيم ضد وباء كورونا (…). أضف إلى ذلك، أنّ نسبة غير قليلة من المراهقين “الانتحاريين” عبّروا عن الرغبة في قتل أنفسهم على “إنستغرام”. وعلى الرغم من أنّ قواعد “فيسبوك” تحظر نشر مواد إباحية انتقامية، إلا أنّ ذلك مسموح لنجوم الأفلام الإباحية.

بعبارات أخرى، يُعتبر “فيسبوك” ساماً تماماً كما كنا نظنّ، وعلى الرغم من أنّ كبار المديرين التنفيذيين في الشركة يدركون ذلك، إلا أنهم يتعاملون مع الأمر كأنه لا يتخطّى مشكلة العلاقات العامة (…). وخلصت هاوغين في مقابلتها إلى أنّ الوقت حان ليعلن “فيسبوك” فشله وإفلاسه الأخلاقي، ولأن يعني مؤسّسه الاعتذار حين يقوله حقاً.

وفي كتاب “الحقيقة البشعة”، يظهر ما أرادت هاوغين تسليط الضوء عليه بشكل أو بآخر (…). في ظل اعتراف زوكربيرغ بمحطات عدّة بأخطائه، على غرار كتابته في أيلول 2017: “أطلب الصفح وسأعمل على تحسين أدائي”. وفي نيسان 2018: “لقد كان خطئي وأنا آسف”. وفي أيار 2020: “علينا أن نؤدّي وظيفتنا بشكل أفضل”، مع الإشارة إلى أنّ الاقتباسات المماثلة كثيرة. وخلال الشهر الماضي، نُشر في صحيفة “تايمز”، مقالٌ حول الاعتذارات والحملة التي خاضها “فيسبوك” للدفاع عن صورته. ووفق المقال، يعتمد التنفيذيون المسؤولون عن  السياسة والتواصل في “فيسبوك” سياسة هشة ودفاعية، تعكس الوهم الذاتي. إذ يبدو أنّ المسؤولين مقتنعون بأنّ “فيسبوك” ضحية قدر غير عادل وغير متكافئ من الصحافة الهجومية، وأنّ محاولات استرضاء الجمهور لم تؤدِّ إلا إلى نتائج عكسية. لذلك، قرّروا التمسّك بما يُسمى، في عبارة متناقضة بشكل واضح، باستراتيجية “دفاع أكثر عدوانية” تركز على إبعاد زوكربيرغ عن الفضائح، جزئيًا من خلال تركيز مشاركاته على “فيسبوك”، وإطلالاته في وسائل الإعلام على المنتجات الجديدة. وهكذا عوضاً عن التعامل مع الرياح المعاكسة، يمضي مارك المزيد من الوقت في التركيز على المنشورات حول النظارات الشمسية.

ولا يُخفى على أحد أنه في اليوم التالي لمقابلة هاوغين، وقبيل جلسة استماع لمجلس الشيوخ، توقّفت منصات “فيسبوك” و”إنستغرام” و”واتساب” عن العمل لمعظم فترة ما بعد الظهر. وكان العطل كبيراً لدرجة دفعت زوكربيرغ لتعليق سياسة الكفّ عن الاعتذرات (…). ومع أنّ نظريات المؤامرة سارعت بالانتشار، إلا أنّ انقطاع الخدمات على ما يبدو صدفة من قبيل ما قد يحدث إلى حد كبير في أي وقت، عندما تعتمد حياة مليارات الأشخاص عبر الإنترنت على البنية التحتية لشركة واحدة.

وفي هذا السياق، يقول أحد الناشطين المناهضين لهذا الاحتكار على حسابه “Zephyr Teachout” في “تويتر”، أنّ “أنظمة الاحتكار هشّة وخطيرة بالإضافة إلى أنّها تسمح بالسلوك التعسّفي والاستخراجي، وهي مجرّد طريقة غبيّة لتصميم أي شيء”.

وبعد خسارة زوكربيرغ نحو سبعة مليارات دولار، مع سقوط الأسهم خلال ست ساعات تقريبًا من خروج تطبيقاته من الخدمة، عاد السهم للانتعاش (…). وفي اليوم التالي ، كتب زوكربيرغ رسالة بنبرة دفاعية شديدة إلى موظفيه، ثم شاركها على صفحته في “فيسبوك”، كاسراً مجدداً قاعدة عدم الاعتذار. ومع أنّ أسلوب اعتذاره لم يتغيّر منذ سنوات، بدت نبرته مؤخرًا أكثر تحديًا، لا بل حتى أكثر يأسًا. قد يبعث ذلك على الإحباط من ناحية، وعلى الإثارة من ناحية أخرى، تماماً كما حين تخوض جدالاً شرساً ويسقط القناع أخيراً عن خصمك ويعترف بما يشعر به حقًا. وكالعادة، دعم زوكربيرغ حججه ببعض الإحصائيات المختارة بعناية، لكن خطابه ظهر خالياً من أي مشاعر (…) بدا كأنه لا يكترث كثيراً بما يتضمّنه من انحرافات خطابية من شأنها أن تعطي في هذه الأيام، هذا التأثير.

(…) وحاول الناس لسنوات دعوة مارك زوكربيرغ للجوء لتحكيم عمله، لكنه ما كان ليعكف عما يقوم به. فبالنسبة إليه، “فيسبوك” ليس وظيفة يؤدّيها فحسب، بل هو هويته. ومن الشائع في لحظات كهذه، أن نقتبس أبتون سنكلير وقوله أنه “من الصعب أن تجعل أحدهم يفهم شيئًا ما، بينما يعتمد راتبه على عدم فهمه له”. هذا هو النمط الإدراكي، والذي صاغه ويليام جينينغز برايان، بطريقة أكثر ملاءمة قبل 40 عاماً، إذ اعتبر أنّه “لا طائل من خوض جدال مع رجل يعتمد رأيه على مصلحة شخصية أو مالية؛ والأجدى هو التفوّق عليه”. لعلّ الحلول السحرية للتهديدات التي يشكلها عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي غير موجودة، أو غير معروفة بالنسبة إليّ (أي الكاتب)، على الأقل إن وجدت. لكني أثق بأن برايان كان ليحل هذه الأزمة منذ البداية، بالقضاء عليها!”.

شارك المقال