التلاعب بالأطفال… تجارة تحت مسمّى الحضانة!

جنى غلاييني

لم يعد هناك ما يدهش في هذا البلد، كل يوم ترى ما لا يخطر في بال، حتى أصبح الاتجار بالأطفال شبه علني وشيئا ليس بجديد في لبنان، فلم يعد الناس يهتمون بتلك الأمور في ظل تراكم الأزمات المعيشية التي تجعلهم ينشغلون في السعي وراء لقمة العيش، لكن لا يزال هناك من يكترث لتلك الأمور، لا يزال هناك أشخاص تسعى لكشف المستور الى العلن وفضح من يتلاعب بالبشر كالدمى.

جمعية “الاتحاد لحماية الأحداث” في لبنان حققت قبل أسبوع إنجازاً انسانياً عظيماً بفضل فطنة مندوبة أنقذت 25 طفلاً من جنسيات أفريقية محتجزين داخل غرفة سرية في مبنى سكني راقٍ في منطقة الجديدة.

وفي التفاصيل، أن معلومات توافرت لرئيسة جمعية الاتحاد لحماية الأحداث أميرة سكّر التي أوضحت لـ”لبنان الكبير”: “نحن كاتحاد نكلّف من القضاء القيام بمتابعات قضائية تستدعي فتح ملف حماية الحدث، لذا كُلّفنا بزيارة أشخاص طلبوا من القضاء احتضان أطفال أو رعايتهم كعائلة بديلة، فتوجّهنا الى المكان المقصود بلا موعد لأن تلك الأمور يجب أن تكون بطريقة مباغتة بهدف تقويم وضع الولدين اللذين طالب هؤلاء الأشخاص باحتضانهما ولنكشف على المنزل القاطنين فيه، وأثناء جولتنا داخل البيت رأينا أموراً عدة مثيرة للقلق نوعاً ما، وبفضل حنكة مندوبة الاتحاد اكتشفنا المزيد من الأطفال في المكان محتجزون في غرفة سرية”.

وعن سبب التعتيم الإعلامي على هذا الحدث، قالت: “لا نريد ضجة إعلامية لهذه القضية لانه يجب أن نحمي كافّة جوانبها لكشف حقيقة ما إذا كان فعلاً الأمر يتعلّق بمخالفة في ما يخص موضوع الحضانة أم يتعلّق بجريمة الاتجار بالبشر أم هو مجرّد دار رعاية غير مرخّص قانونياً. كما يجب حماية هؤلاء الأطفال الذين لا يملكون إقامات ولا هويات، لأن 90% منهم الآن مكتومو القيد ومجهولو النسب”.

تساؤلات كثيرة يعمل الاتحاد على إيجاد إجابات لها “من هي أم كل طفل؟ من قام بتوليدها وفي أي مستشفى؟ لماذا لم يتم تسجيل الطفل؟…”.

وعن صاحبة البيت حيث وجد هؤلاء الأطفال تقول سكّر إن “تلك المرأة حُوّلت الى القضاء المختص والنيابة العامّة وبالطبع مكتب الاتجار بالبشر وحماية الآداب ويجري التحقيق معها”. وتتابع: “تم تسليم الأطفال بإشرافنا لجمعيات متخصصة برعايتهم ولجمعيات أخرى تعنى بالصحة للتأكّد ان الاطفال ليسوا مصابين بأمراض خطيرة ومعدية نتيجة علاقة غير شرعية لربما”.

وتؤكّد أنّ مواكبة الاتحاد لهؤلاء الأطفال مستمرّة ودائمة، بحيث تم التعرّف إلى بعض الأهالي الذين جاؤوا من تلقاء أنفسهم وقالوا إن طفلهم من بين الـ25 طفلا، ولهذا السبب وبتكليف قضائي يقوم الاتحاد بزيارات لمنازل هؤلاء الأهل لمتابعة وضع الطفل القانوني والرعائي وما إذا كان بحاجة الى حماية قضائية أم لا.

وتختم سكّر: “الاتحاد راضٍ عن المسار القضائي لهذا الملف، وقدّم محامينا للنيابة العامّة ادّعاء شخصياً على صاحبة المنزل وسلّط الضوء على نقاط وقوانين مرعيّة الإجراء تحدّد نوعية الجرم الذي حصل وعقوباته ونأمل أن يأخذ العدل مجراه”.

وفي السياق القانوني، يوضح المحامي محمد زكور عطفاً على عملية الدهم التي حصلت والتي اكتشف فيها 25 طفلاً من جنسيات أجنبية، أنّ “القانون اللبناني معطوف على المعاهدات والاتفاقيات الدولية قد أولى موضوع القاصرين أي الذين هم دون الـ18 سنة عناية خاصّة جدّاً لدرجة أنّه وصل الى حماية القاصر من تعنيف ذويه، وخصص بعض أجزاء النيابة العامة لمتابعة مواضيع ما يعرف بالعنف الأسري”.

ويشرح أنّ “المسار القانوني الذي يجب أن تتبعه هذه القضية هو المسار الطبيعي، بمعنى أنّ الجرم هو استغلال القاصرين وابتزازهم، وبالتالي ليس القاصر من ارتكب الجرم هنا لأن الجرم إن ارتُكب من قاصر فالمحكمة هي محكمة حماية الأحداث، لكن نحن بصدد قضية ارتكبها راشدون بحق قاصر”.

ويتابع: “إذا وصفت القضية بأنها جناية بحسب التحقيقات إن كان هناك قضايا تحرش أو استغلال جنسي لهؤلاء الأطفال أو عمالة منافية للأخلاق ستكون العقوبة مشدّدة، أمّا إذا كانت مجرد عمالة قاصرين أي يتم استغلالهم بجعلهم يعملون بأعمال بلا وجه حق ودون السن القانونية فتوصف القضية بالجنحة”.

ويشير زكور إلى أنّ “المسار القانوني هو التحقيقات من نيابة عامة الى قاضي تحقيق، وبحسب ما يظهره التحقيق لغاية الآن هناك سرية في التحقيق، إما أن يكون المتهم في معرض جناية فيحال على محكمة الجنايات وإما أن يكون المتهم في معرض جنحة فيحال المتهم على القاضي المنفرد الجزائي”.

ويتوقع أن تكون العقوبات مشدّدة لأن الجرم الذي يرتكب بحق قاصر له ظروف مشدّدة، قائلاً: “هؤلاء الأطفال الأجانب يعتبرون في لبنان مسوغاً قانونياً وبطريقة غير شرعية”.

وعن احتمال تدخل الانتربول في تحقيقات هذه القضية نظراً لوجود أطفال من جنسيات أجنبية، يفيد زكور بأنّ “الانتربول لا يتدخل، بل تستطيع سفارة كل بلد ينتمي إليه الطفل أن تتحرّك وتتخذ صفة الإدعاء الشخصي على المتهم وتدافع عن مواطنيها وتستطيع أن تطلب تسليم الطفل التابع لجنسيتها”.

شارك المقال