حزموا أمتعتهم ورحلوا… نسب الهجرة تلامس الـ 90%!

راما الجراح

ليس الجنوح نحو الهجرة حدثاً جديداً على حياة اللبنانيين إنما إحدى أبرز سمات المجتمع اللبناني التي أصبحت الهجرة بالنسبة له حُلماً يراود أغلبية شعبه للهرب من بلد الفساد والقلق، البلد الذي لم يعرف طعم السلام منذ قيام دولة لبنان الكبير وأبقى شعبه مترنحاً بين ألم الهجرة والأمل بغدٍ أفضل. تضاعف حلم الهجرة وطغى على أحلام الشباب الطامحين إلى مستقبل مزدهر بعدما فقدوا الأمل ببناء هذا المستقبل في وطنهم الأم، فحزموا أمتعتهم وهبّوا للرحيل.

ويشهد لبنان موجة هجرة جديدة وكبيرة، نتجت من الأزمة الاقتصادية التي يعانيها لبنان والتي تُعَد الأسوأ في تاريخه بحسب تقرير البنك الدولي، وانعكست على مختلف القطاعات ممثلة بطوابير آلاف اللبنانيين الذين يتنقلون بين مراكز الحصول على جوازات سفر، وأماكن تخليص الأوراق والمعاملات، وصولاً إلى السفارات.

وقد شهد لبنان عبر الزمن موجات هجرة، كانت الأولى أواخر القرن التاسع عشر حتى فترة الحرب العالمية الأولى حيث قُدّر عدد المهاجرين بنحو 330 ألف شخص وفقاً لمرصد الأزمة التابع للجامعة الأميركية في بيروت، وجاءت الموجة الثانية خلال الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 حيث قُدّرت أعداد المهاجرين في تلك الفترة بنحو 990 ألف شخص.

وللاستفسار عن المعلومات التي أشار إليها رئيس مؤسسة لابورا الأب طوني خضرا، في حديث عبر صوت لبنان (100.5) إلى أن “نسبة 90% من اللبنانيين الحاملين لجنسيات أجنبية غادروا لبنان، إضافة الى مجموعة كبيرة من الاشخاص الذين نقلوا أعمالهم إلى الخارج”. وتابع: “خرج من لبنان أول 4 أشهر من العام الحالي، نحو 230 الف لبناني بهدف الهجرة، و60% منهم من الطائفة المسيحية”.

ويقول الأب خضرا لـ”لبنان الكبير” إن “مؤشرات الهجرة خطيرة وتشير إلى أننا متجهون نحو كارثة في لبنان، ففي الفترة الأخيرة أدّى عدم استقرار الأمن إلى ازدياد أعداد المهاجرين، وأصبح هناك تخوف كبير عند الشعب بالذهاب إلى حق القوة وليس قوة الحق بسبب فئة تعيش بيننا وتطمع بحق القوة، إضافة إلى عدم وجود استقرار سياسي، فالمنظومة لا تأبه لحال الشباب اللبناني ومستقبله”.

ويضيف: “كُنا نود لو تم ذكر الشباب مثلاً في البيان الوزاري بهدف الحفاظ على الأدمغة في البلد، ودفع اللبنانيين إلى البقاء في بلدهم، والانقسام العمودي الحاصل بين الطوائف شرذم مسألة الهجرة أكثر، ولا ننسى وظائف الدولة في السلك العسكري، فبحسب إحصاءاتنا كان يدخل إليها سنوياً بين قوى أمنية ومدنية حوالى 10 آلاف موظف عدا المستشارين، لذلك كنا من أول الناس الذين رفضوا سلسلة الرتب والرواتب لأننا كنا ندرك أنهم سيدفعون ثمنها لاحقاً”.

وقد أكد الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين إحصاءات الأب طوني، ويقول: “إن أكثرية اللبنانيين الذين يحملون جنسيات أجنبية هاجروا من لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت وخلال العام الماضي والحالي، لكن لا فكرة لديّ عن انتمائهم الطائفي، من ناحية أخرى هناك أكثر من 3 ملايين لبناني لديهم الرغبة في السفر إلى الخارج بسبب عدم الاستقرار الأمني والوضع الاقتصادي السيئ، فالرغبة شيء والواقع مختلف عنها للأسف”.

ويتابع: “عام 2018 وصلت أعداد المهاجرين من لبنان إلى 33 ألف لبناني، وارتفعت هذه الأعداد عام 2019 بشكل كبير حتى وصلت إلى 66 ألف و607 مهاجرين، أما عام 2020 فانخفض العدد بسبب إقفال العالم وأزمة كورونا إلى نحو 17 ألف و700 مهاجر، ومنذ بداية هذا العام حتى شهر حزيران كان العدد لا يتجاوز الـ1200 مهاجر من لبنان، لكن منذ حزيران وحتى اليوم غادر 47 ألف شخص لبنان، الأرقام مخيفة ولا تُنذر بالخير ويبدو أننا مقبلون في الأشهر الأربعة المقبلة إلى إحصاء أعداد أكبر من المهاجرين”.

بين قرار البقاء والهجرة يقول طنّوس من منطقة الأشرفية، والذي كان يملك مطعماً يعيش منه وعائلته المكونة من 6 أفراد إن “ارتفاع الدولار خرب بيوتنا، فقد انخفض عدد الزبائن، وتقلصت أعداد الأطباق التي كانت تتوافر لدينا بسبب عدم قدرتنا على شرائها من جهة، وعدم توافرها من جهة أخرى الأمر الذي اضطرني إلى إقفاله والهجرة إلى كندا حيث تسكن شقيقتي وأظن أننا سنكمل حياتنا هناك من دون رجعة!”.

غياب القرار السياسي الجدّي لمعالجة الأزمات التي تشهدها البلاد، سيؤدي تلقائياً إلى تلاشي مؤسسات الدولة ودفع الشباب إلى الهجرة سعياً للدراسة والعمل. ومع حاجة بلاد العالم لليد العاملة الشابة بسبب ما يعانونه من انخفاض بمعدلات النمو وزيادة في نسبة المسنين، وفيما تُغلق الشركات والمؤسسات في لبنان أبوابها بسبب عدم قدرتها على الاستمرار في العمل وإعطاء الموظفين رواتبهم، لا بُد من توقع موجات كبيرة من الهجرة إلى الخارج خلال الأشهر المقبلة، فالحروب في لبنان لم تكن محركاً أساسياً للهجرة، إنما الأوضاع الاقتصادية السائدة، فقد شهدت البلاد حروباً عدة لم تؤد إلى تنشيط مفاجئ لحركة الرحيل عن البلاد، لكن اليوم الموضوع يختلف!

شارك المقال