طرابلس تتمرد على كورونا

إسراء ديب
إسراء ديب

“لا كورونا ولا من يحزنون”، يردّد كثير من الطرابلسيين هذه العبارة مستخفين بانتشار الوباء، ويعمد التجار وأصحاب المحلات في الأسواق إلى فتح مؤسساتهم مخالفين قرارات الإقفال وتدابير التعبئة العامة. ومن يسير في شوارع المدينة لا سيما في المناطق الشعبية، يحسب أن الأوضاع طبيعية والبلاد لم ينهكها الوباء اللعين، ونادرًا ما يرى وجوهًا ترتدي الأقنعة الوقائية أو “الماسك”.

طرابلس التي تمردت على سياسات الإفقار والتجويع، تمردت أيضاً على الفيروس الخطير. فرغم الحملات الإعلامية التي أطلقتها وزارة الصحة العامّة، والقرارات الرسمية التي أصدرتها الحكومة للحد من انتشار الوباء، لم يلتزم عدد كبير من الطرابلسيين، كما أهالي الشمال عمومًا بهذه الإجراءات، التي لا يرون فيها إجراءات وقائية وإنما إجراءات تزيد من حالة الإفقار ومن حدّة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية. وتهدد لقمة عيشهم، حتّى أصحاب المحلات لا يخافون من دوريات القوى الأمنية، ففي أسوأ الحالات يعمدون إلى الإقفال والاختباء، حتى يتأكدوا من خروج القوى الأمنية من المكان.

تجوّل في سوق الذهب والكمامات على الذقن

لا تُخفي سمر( من مدينة الميناء) خوفها من فيروس كورونا، وتقول: “أعلم أن الفيروس قد انتشر بشكلٍ كبير بين الطرابلسيين وكذلك في الميناء، ولكن لا أتمكّن من البقاء في المنزل طيلة الوقت، وفي طرابلس لا أحد يسأل لا عن أذونات ولا نرى تواجدًا للقوى الأمنية بشكلٍ كبير فيها”، فيما يُشير صاحب متجر في “سوق الذهب”، إلى عدم شعور أي من التجار أو العاملين في الأسواق بخاصّة الشعبية منها بالخوف من انتشار الفيروس، بقدر ما يخافون على مصدر رزقهم. ويقول: “الدّولة لم تعطنا البديل، فإذا أراات فرض القانون علينا، عليها أن تفرضه على كل المناطق بالتساوي، كما أنّها يجب أن تُقدّم بدلًا ماليًا عن فترة بقائنا في منازلنا”.

ويعتبر أن القوى الأمنية لا تقوم بعملها منذ سنوات، ويقول: “الدّولة لا تهتم بنا وبظروفنا، ونحن لن نهتم إذًا لا بقراراتها ولا بتدابير تتخذها، فالطرابلسي ” شبع موت وكتّر”.

بدوره، يرى أسعد(وهو صاحب متجر في سوق الكندرجية) أن إقفال أبواب المحلّات كما تُريد الدّولة لن يُجدي نفعًا، ويقول: “عندي التزامات مختلفة منها حقوق الموظفين الذين يعملون طيلة النهار”.

ويلفت إلى أن القوى الأمنية المنتشرة حاليًا تُدرك أن البعض لا يتقبّل قراراتها أو قوانينها المفروضة، لا سيما وأنّها تُفرض “على ناس وناس”، ولا يخفي شعوره بالقلق على المتجر الذي ورثه عن أجداده ومستقبله المدمّر في ظلّ تدهور الأوضاع.

من جهته، يُوضح رئيس بلدية طرابلس رياض يمق لـ” لبنان الكبير” أنّه ليس من العدل القول إنّ جميع المناطق والأحياء في طرابلس غير ملتزمة بقرار الإقفال، فالكثير من المناطق تلتزم بشكلٍ كبير وواضح”، مؤكّدًا “عدم التزام الناس في بعض المناطق الشعبية والفقيرة، لاعتبارات عدّة أهمّها وضع هذه المناطق الاقتصادي والذي لا يُحسدون عليه، والتردّي الثقافي عند البعض، والذي يُؤثر على كيفية التفكير والتعاطي في مسألة صحية طالت الدّول كافّة”.

ويعتبر يمق أن “المدينة لم تكن تُدرك خطورة الفيروس مع بداية انتشاره، ولكن بعد وفاة الكثير من الشبان وحتّى وفاة بعض المشايخ والشخصيات المعروفة، والتي لم تتمكّن قدراتهم المالية من إنقاذهم من خطر الموت المحدق بنا جميعًا بسبب هذا الفيروس الفتاك، بدأت المدينة بأخذ خطورة هذا الوباء على محمل الجد. ولولا الأحداث الأخيرة، لكانت اللامبالاة سيّدة الموقف فعليًا”.

وعن دور البلدية، يُؤكّد يمق أنّه على الرّغم من حملات شرطة البلدية بمؤازرة من القوى الأمنية، “لم يتمكّن أحد من ضبط الوضع نظرًا للحال الاقتصادية المتردّية، فضلًا عن اعتبار البعض أن الناس ستموت من الجوع لا من كورونا، وبالتالي لا تتمكّن القوى الأمنية من فرض عقوبات مثلًا على من يُريد إطعام أهله وناسه، في ما عدا الجيش اللبناني الذي يتمكّن وبكلّ قوّة من فرض السيطرة، لأنّ الطرابلسيين على اختلافهم يحترمون الجيش ويثقون به”.

وأخيرًا، وعلى الرّغم من التحدّيات الاقتصادية التي فرضت ظروفاً قاسية على المواطنين، إلا أن صحة الإنسان تبقى خطا أحمر، كما أن نظرة الطرابلسيّ للدولة ليست مفاجئة أو مستغربة، بل هي ناتجة عن الإهمال المزمن للعاصمة اللبنانية الثانية، وقد تكون إعادة نظر القوى الرسمية بتدابيرها، حلًّا قد يُؤدّي إلى تغيّر المعادلة. لتفرض الدّولة هيبتها من جهة وتحفظ للمواطن حق العيش من جهة ثانية.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً