سارة منقارة طرابلسية تتحدّى الصعوبات

إسراء ديب
إسراء ديب

في طرابلس، يعيش ذوو الاحتياجات الخاصّة كابوسًا من نوع آخر، لأنّ الواقع الذي يُواجهه هؤلاء لم يضعهم أبدًا على سكّة سليمة تُريح قلوبهم وتفتح لهم أبواب رزقهم بدلًا من إقفالها عنوة أمام عيونهم، ولا سيما أصحاب البسطات منهم الذين يُعانون من القهر بشكلٍ دائم بسبب إصرار البعض على إزالة بسطاتهم، أو نقلها إلى أماكن أخرى ممّا يجعلهم أمام عائقين أساسيين: الأوّل عدم تمكّنهم من العمل في المناطق الداخلية، لأنّ معظم البسطات تحتاج عمومًا إلى وضعها في أماكن مزدحمة قليلًا كي تُباع البضائع أو المنتوجات، والثاني يكمن في عجز أصحابها عن الانتقال كما يُطلب منهم إلى مناطق أو شوارع مختلفة، فهم يحتاجون على الأرجح إلى مساعدات كيّ يتمكّنوا من العمل بهذه الشروط، عدا عن العوائق التي لا يتمكّن أغلبهم من تجاوزها كالطرقات غير المجهزة عمومًا بشكلٍ كاف، وعدم وعي الناس لضرورة احترام الأساليب الصحيحة لركن سياراتهم أو لسيرهم في الطرقات بشكلٍ عام.

في “أم الفقير”، يعمل المئات من ذوي الحاجات الخاصّة يوميًا على مساعدة أنفسهم وعائلاتهم التي تحتاج إليهم بشكلٍ كبير، وهم غالبًا ما يُواجهون صعوبات وعراقيل مختلفة… وفي الوقت الذي يتمّ فيه طرد أو تهديد أصحاب البسطات شمالًا بقطع مصدر أرزاقهم من دون مساعدة أو تعويض يُذكر وفي ظلّ عدم قدرة ذوي “الإرادة الصلبة” عمومًا على الاندماج داخل مجتمعهم بالشكل الصحيح والمطلوب، تُعيّن فيه الشابّة اللبنانية – الأميركية سارة منقارة ابنة طرابلس في إدارة الرئيس الأميركيّ جو بايدن في منصب المستشارة الأميركية الخاصّة لحقوق ذوي الحاجات الخاصّة حول العالم.

من هي سارة منقارة؟

تُعدّ سارة بطلة تحظى بأهمّية كبيرة معترف بها دوليًا، فهي عملت منذ سنوات على تطوير إدماج ذوي الحاجات الخاصّة، التمكين الفردي، ومشاريع اجتماعية مختلفة تكمن في الحديث بدينامية فريدة من نوعها مع الجمهور لتسهيل كيفية مواجهة تحدّيات العمل عبر ورش تفاعلية رائدة.

سارة التي فقدت بصرها في السابعة من عمرها بسبب مرض وراثيّ أصيبت به وشقيقتها، أسست منظمة غير ربحية، وبعد جهد سنوات، أصبحت سارة متحدّثة مميّزة تابعة لوزارة الخارجية الأميركية، وتمّ تكريمها من مختلف المنظمات والجمعيات الدّولية.

إنّ سعيها نحو التركيز على “دمج الأطفال المكفوفين مع غير المكفوفين” بهدف كسر الصورة النمطية عنهم، بدأت في لبنان وتحديدًا بين بيروت ومدينتها طرابلس، وذلك عبر إنشاء مخيّمات تُساهم في دعم هذه الفكرة، وكانت تعتبر سارة أنّ “مهمّتها الحقيقية هي المساعدة في تطوير نفسك لإطلاق العنان لإمكاناتك وقدراتك للوصول إلى تمكينك في التأثير بالقادة والمجتمعات والمنظمات…”.

ولم يحدّ كونها امرأة كفيفة من عزيمتها أبدًا، بل تتمتّع سارة بحبّ المغامرة والتسلية بشكلٍ كبير، كالغطس وركوب الدراجة…

ترحيب محلّي ودولي

وفي بيان للخارجية الأميركية، رحبت الإدارة بتوليها منصبها الجديد، وجاء في البيان: “بصفتها كفيفة، مسلمة، أميركية من الجيل الأوّل، تتمتّع سارة منقارة بخبرة طويلة في الدفاع عن المساواة، وإمكان الوصول، والإدماج، والتمكين. نحن نرحب بها وهي تتولّى دورها الجديد كمستشارة خاصّة لحقوقّ ذوي الحاجات الخاصّة الدّولية”.

ويُمكن القول إنّ هذا المنصب الذي شغلته سارة، كان قد استحدثه الرئيس الأميركيّ السابق باراك أوباما، وظلّ شاغرًا خلال حكم الرئيس السابق دونالد ترامب، ليُعلن الرئيس الحالي أخيرًا تعيين منقارة نظرًا لتميّزها وخبرتها المهمّة.

وقد نشر في موقع ” البيت الأبيض” الرسمي، إعلان توليها منصبها أيضًا، مؤكّدًا أنّه “مع قيادة سارة الاستثنائية، يُمكن للولايات المتحدة أن تلعب دورًا مهمًا في مواجهة التحدّيات والتخفيف من تداعياتها الضارة على ذويّ الحاجات الخاصّة عالميًا…”.

وكانت سارة عبّرت عبر صفحتيها على ” فيسبوك” و”انستغرام” عن سعادتها الكبيرة بالتعليقات الإيجابية، مؤكّدة تأثرها بالمحبّة والدّعم اللذين تلقتهما، وكتبت: “كلّ ما يُمكن أن أقوله هو شكرًا لكم، وأتمنّى أن تكون هناك طريقة أفضل للتعبير عن امتناني، لكن للأسف لا توجد كلمة أو جملة تعبّر عن مستوى الشكر الذي أشعر به. إنّ تعليقاتكم ومشاركاتكم ورسائلكم تدفعني للمضي قدمًا…”.

كما هنّأ رئيس الجمهورية ميشال عون منقارة بتعيينها، مؤكّدًا أنّ هذا التعيين يُشكّل مصدر فخر واعتزاز لأهلها وأصدقائها وللشعب اللبناني بأسره.

أمّا رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، فقد عبّر من خلال تغريدة له عبر “تويتر” عن فرحته بهذه الكفاءة، وكتب: “مبروك لابنة طرابلس سارة منقارة تعيينها في إدارة الرئيس جو بايدن في منصب المستشارة الأميركية الخاصّة لحقوق ذوي الحاجات الخاصّة حول العالم. كفاءة شابّة من طرابلس، كفاءات شابّة من لبنان، على الرغم من كلّ الظروف القاسية”.

الواقع في طرابلس: صعوبات ومحاولات

ليست خافية المشاكل التي يُواجهها ذوو الحاجات الخاصّة في طرابلس وغيرها من المدن اللبنانية، ففي ظلّ عدم حصولهم على أولويات في مجتمع لا يُدرك حقوقهم بشكلٍ صحيح، يعيش هؤلاء في صعوبة كبيرة ولا سيما مع تدهور الأوضاع المعيشية وعدم تقبّل أصحاب العمل عمومًا العمل معهم، في ضربة قاضية تُسيء لهم ولا تُتيح القدرة على الاندماج في مجتمع لم يتصرّف بعد بإنسانية ووعي كاف “بشكلٍ عام” لحقوق الآخرين وواجباتهم كمواطنين أيضًا.

وبعد الحادثة التي وقعت في طرابلس بين صاحب أحد البسطات من ذوي الحاجات الخاصّة ورئيس البلدية رياض يمق بعد إزالة بسطته من شرطة البلدية، وبعد تأكيد يمق أنّ مكانها غير مناسب في مكان مزدحم، مطالبًا نقلها إلى مكان آخر، يقول محمّد ياسين لـ”لبنان الكبير” وهو يعمل على إحدى البسطات في الميناء: “نتوقّع أن نتعرّض لمضايقات جديدة بعد الحادثة التي حصلت في طرابلس، وفي الفترة الأخيرة تمكّنا من الحصول على ورقة من وزارة الداخلية بالاتفاق مع قائد المنطقة ومحافظ طرابلس والشمال لنعمل، ونتمنّى أن نكون دائمًا ضمن إطار القانون كيّ لا يقترب أحد منّا”، مضيفًا: “يُطلب دائمًا نقلنا من كورنيش الميناء للعمل في الداخل، لكن هل أتمكن من بيع كيس فشار في شارع الميناء الداخلي؟”.

وتُؤكّد عضو المجلس البلدي في طرابلس والمسؤولة عن اللجنة الاجتماعية لذوي الإعاقة رشا سنكري، أنّ المجلس عمل قدر الإمكان على تأمين لوحات خاصّة وتأهيل البلدية لتكون صالحة بمداخلها لاستقبال ذوي الحاجات الخاصّة وغيرها من التفاصيل والمشاريع التي بذلنا جهودًا لتنفيذها، مشدّدة على أنّ المشكلة الرئيسية هي عدم احترام النّاس لحقوق المعوّقين وعدم أخذ حالتهم بعين الاعتبار وما يُشير إلى ذلك كيفية وضع السيارات على الأرصفة”.

وبعد تولّي منقارة هذا المنصب، تُشير سنكري إلى أنّها تعرف سارة التي وصفتها بأنّها نشيطة، وتحبّ عملها كثيرًا. وتقول لـ”لبنان الكبير”: “أحترمها كثيرًا وأقدّر المنصب الذي وصلت إليه بجهودها في الولايات المتحدّة الأميركية التي تحترم الطاقات وتُقدّم الفرص والتسهيلات للنّاس جميعًا…”.

شارك المقال