الثورة في طرابلس: “لا حركة ولا بركة”

إسراء ديب
إسراء ديب

لم تتمكّن الدعوات التي أطلقها العديد من الناشطين والثوار على مواقع التواصل الاجتماعي من حشد العدد الكافي من المواطنين في ساحات الثورة، لا سيما في مدينة طرابلس التي خلت من الشعارات الاحتجاجية “اللازمة” للخروج من أصعب الأزمات التي يُواجهها لبنان من شماله إلى جنوبه فبقاعه.

قد يكون وضع بعض الأعلام اللبنانية مع أغاني الثورة التي اعتدنا سماعها عندما كانت الانتفاضة في أوجها شمالًا، من أبرز الطقوس التي اعتُمدت في اليوم الذي خصّصه بعض الناشطين لقطع الطرقات في بعض أحياء المدينة لبعض الوقت مع الصمود لساعات في ساحة النور التي لم يدخلها إلّا ما يُقارب الـ 100 شخص في هذه الفترة الزمنية البسيطة والتي خرج منها بعض الثوار في حال من الغضب والعتب واللوم على المواطنين.

في الواقع، انتظر المواطنون بدءًا من الساعة السادسة صباحًا، حضور المزيد من المواطنين للمشاركة في الاحتجاجات الشعبية التي كان من المفترض أن تُنظم وتنطلق من مناطق عدّة، احتجاجًا على الأزمات المعيشية والاقتصادية الصعبة التي لم تترك باب منزل لبنانيّ إلّا وطرقته، لكن ليست خافية تراجع حدّة الثورة وقوّة مناصريها في الآونة الأخيرة، ولا نغفل عن شعور الكثير من المواطنين بالملل من شدّة الأزمات والمشاكل “الروتينية” التي تُلهيهم عن حقوقهم الرئيسية من جهة، مع خوف البعض الآخر منهم من احتمال حصول عمليات اعتقال من قبل القوى الأمنية نتيجة المشاركة في هذه الاحتجاجات من جهة ثانية، وذلك كما حصل منذ سنوات مع بعض الثوار الذين ما زال عدد منهم عرضة للمساءلة القانونية في أيّ وقتٍ، ومع أيّ ظرف طارئ يصبحون مباشرة “تحت المجهر” قانونيًا واجتماعيًا. 

طرابلس تحتاج إلى ثورتها

ارتفاع نسب البطالة، الغلاء المعيشي، ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء بشكلٍ جنونيّ، احتكار التجار للأدوية والبضائع المختلفة، غياب الخدمات المتنوّعة التي تُساعد المواطنين، الأزمات السياسية والخلافات الديبلوماسية التي تنعكس على المغتربين والمقيمين… كلّها أسباب تدفع أيّ شعب يعيش في ظلّ هذه الكوارث الاقتصادية والسياسية والاجتماعية إلى إعلان ثورته مباشرة ضدّ الطبقة السياسية وكلّ من يناصرها سعيًا إلى التغيير الصحيح، لكن في لبنان يبدو أنّ هذه الأسباب تبقى غير كافية لدفع الشعب نحو التغيير.

من هنا، يُجمع عدد من الثوار الطرابلسيين على أنّ مدينة طرابلس لها الأحقية والأولوية في إعلان الثورة ضدّ “الطغيان والظلم والإهمال الرسمي”، فهم لا يُعارضون الفقر والبطالة وغيرهما من الآفات التي تلتصق بالمدينة وشبانها منذ أعوام فحسب، بل لديهم مطالب كثيرة وشعور عميق بالغبن نظرًا لأسلوب التعاطي الرسمي مع الفيحاء التي ترفض هذا المنهج المحلّي وعدم قدرته على حلّ المشاكل أو على الأقلّ التخفيف منها.

من هنا، يُظهر الثائر المعروف بـ”أبو عمر فشيش” غضبه بسبب عدم مشاركة عدد كبير من الناس في التظاهرة التي كانت من المخطّط لها أن تبدأ لتستمر في تأثيرها وانعكاساتها، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “في طرابلس أكثر من 200 ألف شخص، لم يُشارك منهم حتّى ألف أو ألفيْن للإسهام في تغيير وضعنا نحو الأفضل”، مؤكّدًا أنّ “المشكلة التي باتت مرتبطة بثورات لبنان هي الفوضى وعدم التنظيم والتنسيق مما يؤدّي إلى حدوث العشوائية”.

ويرفض أبو عمر ربط الثورة بشخصيات كان قد ارتبط اسمهم بها، ويُضيف: “لا فضل لأحد على قيام هذه الثورة وتطوّرها، إذ نرفض كلّ من يركب موجة الثورات في لبنان، بخاصّة الأحزاب والتيّارات السياسية التي تتدخل بنا وكأنّ شيئًا لم يكن. ويمكن التأكيد أنّنا كلّنا نتمكّن من إحداث هذا التغيير ومن يُساعدنا أكثر في إتمام ذلك هي الطبقة المثقفة والمتعلّمة لأنّها تملك القدرة على المعرفة وقراءة الأحداث وتحليل أبعادها بشكلٍ جيّد ومنطقيّ”.

ويتساءل عن سبب غياب من أسماهم بـ”أصحاب العمامات” أو رجال الدين عن صورة الشارع وتغيّراته، مطالبًا إياهم بضرورة التدخّل لمشاركة الشعب بهمومه ومصائبه الكبرى التي حلّت عليه، ولافتًا إلى أنّ سبب صمود الشعب أمام هذا الكمّ الهائل من المشاكل المحلّية هو التحويلات المالية التي مهما كانت ضئيلة تتمكّن من إنقاذهم وعائلاتهم المحتاجة.

شارك المقال