ناجية تروي رحلة “قارب الموت” الطرابلسي

إسراء ديب
إسراء ديب

تعيش اليوم إحدى النّاجيات من الموت على أعصابها بسبب الصعوبات التي واجهتها مع أكثر من 70 شخصًا كانوا على متن قاربٍ انطلق من طرابلس بشكلٍ غير شرعي ليصل إلى إيطاليا محمّلًا بـ”آلاف الأطنان” من القهر والذل، لكن شاء القدر أن تتعرّض محرّكاته لعطلٍ تقنيّ، مما أدّى إلى توقفه في عرض البحر، لتدخل هذه العائلات في مأساة وضعتهم لساعات تحت ضغطٍ كبير أعادهم إلى نقطة الصفر، أيّ إلى قاع جهنّم لبنان من جديد.

رحلة قاسية: نصب ومشاكل

تصف هذه النّاجية الرحلة بأنّها كانت معقّدة منذ بدايتها، نظرًا لعدم التزام صاحب القارب بالمعايير المطلوبة والكفيلة بنجاحها كما يجب، وتقول لـ”لبنان الكبير”: “إنّ المهاجرين تعرّضوا لما يُشبه عملية النّصب نظرًا لتقديمه قاربا لا يمت بصلة للمواصفات التي طلبت منه منذ البداية، فهو قارب قديم العهد ولا يتناسب مع صعوبة وخطورة الرحلة إلى إيطاليا”.

وأضافت: “بعد تجاوز المياه الإقليمية، حصل عطل تقنيّ أصاب محرّكات القارب عند الساعة الثانية فجرًا، مما أدّى إلى حدوث حالات اختناق من رائحة ودخان المازوت الذي انتشر في المكان، وبسبب هطول الأمطار الغزيرة والرعد لم يتمكّن أيّ فرد منهم اللجوء إلى الخارج (باحة القارب الخارجية) بسبب هذه الأمطار وسوء الحالة الجوية، مما حوّل هذه الرحلة إلى جحيم لم يتركهم في راحة لا في الداخل ولا في الخارج، وبعد محاولة بعض الشبان إصلاح العطل حتّى الساعة الرابعة، اتخذوا قرارًا بإزالة سقف القارب من أجل التخفيف من حدّة رائحة المازوت التي أدّت إلى حدوث بعض حالات الإغماء والتقيؤ التي لم ترحم صغيرًا ولا كبيرًا، وانعكست بشكلٍ كبير على الأطفال الرضع والنساء الحوامل، كما أجروا أيضًا اتصالات مكثفة وأطلقوا نداءات استغاثة إلى الجيش اللبناني ليُنقذهم بعد محاولات مختلفة باءت بالفشل”، مشيرة إلى أنّ الجيش تأخر ليوم كامل ليصل إلى مكان القارب.

وكانت بحرية الجيش اللبناني قد تمكّنت من إنقاذ ما يُقارب الـ80 شخصًا لبنانيًا بينهم سوريون أيضًا كانوا على متن قاربٍ انطلق من بلدة القلمون، وعادوا إلى مرفأ طرابلس للتحقيق معهم لمعرفة تفاصيل ما حدث، لكن بعد العودة إلى المدينة بدأت رحلة جديدة تصفها بأنّها” أقسى وأشدّ إيلامًا”، وتقول: “كنّا نتمنّى الموت في البحر على أن نعود إلى هذا الوطن الذي يرفضنا دائمًا، ونخشى من كلّ المعنيين فيه على أبنائنا الذين أردنا أن نخرجهم من الجحيم الذي أدخلونا إليه عنوة، فإذا كان رئيس الجمهورية ميشال عون طلب منّا الهجرة، فلماذا يُحقّقون معنا وكأنّنا روّجنا لعملية إرهابية؟”.

العودة إلى طرابلس: تحقيقات وتوتر

بعد وصول المهاجرين إلى مرفأ طرابلس، لم تكن حالهم الصحية والنفسية على ما يُرام، فكلّ منهم عاد وهو مبلّل بالمياه، يشعر بالبرد القارس، ثيابه غير نظيفة على الإطلاق لا سيما الأطفال بسبب التقيؤ وحالات الدوار المستمرّة، لكن ووفق مصدر في المرفأ فإنّ متطوعي الصليب الأحمر اللبناني “عملوا على تقديم “النايلون” لحمايتهم من الأمطار والبرد، مع عدم تقديم “حبّة دواء” للمرهقين إلّا لسيّدة كانت تُعاني من نوبة حصى قاسية”.

أمّا بعض العناصر الأمنية، فيُشير المصدر إلى أنّها كانت تُعامل النساء والأطفال بطريقة سيئة للغاية، واحتجزوهم لساعات في أحد مواقف المرفأ بلا إنارة وأخذت منهم الهواتف الخلوية، وفي حال التوتر السائدة أخذت منهم البيانات عينها لمرّات عدّة من شخصيات مختلفة مع احتجاز عددٍ من الرجال في الداخل للتحقيق معهم”، وفق ما يقول لـ”لبنان الكبير”.

وبعد خروج عددٍ من المحتجزين لا سيما بعد ضغطٍ شعبيّ كبير مع تنظيم بعض الناشطين والمقرّبين من عائلات المهاجرين لوقفة احتجاجية عند مدخل المرفأ وفي باب التبانة بخاصّة بعد تهديد أحدهم بحرق نفسه مطالبين بإطلاق أبنائهم، يُؤكّد المصدر أنّ جميع الأفراد خرجوا ما عدا ثلاثة أشخاص تقريبًا وهم من العائلة عينها، وكانوا مسؤولين عمومًا عن هذه الرحلة من حيث معرفتهم بصاحب القارب وتفاصيله، لافتًا إلى أنّ تنظيم هذه الرحلة جاء بسبب الرغبة في الهروب من الأزمات الاقتصادية والصحية التي لا تُتيح لهم القدرة على شراء حبّة دواء لذويهم.

شارك المقال