“يا طعام يا دواء يا تدفئة”… أطفال لبنان في خطر!

راما الجراح

أكثر من 30% من الأطفال في لبنان ينامون ببطون خاوية، لأن الأوضاع المعيشية الصعبة فرضت هذا الواقع المرير على الأسر. وبحسب دراسة إحصائية حديثة أجرتها “اليونيسف” بيّنت أن 77% من الأسر لم تعد قادرة على تأمين حاجاتها من الغذاء بالحد الأدنى. وبحسب الوكالة الأممية، فإن 60% من الأسر تضطر إلى شراء الطعام عبر مراكمة الفواتير غير المدفوعة أو من خلال الاقتراض والاستدانة، و30% من الأطفال لا يتلقون الرعاية الصحية الأولية التي يحتاجون إليها، وأعربت 76% من الأسر عن تأثرها الكبير بالزيادة الهائلة في أسعار الأدوية.

بكل أسف هذه الإحصائيات والأخبار السلبية لم تعُد تفاجئ أحداً، وأصبحت تمر مرور الكرام كغيرها من الأخبار المحلية العادية على شاشات التلفزة أو المواقع الإلكترونية ومجموعات الواتساب، فالأزمات المتوالية في لبنان أنتجت وضعاً يُرثى له انعكس على الأطفال الذين يعتبرون الحلقة الأضعف في هذه الدوامة. وبحسب صندوق الأمم المتحدة للطفولة، فقد أثرت الأزمات في جميع جوانب حياتهم في ظل شحّ الموارد واستحالة الوصول واقعياً إلى الدعم الاجتماعي.

وأشارت المتخصصة في المجال الاجتماعي حنان عراجي، في حديث لـ”لبنان الكبير”، أنه من “أخطر الظواهر التي يمكن أن تؤثر في الأطفال هي الاضطرار إلى فرض تدابير التأقلم مع الأوضاع الصعبة عليهم، الأمر الذي سيؤدي بالطفل إلى الشعور بالنقص والحرمان من جهة، وإلى اعتيادهم نمط حياة صعب يتمثل اليوم بعدم قدرة الاهل على تسجيل أولادهم في المدرسة ودفعهم إلى الشارع للعمل بأي مصلحة كانت ليعودوا ببعض المال يومياً من جهة ثانية”.

ولفتت إلى أن “الأوضاع الصعبة أدّت إلى إنعاش زواج القاصرات من جديد وهذا امر خطير جداً، فأصبح زواج الفتاة فوق الـ15 عاماً “دارج” في القرى بخاصة، لأن العديد من الأهالي يعتبرون أن هذه الطريقة تخفف من أعبائهم، وقد أكدت لي إحدى الأمهات التي زوّجت ابنتها بسنّ 17 عاماً بقولها بروح نفر من البيت وبخف مصروفنا معه، لافتة إلى أن لديها ابنة ثانية تبلغ 15 عاما وهي مستعدة لتزويجها في حال هجم نصيبها”، بحسب تعبيرها.

وناشدت عراجي المسؤولين “بضرورة التحرك لإنقاذ الشعب من الظواهر الجديدة التي تخرج إلى العلن والتي لم نتوقع ظهورها في عصرنا الحديث، مشيرة إلى أنّ الناس بدأت بيع اثاث منازلها لتؤمن قوت يومها فقط بالحد الأدنى ليس أكثر، وأن مستقبل الأطفال مهدد بشكل مباشر وخطير في ظل عدم وجود حلول في الأفق”.

وقد حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة أمس في تقرير نشرته أن مستقبل الأطفال في لبنان بات “على المحك”. وقالت ممثلة اليونيسف في لبنان إنه من “الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان صحة الأطفال وعدم وصولهم لمرحلة التضور من الجوع أو عدم قدرة أهاليهم على معالجتهم أو اضطرارهم للعمل بدلا من التعلّم”.

وبيّن التقرير أن “53% من الأسر لديها طفل واحد على الاقل فوّت وجبة طعام في تشرين الأول الماضي مقارنة بنسبة 37% في نيسان الماضي. وشكى أحد الآباء معاناته: “لن استطيع شراء المازوت ولا الحطب للتدفئة هذا العام لأنني في المقابل سأضطر إلى حرمان أولادي وزوجتي من الطعام القليل الذي أستطيع تأمينه لهم طوال الشهر، ولسنا مضطرين للموت من الجوع وسنستعين بالحرامات، وعند المرض وحاجتهم للدواء لا أعلم ما العمل!”.

من جهتها، أوضحت المعالجة النفسية والخبيرة المحلفة في علم النفس في المحاكم اللبنانية غادة الهواري أن “الأزمة ليست حديثة بل بدأت قبل انتشار وباء كورونا، والأطفال يعتبرون الضحية الأولى في هذا الوضع الصعب، فليس هناك قدرة عند الأهالي على تأمين الصحة البدنية والنفسية لهم، وانتشر عدد كبير منهم على الطرقات للعمل ومساعدة أهلهم على تأمين لقمة العيش واستغنوا عن دراستهم وهذه المشكلة الكبيرة التي أدت إلى تفاقم عمالة الأطفال، وهم أصبحوا أكثر عرضة للضغوط النفسية ويمكن أن يتعرضوا إلى إنهيار عصبي ومشاكل صحية وبخاصة إذا قارنوا وضعهم بين الأمس واليوم، وعند رؤيتهم لعجز أهلهم عن تأمين حاجاتهم”.

وتابعت: “الأطفال الذين يعملون يتعرضون لعدم استقرار نفسي بسبب عدم الاستقرار المادي، ولا شك في انهم يتعرضون للتعنيف الجسدي واللفظي وربما الجنسي لأنهم غير موجودين في مكانهم السليم، بالإضافة إلى الارتفاع في عوارض القلق التي يعانيها أغلب الشعب اللبناني بسبب الأزمة الاقتصادية الصعبة، إضافة إلى أن هؤلاء ليس لديهم قدرة مادية مهدئة للأعصاب وغيرها بسبب غلاء الأسعار”.

الأطفال هم الحلقة الأضعف في ظل كل هذه الأزمات، ولا بوادر خير قريبة، والخطر موجود بدرجة عالية، والله يستر!

شارك المقال