“المندسون” في طرابلس: فيروس خطير يُهدّد أمنها

إسراء ديب
إسراء ديب

يُحاول أهالي طرابلس جاهدين الحفاظ باستمرار على إرثهم الثقافي والاجتماعي المهدّد منذ أعوام، فالمدينة التي عرفت ما يزيد على 20 جولة عنف قاسية وخطيرة دمّرت منازل وشوارع وأدّت إلى مضاعفة نسبة البطالة في هذه البقعة الجغرافية التي واجهت الكثير من التحدّيات الأمنية والسياسية، لم تعد قادرة على تحمّل المزيد من الأزمات المعيشية والاجتماعية، كما لا يُمكنها أيضًا تحمّل تداعيات الإهمال السياسي الذي سمح بوجود بعض الفئات الدخيلة على بيئتها، والتي تستهدف إثارة الفتنة في بيئة تغيب عنها المرجعيات السياسية القوّية، على الرّغم من تعدّدها وشهرتها ورغبتها في خوض الانتخابات النيابية المقبلة.

جرائم قتل في وضح النّهار، توتر أمني من الصباح حتّى المساء، عودة السرقات والنشل إلى الواجهة بعد تراجع حدّتهما مع تشكيل الحكومة، مطاردات وإطلاق رصاص عشوائي ليلًا ونهارًا، استهداف بعض المكاتب والناشطين من خلال إطلاق الرصاص، خوف الكثير من المواطنين ليلًا وحرصهم المستمر على إغلاق مداخل أبنيتهم وأبواب منازلهم بإحكام، كثرة الوقفات الاحتجاجية لرفض الواقع الاقتصادي والمعيشي… كلّها مؤشرات توضح حجم الخطورة الذي يُهدّد كيان المدينة، إذْ يُمكن وفي أيّ لحظة إشعال فتيل الفتنة فيه، وفق رغبة بعض القيادات السياسية والأحزاب النافذة محلّيًا بإفساد سلامها وسلامة أهلها.

لعبة مكشوفة؟

في الواقع، بعد مواجهة مدينة طرابلس أقسى المعارك في ظلّ الوصاية السورية على لبنان التي ألقت سمومها بين الطرابلسيين الذين ما زالوا بمعظمهم يُعارضونها بشدّة، يُواجه الأهالي في الفترة الأخيرة سمومًا من نوع آخر، قد يُطلق البعض عليها سموم “سرايا المقاومة” التي لا تبتعد عن أجواء النّظام السوري، ودخلت إلى أجواء المدينة للقيام بعمليات تنظيمية تستهدف تعكير صفو الحياة فيها بين الحين والآخر، من خلال افتعال بعض المشاكل فيها وإلصاق التهمة بـ”المندسين” أو “الطابور الخامس” الذي أحرق مبنى البلدية وأفشل ثورة مع تشويه المبادئ التي دفعت الآلاف من الطرابلسيين والشماليين إلى اللجوء إلى الشارع، وغيرها من العمليات التي باتت لعبة مكشوفة تقوم بها بعض الشخصيات أو العائلات في طرابلس بدعم مالي يُقال أنّ مصدره يعود لسرايا المقاومة، وهو ما لا يُعلن عنه صراحة حتّى هذه اللحظة، ولا تقتصر هذه التعدّيات على هذه العائلات فحسب، فهناك الكثير من المجموعات المستفيدة من غياب الدّولة عن الصورة في الآونة الأخيرة”، وفق ما يقول أحد المراجع السياسية الطرابلسية لـ”لبنان الكبير”.

لا نبالغ حين نُؤكّد أنّ طرابلس كانت ولا تزال تدفع ثمن موقفها المباشر والمعلن ضدّ سياسة النّظام السوري الذي فتك بأبنائها خلال الثمانينيات والتسعينيات وعاد وفجّرهم أيضًا في تفجيرَي التقوى والسلام، لكن لا يستبعد مصدر أمنيّ خضة أمنية جديدة قد تُحدث بعض الخروقات الأمنية قريبًا، ويقول لـ”لبنان الكبير”: “إنّ نسبة الفقر تزداد بشكلٍ كبير في طرابلس، ومع اقتراب الانتخابات النيابية قد تحدث بعض الخروقات التي تستدعي تدخل بعض الأطراف السياسيين الطامحين إلى النجاح شعبيًا، ولا نخفي أنّ الشعب بات في وضعٍ خانق وأنّ المزيد من الضغوط ستدفعه إلى الشارع، مما يُؤدّي في الوقت عينه إلى تدخل بعض الأفراد أو قيام بعض الأفراد بدعم آخرين للتدخل في الشارع الطرابلسي لتشويه التحرّكات التي ولو كانت غير سلمية، لن تبلغ ما قد يفعله هؤلاء الأفراد الذين يرغبون في إحداث الفوضى بخلاف الآخرين الذين يُريدون التعبير عن حقوقهم”.

ويُضيف: “تبقى المؤسسات الرسمية في خطر كبير ولا سيما بعد حرق البلدية وتصويب الضربات باتجاه السرايا في طرابلس، ولا نخفي وجود بعض المواطنين الغاضبين لكن في الوقت عينه نخشى من تدخل آخرين ليصلوا إلى أهدافهم الدنيئة، مشيرًا إلى أنّ القوى الأمنية تُدرك هوية الشخصيات التي ترتكب هذه الأفعال، وغالبًا ما يعلن عن بدء التحقيقات بملفات من الملاحظ أنّها لم تصل يومًا إلى خاتمةٍ مرضية إلّا للطرف المرتكب، لكن من دون الإفصاح إطلاقًا عن هوية وانتماء هذه الشخصيات بشكلٍ كامل منعًا للإحراج السياسيّ”.

ومع عودة الاحتجاجات إلى الشارع منذ ساعات بعد الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار، يُؤكّد المصدر أنّ الكثير من الطرابلسيين سيعودون إلى الشارع تعبيرًا عن رأيهم، محذرًا المواطنين من قيام بعض الفئات باستهداف تحرّكاتهم لإفسادها و”غربلة” أهدافها، ولافتًا إلى أنّ القوى الأمنية لم تُمانع أيّ تحرّك سلميّ، لكنّها ستكون في مواجهة أيّ مخرّب يسعى لتشويه المؤسسات الرسمية واستهداف مراكزها شمالًا.

شارك المقال